يهيئ الشاعر سعدي يوسف صورَ مشاهده على أساسيات التداخل الذي يهيئ له التلاعب بقدرة الشكل الانشطاري في قياس الأبعاد التي تؤمنُ دوراً للأحداث غير المتوقعة لكنها غير المجهولة والتي تسهم في إثراء اللاوعي ضمن دورات التبادل العكسي مابين التذكر كعمليةٍ تخيليةٍ ومابين التذكير بدور الشاعر ووجوده ضمن أيما عمل كوني فلا وجود لفاصل أو انتقالات غير قياسية ضمن التتابع السردي المقنن فتراهُ من أينما يقرأ النص ومن أي زاويةٍ ينظر إليه ويعاد تركيبه كأن يُقرأ من الأسفلِ للأعلى ومن وسطهِ لأخره ومن أخره لبدايته يجد المتلقي أن الفعل الإيحائي يُخَلفُ أثراً منتجاً في مساحة المشهد الذي يسبق قيام المشهد الأخر أي أن قوة الإحكام لاتتم على أساس ربط تأثير قوة المفردة مع أخرى بأي نمط من أنماط دالاتها وإنما من خلال إعطاء مجموعة المشاهد قدراتها التحررية في بسط معانيها وتشكيلها لشكل منسق ذاتي لا يكون بالضرورة تابعا لوحدات النص الأخرى وبذلك يتم تأمين ردود الأفعال العكسية في أيما اتجاه داخل النص :
عشراتُ الألوفِ من الأليافِ المائيةِ
لن يتحول ماء الثلج دموعاً
تكفيني اللحظةُ
والأزهارُ البيضُ
تطيرُ مع الريح
هنا تم تجزئة النص وأخذت منه البدايةَ والنهايةَ ثم العودة إلى المنتصف وبقي النص متماسكاً في قدراته الفاعلة على الإشتغال ضمن المعنى في مساحة غير عبثية بل منتجة وقابلة على الإيحاء والتوقع ،وفي موقع أخر يخفف الشاعر من ضغطه على العقل والعاطفة لإحداث موازنة ما بينهما وبين المؤثرات النفسية التي ينتجها فعل التخيل ضمن عملية إنتاج المنتج دون الحاجة للتعويض والإستبدال ضمن توقفات الوعي الإدراكية والمتخيل من الجزئيات :
تلك القطراتُ الأولى تختبئ الآن
ولكن أين
تُرى أهيَ بذيل الخيمةِ
أو … تحت وريقاتِ البلوط
وهل ستقولُ يلاماً
إن نزلت في عينيَ مباغتةً
وأنا في ركن الساحةِ منتظراً
فلئن جئن فأهلاً
ولئن غبنَ فأهلاً
يكفيني أني في الساحةِ
أنتظر القطرات
إن التأسيسَ لإعطاء الجزء استقلالية في الحركة ضمن المعنى الشمولي العام للنص يعني قيام وحدات تشكيلية قادرة على الإفادة من فيض العوامل المنتجة خارج أي إطار شكلي تفترضه المخيلة وهو جزء من صراع لحظة التوهج لإبقاء إفرازات المشهد العيني الآني أمام المشهد التخيلي في ذاكرة اللاوعي ومن هنا كوّن الشاعر سعدي يوسف تحسساته السريعة والمسبقة بعد الصدام مع صور المتخيلة المتشابهة معها أو النقيضة وقد هيئاها للانشطار ضمن عملية تبادل اللقطات بعضها مع البعض الأخر رغم أن الحيز معلومٌ والمشاهد الحاضرة قد أخضعها الشاعر للانسجام وفق ما تعنيه قدراتها لإعطاء الوصف الدقيق للصفات المتحولة الجديدة :
تنحني النبتةُ المنزلية
تحت الهواء الثقيلِ
على الطاولةِ بين منفضةٍ للسكائرِ ملأى وكيس دخان
قوائمٌ للغاز والكهرباء
السفينةُ تبحرُ في الحائطِ
الطيرُ ينقرُ رأسَ المغني
غرفتي تتضايقُ مني
تضيقُ
السفينةُ غابت عن المشهدِ
الليلُ يجلسُ في الركنِ
ملتحفاً بالهواء الثخين
إن الشعرَ كما يقول عنه (شلي ) في دفاعه عنه ( سجلٌ لإقامةِ أفضل اللحظات ) فإذا كانت الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى (الحياة ناقص شئ ما ) فإن الشعر ( الحياة ) زائداً لشئ ما فالشاعرُ هنا يبحث عن حاجة الغرض سواء بالتمويه أو مكاشفة الواقع وهو تفويض للخيال وتحولاته لربط فواصل زمنية ومكانية بعضها مع البعض الأخر وحتى صوره الإستحظارية فإنها تقابل بشئ من تزاوج اليقظتين الواعية وغير الواعية فالصورة لديه في هذا الإطار تنسجم مع قول الجرجاني(ظهورها من غير معدنها) وقد أشار برغسون في متابعته لفلسفة الحياة إن الموجودات تنحل إلى نوع من الدفع الحيوي المنبعثة من جميع الظواهر وهذا ما يتقارب إلى حد التطابق إلى ما يشير إليه سعدي يوسف في تحليلاته لمجمل عملياته البنائية السمعية والمرئية والتي يكون منها إمتدات شعرية لا تقفُ عند حدود معينة كهذا الجزء من (غارة جوية ) وقد كتبها في لندن :
في وطني الآن
الرعدُ
الطيران الأمريكي
وبالحاوية العنقودية
ينقضُ على الكوفةِ
والفلوجة
والنجف
الطيران الأمريكي
ينقضُ علىَ الأن
لقد امّن سعدي يوسف في صلاة الوثني أصرة تنقلاته على مستوى إشباع الموجودات والتي لايكفي ظهورها للتعامل مع شكلها المنظورلو تم التصرف بما يشكله مضمونها المألوف لذلك فأن خيالهَ قد وصل جودة الإنتاج .
[email protected]
شاعر عراقي – مقيم في قطر
هامش / سعدي يوسف / صلاة الوثني