18 ديسمبر، 2024 11:57 م

الفضاء المعلوماتي.. وتسطيح الثقافة الأفقية

الفضاء المعلوماتي.. وتسطيح الثقافة الأفقية

حتى منتصف سبعينات القرن الماضي نزولا.. كانت الثقافة عمودية.. والمعرفة متمركزة..والتثقيف ممنهج في الغالب الأعم، ويجري بموجب معايير صارمة مهنية، وعالية الجودة.

فقد كانت المعرفة، كماهو معروف، تحتكرها نخبة من رجال الدين.. والأكاديميين، بشكل خاص.. وقليل من المثقفين المتميزين بالجهد الذاتي..

وما أن حلت ثورة الإنترنت والمعلوماتية.. المفتوحة في كل الاتجاهات بلا قيود.. وشاع استخدام الشبكة العنكبوتية في كل المجالات الاقتصادية، والتجارية، والعلمية،والتكنولوجية، حتى شاعت الثقافة الأفقية بين الجمهور.. وكادت تتهاوى ثقافة النخب، والاختصاص..بعد ان أتيحت المعلومة، أمام الجميع دون تمييز، وصار مجال التعاطي معها متاحاً دون معايير تحكم تحكمه، وبات بمستطاع الكل الإطلاع على المعلومة، في لحظة تحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها بسرعة البرق..

ومع كل الإيجابيات التي افرزتها ثورة الإتصال والمعلوماتية، على نمط التثقيف.. إلا أنها بإتاحة الفرصة لنمط التثقيف الأفقي أمام المستخدمين دون استثناء .. أطاحت بثقافة النخب.. وأشاعت نمط الثقافة الأفقية بين الناس عموماً.. وجمهور المستخدمين خصوصا.. الأمر الذي أدى إلى تسطيح الثقافة.. وهيمنة العمومية في الكتابة.. حتى ان الكثير بات يطلق على نفسه لقب الأديب، والكاتب، والمفكر، وما شاء غيرها من الألقاب، التي كانت سابقاً حكراً على النخب، وذوي الاختصاص.. بعد أن أصبح الكثير يهتم بالكتابة.. وإعادة الإنتاج، سواء بابداعه الذاتي، أو باستخدام تقنية النسخ واللصق.. دون ان يكلف نفسه مشقة البحث العمودي.. والقراءة المكثفة.. كما كان الحال عليه من قبل.. لتجد نفسك أمام الكثير من النصوص الباهتة، والنتاجات الركيكة.. لغة ومبنى.

وهكذا أصبحت ساحة الفضاء المعلوماتي تعج بمنشورات هابطة، لغة ومضمونا، وتفسد الذوق الأدبي العام، في ذات الوقت الذي تطالعك فيه منشورات رصينة، ومفيدة، وترتقي بالحس الأدبي والوعي الثقافي إلى آفاق رحبة.