18 ديسمبر، 2024 7:01 م

الفقراء لا يدخلون الجنة

الفقراء لا يدخلون الجنة

الايدي السوداء هي من تستطيع حجز الصمت خلف القضبان فقد أتى ضجيجه على ما بقي لي من مساحة هدوء في وحدتي المعتمة، الساعة لا تكتك لأن عقاربها تلدغ بصمت، الوقت يتدلى ميتا بإنشوطة ماض تولى، يغشى ليل الموحش عنوان كئيب إسمه الوحدة، فأفزع الى راحلتي لتسير بي حيث سراب الأمل، في تلك اللحظة تلبس القضبان طاقية الإخفاء، تسير عارية بصمتِ تقول: لا تظن أن الناس لا تراك، فرائحة نتانتك تدل على تواجدك أينما اختفيت، حقا ما قالت! لقد اسملت الاوجاع أعين حاضري ومستقبلي، صار الحديث مثل ترهات الكلام بأن تساق الحروف كالعبيد حتى تلمع مسميات منتهية الصلاحية بحجة التغيير، هذا ما كان يراودني عندما استوقفتني المحطات اتذكرها مكتظة الضجيج يعلو .. ويعلو
فوق صافرة الايام تلك التي تأتي بموعد انطلاق الى عالم بعيد دون تأخير، تأخذ معها كل الضجيج فلا يبقى سوى دموع وداع وألم، كما غيرها على ارصفة الحياة التي تطايرت بصحف الاولين والآخرين لكن بقي البعض منا يحمل عبق ذكريات ويعض على الاصابع بعد ان وجد نفسه في محطة ما دون ضجيج ارصفة تبكي الوحدة، تسف التراب، تترحم على صافرات تطلق قبل اوانها دون مواعيد ايام بمسمى الارهاب، لكنها لا زالت تسمع الريل وحمد سألته ما همك؟؟
قال: قبل أيام خرجت الى صلاة الفجر كعادتي غير ان هذه المرة إنضم إلي الإستغراب!! فالكلاب السائبة التي تنبح وتتخذ من الليل ستارا كي اكون فريستها كما غيري قد اختفت.. حتى القطط لم ارها! أو اسمع مواءها.. الغريب!!! أني وجدت بدل الكلاب رجال يتخطفون كالوميض، عيون تلمع في العتمة كالقطط، اما المصلين الذين أعتدت مسايرتهم فقد باتوا يُعَدَون على الاصابع… حينها فقط علمت عندما اقترب مني احد تلك الكلاب الجديدة قائلا لي: ألا تخشى الخروج وحدك؟ فلا يحيط بك سوى الظلام؟ ألا تخشى الكلاب السائبة؟؟؟
شعرت فعلا ان الكلاب ستنهشني لحظتها رغم شكلها الآدمي، لذا قفلت راجعا دون أن أنبس بكلمة، صليت في البيت، العيون ترصدني من خلال السياج، يا هذا!!! القضبان ليست قوائم من حديد فقط تلفى نفسك خلفها لتهان انسانيتك او الحط من حريتكك، إن قضبان الخوف اشد وطاة واكثر ظلمة، لم اعي اني بلا قيمة إلا عندما صارت وتحولت الكلاب الى اشكال بشرية بل غيرت جلدها فصارت كقطيع من الخنازير همها اكل لحوم بشرية دون ان تسمي فلقد نَكَرت وجود الله فما عادت تعرف سوى من تعبد… صدقني لقد أسفت على قلبي الذي كان خلف قضبان اضلعي شعرت بمعاناته رغم انه يخفق بداخلي غير ان ضرباته كانت مدوية اسمعت من امسك بي اني قد هرمت فراح يضحك، إن الهلع والخوف ميزة لديهم تنسل من تحت ايديهم لطمات لو قسمت على من لا يحبون لنال كل إنسان بطاقة دخول الى مقابر جماعية… شاء الحظ اني كنت احد الذي رصدوهم وسيق بي الى حيث لا ادري، كان يحلو لهم ان يروني أتبول على نفسي او اتغوط فتلك علامة انهم وصلوا الى مبتغاهم، كسروا الضلع الذي اختبئ خلفه، فقضبان سجنهم لم تكفي بعد ان احاطوني بها فعمدوا الى قضبان صدري كسروها، كان الالم لا يطاق.. فكلما ارادوا النيل مني قالوا: أين ربك الذي تعبد؟ اين هو ليخلصك؟ يا للعجب!!! كأننا في زمن الجاهلية عندما جاء الاسلام ونهش الكفار بالعبيد اجرموا بهم… الله لم يكن بعيدا عن عقلي وضميري لقد كان حاضرا في نفسي وقلبي الذي ارادوا كسر قضبانه.. كنت صبورا فغايتهم موتي إذن فليكن لهم ما يشاؤون.. لا حيلة لي لا استطيع ان أجاريهم فيما يرغبون… كان لصمت القضبان اثره في نفسي فلا يمكن ان تصرخ وقد شهدت ظلمهم وجبروتهم، إنهم عناوين السلطة تلك التي إن ارادت سلبت الناس ارواحهم كونهم يعبدون إله غير إلههم…
اتعي ما اقول؟؟ إنني يا هذا مشروع صغير يقيمون عليه ألف وليمة، أما غيري يساقون بالمئات، فالظلم غايتهم، التعذيب والترهيب وسيلتهم للبقاء هي الدنيا التي تتلاعب مع إبليس الذي عصى وتجبر مخرجا شياطينه الذين كانوا في سبات، فلكل بني آدم شيطان يلبس وجها مستعارا يحتاج الى فرصة كي يظهر وجهه الحقيقي، أما تلك التي تكون في جحيم حياتها تريد ان ترى الضياء حتى لو من خلال غربال لا تستطيع فالمالك الانسي لا يرضى بغير الذل، يا هذا الصلاة لا تقربك من الله بل تبعدك ما أن ترى سوط الجلاد، خرافة هي الصراط المستقيم اما الجنة فهي من نصيب الاولين اصحاب النفوذ سواء في الدنيا أو الآخرة وإلا هل رأيت يوما و سمعت ان الفقراء يدخلون الجنة؟ صدقني إنها لعبة الخاسر الاكبر فيها من يشار له ان العدل هو معيار قيمة استثنائية مع العلم الجميع يعرف ان كسر الميزان وهتك العدل هما الخط الذي يؤدي الى البقاء… لا ادري كيف اصف لك ما اريد تبيانه؟ لكن كل الانظمة والحكام أولي الامر وجب طاعتهم بخيرهم النافق وشرهم المستديم… عدمتم الحيلة فلجأتم الى خيبة الامل جميعكم تسعون للتعبد والدعاء خلسة حتى انتقامكم من ظالميكم بهمس لا يسمعه حتى الله لأنكم تخافون الجهر وهذا هو بيت القصيد الشجاعة والتضحية فمن منكم يحب ان يكون مضحيا بحياته وما يملك حتى ولو كان قشة… النتيجة لا احد، لهذا جاءت السلطة بخنازيرها اللاتي نمثلها نحن بأن تكون خنخنتنا ونهشنا لِلحوم طرية مستباح، فمن لا يحب ان يكون جلاد يمارس السطوة حتى في بيته على اهله وعياله.. كلنا نريد ان نكون ارباب لكن بطريقة مختلفة فمن يمسك بالسلطة يخرج وجهه المخفي ليشهد عالم التخبطات إننا يا هذا نعيش في زمن لا مكان للسلام ولا مكان للحيادية أما ان تكون في قافلة الشياطين او تكون في قائمة المغضوب عليهم… هيا الآن عليك ان تختار إما ان تكون حيوانا تعيش خلف قضبان الصمت المنسية او تكون كلبا من كلاب السلطة.. فلا وسطية بين الامرين في زمن التردي والقرابين البشرية.