17 نوفمبر، 2024 10:33 م
Search
Close this search box.

الفقراء والسياسة…….!

الفقراء والسياسة…….!

قبل سبعين سنةٍ ظهر كتاب فرنسي في خلاصته هذا القول: أن الفقراء يجدون في السياسة لذة مجانية….!
وهذا الأستنتاج الحقيقي ذكرني بمشهدٍ تلفازي قصير يظهر ضمن مقدمة يتحدث عن هموم الناس في قناة تلفازية يظهر فيها رجل مسن يستكدي في احدى ارصفة كرادة بغداد وهو يتحدث عن آماله لحياة البلد القادمة بقوله :نحن نريد للبلاد أن تتطور وللمعامل أن تدور مكائنها.
الكهل المعدم والمسكين يتحدث عن هذا الأمل وهو يعلم تماما أن فلسا واحدا من ريع هذه المعامل لم ولن يصل اليه وسيجد هيكله العظمي المتداعي غافيا في صمت ابدي على الرصيف تحمله أكف المحسنين الى مثواه الاخير.
هذا الفقير وغيره اللآف مثل حاله تظهرهم الفضائيات العراقية كل يوم وآخرها ما اظهرته البغدادية لعائلة بصرية من ستة افراد تقود تظاهرة احتجاجية على الاوضاع المتردية في البلد.
علاقة الفقراء بالسياسة هي علاقة الازل البعيد منذ اول الثورات التاريخية ، وربما اقدمها بالصيغة القريبة لمعنى الثورة هي ثورة سبارتيكوس وحتما كانت هناك قبله ثورات ضد الملوك والولاة التي كان الفقراء يقودونها بدافع الجوع أو تحريض من الكهنة أما الثورات التي تقوم ضد المحتلين والغزاة فأن كل فئات الشعب تشارك فيها.
هذا العلاقة في جانبها النفسي مشفوعة بلذة روحية تستشعر الراحة والأمل والحلم في التفكير في هذا الجانب ، لأن الذات الفقيرة هي في بعض مراحل تفكيرها تكاد تكون ذات مستلبة وقنوعة ومهادنة لهذا فأن التفكير بالأحلام والطموحات من خلال وضع التصورات والحلول ضمن الاطار العام والبعيد عن ادوات السلطة البوليسية والقضائية والتابهويتية يمثل لتلك الذات متنفسا وشعورا بأبداء المكتوم الذي يأتي على شكل ردة فعل او رأي أو استجابة .
لهذا يشعرُ الفقراء بقيمة اللذة المجانية التي تبيح لهم الاقتراب من ظلال تاج الملك وقبعة رئيس الجمهورية وربطة عنق الوزير.
في العراق بين الفقير والسياسي تكتب الحياة اليوم واحدا من أطول ملاحم الخداع والشد والجذب والمتاجرة ، حتى على مستوى الخواطر والقيم الدينية والعلمانية والوطنية هناك بضاعة يتبادلها الاثنان وفي النهاية ثمة واحد من طرفي الحبل يحاول أن يستغل براءة وطيبة ومظلومية الطرف الثاني.
هذا الشد والجذب وتبادل وجهات النظر والأمال والنقد والثراء والمفخخات والمناصب والتظاهرات والاعتصامات وملفات الفساد والمؤتمرات الصحفية والبطاقة التموينية وفنادق بيروت وتبيض الاموال في بنوك عمان ومعاش المتقاعد وعمليات النقشبندية هي في مجموعها الاغراض والبضاعة التي يتعامل فيها الفقير والسياسي ، الفقير يشعر في لذة أنه يتألم ويقوم بردة فعل ازاء ما تؤشر في الكثير منها كموبقات عندما يرى السياسي الذي صوت له وخدعه يسرق وينهب ويتحصن في منطقة محمية ، وهو تحت لهيب الشمس يذهب الى مقر عمله مشيا على الاقدام بسبب الزحام وقطع الطرق والخوف من نذالة الارهابي المفخخ وما أن يلاقيه مراسل القناة الفضائية المتربصة من أجل تهيئة اجواء ممارسة اللذة لهذا الفقير حتى تراه يهب في وجه الكاميرا يشتم ويسب ويهاجم .
بين الفقراء والسياسة ودا ازليا متأزما لن يتوقف مادام البون شاسعاً بين جيوب السياسيين وجيوب عامة الشعب ، وهذا ما خلص اليه الكتاب الفرنسي المكتوب قبل 70 عاما .أن تلك اللذة التي تعتري الفقير في التعامل بشكل مجاني مع الملك والرئيس والنائب والوزير ربما يحولها الجمع المكبوت لتلك اللذة الى ثورة عارمة ولكنها كما في كل الثورات ستأتي بالحلم مؤقتا ثم تعود اللذائذ مرة اخرى تسكن ابدان الفقراء بسبب السياسة الخاطئة او الجائرة………ّ

أحدث المقالات