12 أبريل، 2024 8:08 م
Search
Close this search box.

الفضائيات العراقية بين حرية التعبير وصناعة التهم الكيدية

Facebook
Twitter
LinkedIn

((إن الحرية هي إلتزام….)) فيلسوف الحرية جان بول سارتر
من الواضح ان الفضائيات العراقية، تأسست مثل العشوائيات، في خضم الفوضى السياسية والفكرية والطائفية والثقافية المعوجة في العراق، وكثير منها مدفوعة الثمن ومنها تنعكس وجهات نظر حزبية، وكما يقول اهل المنطق (ان النتائج تتبع المقدمات)، فالعراق الذي كان لايعرف سوى قناتين تلفزيونيتين صار اليوم مخنوقاً بحوالي الأربعين فضائية كل منها يدعي أنه يمثل العراق!!.
أباح الدستور العراقي في الماده 36/ ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، حرية التعبير:
(تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون).
وكان الحاكم المدني (بول برايمر) قد أصدر أمرين لتنظيم العمل الاعلامي بالعراق ذو الرقمين (61 و62) وهما الاساس في تشكيل الرؤية الجديده للاعلام، ولكن ذلك تمخض عن ولادات مشوهة لحوالي الأربعين قناة فضائية وأرضية، قليل جدا منها يبث من داخل العراق، ومعظمها من خارجه!! ولكل واحده منها سياستها واهدافها وجهة تمويل غير واضحة معالمها.
ومن البديهيات ان الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب بصدد واقعة معينة أو مشكلة من المشكلات حيث يعبر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم، وهو ما يعني أن الإعلام يقوم بالإقناع عن طريق المعلومات والأرقام والإحصاءات والحقائق، فالإعلامي ليس له غرض معين فيما ينشره أو يذيعه على الناس فهو يقدم حقائق مجردة، وهذا ما يميّزه عن رجل الدعاية. ولكن هناك اثار للفضائيات على المجتمع برؤية جنائية لم يتنبه اليها المختصون ويمكن تحديد ملامح لأهم سماتها: ( تاجيج العدوانية – اضعاف روح الولاء للمجتولاء للمجتمع – خدش الحياء العام – التحريض على جرائم القتل – انتهاك الحرية الشخصية للاخرين بذكر اسماء الخصوم والتي تؤدي الى خلخله منظومة القيم المجتمعية، ومنها جرائم الثأر بالعراق – التشهير بنزاهة اشخاص ثبتت براءتهم اضافة الى موضوع مهم جدا هو طمس الهوية الوطنية).
اما اسباب تفشي هذه الظواهر على المجتمع العراقي:
1. عدم وجود معايير محددة ومقننة لاخلاقية المهنة والتي تعد جزء بارز وهام من المسوؤلية الاجتماعية.
2. غياب او ضمور المهنية الاعلامية حيث تسلل طارئون على المهنة وهم الاق�ة وهم الاقارب ومن شلل التحزب واولاد المحلة والعشيرة.. الخ.
3. استغلال النقص التشريعي وافتفار القانون الوطني الى نصوص تحد من التشهير لان اغلب الفضائيات خارج الاختصاص المكاني للقانون العراقي، وإن كانت آثار أفعالها ومخالفاتها تقع داخل المجتمع العراقي المبتلى بهذه الفضائيات.

ان للمجتمع العراقي سمات تختلف عن اي بلد مجاور له، من حيث نسيج علاقاته وتكتلاته السكانية ونمط السلوك، ويمكن ايجاز بعض السمات البارزه للمجتمع العراقي:
1. مجتمع قبلي والعصبية القبلية لدى البعض اقوى من رابطة الوطن او القومية او المذهب ومنها العطوة والفصل ( حول انت وعمامك وعليكم دفع الدية!!).
2. السمعة الاجتماعية يدافع عنها العراقي حتى لوضحى بحياته، لان العار يظل يلاحق الشخص حتى لو ارتكبت احدى قريباته جريمة شرف، حيث لايتقدم أحد على بناته، اذن فكيف اذا تم توجيه تهمة بالإرهاب أو بالنزاهة في قضية ما؟؟ حيث هناك عقاب اجتماعي لا يدركه الا الذين لديهم سعة أفق عن واقع المجتمع العراقي.وهو مايسمى (الوصم الاجتماعي)

في خضم هكذا علاقات ثأرية من جانب وسياسة فضائيات لاتدرك مفاهيم المجتمع العراقي، ومن جانب اخر ابتعاد البعض منها عن اهدافها، والتي لم تكرس جهودها لنشر الوعي والمعرفة، بقدر شروعها بتنظيم حملات من توجيه الاتهامات ودون تأني أو تبصر. وأصبحت ظاهرة توجيه الاتهامات مظهراً من مظاهر زعزعة الاستقرار في الوضع السياسي الجديد، وانعكاساً للمضاربات العبثية بين النخب السياسية أو حتى في داخلها، أو مجرد تصفية حسابات شخصية والسعي لتشويه سمعة هذا الطرف السياسي أو هذه الشخصية السياسية بهدف التستر على عيوب موجودة عند من يعتمد هذا الأسلوب المنحط والمتدني أخلاقياً في فبركة الأكاذيب. ان توجيه اتهامات خطيرة، وإصدار أحكام جماهيرية على المتهمين قبل إثبات إدانتهم قضائياً، هذا التعدي يعد خروجا عن ميثاق الشرف الإعلامي بالإضافة إلى انه يؤدى إلى التشكيك في النظام القضائي الموجود في الدولة، ولعل السبب في حدوث هذه التجاوزات الإطار الأشمل للمجتمع الذي يسمح بح� الأخطاء.
إنّ إجراء( محاكمات فضائية غيابية!) وتوجيه الاتهامات، واحضار شهود الزور بدون حضور الشخص المعني للدفاع عن نفسه، هو بحد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون وتشكل جريمة المساس بسير العدالة. هذا بالإضافة إلى أن مذيعي الفضائيات لايجوز أن يحلوا محل قضاة التحقيق أو المحققين، وهو( ليس تحقيق صحفي انما تحقيق جنائي) له قواعده واصوله، وقد يكون المشتكي مصاب بـ(فصام العقل) حيث لاحظنا بسيرتنا المهنيه هناك اشخاص مصابون بامراض نفسية وعقلية (سايكوباث) نطلق عليهم (معاميل بالمحاكم!!) يكرسون حياتهم للانتقام من الاخرين، ولديهم قدرة كلامية إقناعية عجيبة.
لابد من نشر ثقافة العقول لا ثقافة الأهواء والعبث بالمشاعر، ثقافة المنطق لا ثقافة تحريك الغرائز، ثقافة التأثير الإيجابي لا ثقافة التأثير السلبي، وأن يُدلي بدلوه كلما عرض مشكلة أو أزمة أو عقبة تمّر بالمجتمع، وتقديم الحلول المشروعة والمعالجات المناسبة في ضوء ما يحمل من ثقافة ووعي، ومعارف تؤهله للاستمرار في مخاطبة العقول والثقافات والسلوكيات والشخصية الحقيقية لتلك الجماهير التي تنتظر منه الكثير ومعارف تؤهله للاستمرار في مخاطبة العقول والثقافات والسلوكيات. إن على مالك المحطة الفضائية أن يعي الإلتزامات الأخلاقية والمهنية ووجوب إحترام القانون، وأن واجب محطته أن تكون مؤسسة اجتماعية، تصنع الفكر وتسهم في تكوين الذاكرة الجماعية للأمة، وتشكل الرأي العام المستنير وليس المُضلّل! وهي ليست فضاءً للتشهير والتسقيط السياسي والحزبي وللمنتجات المعلبة الهابطة.
من خلال هذا العرض الموجز، نستطيع أن نوجز أبرز الأخطاء القانونية الفادحة التي وقعت فيها بعض الفضائيات التي مارست التضليل القضائي ومنها:
1. إنها أسهمت من حيث تعلم أو لا تدري، في التحريض على جرائم القتل بنشر أسماء المتخاصمين على الملأ العام، وهي جريمه يعاقب عليها القانون.
2. عدم التفهم للواقع العراقي المتأزم والذي تسوده علاقات ثارية والنظام القبلي الذي زحف اخيرا على المدن الكبيرة.
ان المطالبه بإحداث نقلة نوعية في أداء الفضائيات العراقية، بحيث تتعهد بالالتزام الأخلاقى للأداء المهني، وبما يخدم عادات وتقاليد المجتمع من خلال رفع كفاءة الرقابة الذاتية بعيدا عن رقابة الدولة وضرورة تبنى دعوة أصحاب القنوات الفضائية إلى وضع مقاييس شرف مهني قابل للتنفيذ والتطبيق بواسطة لجنة من الخبراء لوضع آليات حقيقية أكثر تفعيلا.
إن كفاءة الإعلاميين ضرورية هي الأخرى لاستكمال جميع جوانب المهنية الإعلامية في المؤسسة، إذ أن الإعلاميين المؤهلين أكاديمياً سيشكلون بلا شك الجهاز الوظيفي المرموق الذي تتمكن من خلاله الفضائية إرتقاء سلم النجاح وبلوغ أهدافها.. وتحقيق طموحاتها المشروعة، من خلال الاستعانة بمستشار قانوني (محايد) لكل فضائية تعرض عليه المادة المتصلة بقضايا تمس القضاء، للتأكد من قانونية الاجراءات المتبعة والاستعانه بـ(خبير جنائي) في بعض الاجراءات التحقيقية، وهذا هو ما معمول به في اغلب فضائيات العالم شريطة إحترام حقوق الإنسان ومشروعية الإجراءات وعدم التأثير في سير إجراءات القضاء.

خبير في الشؤون الأمنية
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب