13 أبريل، 2024 6:48 م
Search
Close this search box.

الفصل بين الإختصصات … والتنسيق بين السلطات

Facebook
Twitter
LinkedIn

القسم الأول

قد تكون مفردات عنوان المقال أكثر شمولا وفاعلية من عبارة ( الفصل بين السلطات ) الواردة في نهاية نص المادة (47) من الدستور ، حيث (( تتكون السلطات الإتحادية ، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، تمارس إختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات )) ، الذي لا ينسجم وواقع الخلل التكويني للسلطات الثلاث بعد الإحتلال ، لعدم توفر أو تطابق شروط قيام السلطات الإتحادية ، في شكل الدولة التي يتنازعها الخلاف وتتلاعب في مقدراتها أجندات دول الإحتلال والجوار ، ولأن الدولة الإتحادية وسلطاتها تنشأ من خلال إتحاد عدد من الولايات أو الأقاليم أو الدول التي تتعايش معا دون إنفصال ، وذلك ما لم يكن العراق متكونا منه كلا أو جزءا ، بدليل نص المادة (3) من الدستور ، على إن ( العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها ، وجزء من العالم الإسلامي ) ، وعليه فإن من الصعوبة البالغة ، خلط غير المتحقق من التشكيلات الإدارية التنظيمية للدولة ، في ساحة دعاة ترديد القول بالنص الدستوري ، من أن العراق دولة إتحادية أو دولة ذات سلطات إتحادية ، بما في ذلك ما تضمنه قرار المحكمة الإتحادية العليا المرقم (55/إتحادية/2010) في 24/10/2010 ، حيث ( وجدت المحكمة من إستقراء نصوص الدستور ، أنه قد أعتمد نظام الحكم الجمهوري النيابي في العراق حسب نص المادة (1) منه ، وتجد المحكمة الاتحادية العليا ، إن النظام الجمهوري النيابي كما هو ثابت في الدول التي تعتمد هذا النظام ، يرتكز على سلطات ثلاث هي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، تمارس كل منها اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات من حيث المهام والاختصاصات ، وتعمل متزامنة ومتعاونة ومتكاملة لتيسير شؤون الدولة ومواطنيها ، وأن الدستور العراقي قد أقر هذا المبدأ في المادة (47) منه ، وتجد المحكمة الإتحادية العليا ، إن غياب عمل إحدى هذه السلطات يؤشر خللا في ركيزة من ركائز نظام الحكم الجمهوري النيابي ، ويبعد نظام الحكم عن المنهج الديمقراطي الذي إختاره الشعب عند الإستفتاء على الدستور ، وعندما عبر عن إختياره هذا من خلال صناديق الإقتراع لإختيار من يمثله في السلطة التشريعية عند ممارسة حقه الدستوري في الإنتخابات العامة لمجلس النواب في آذار من عام 2010 … ) ، كما إن المحكمة الاتحادية العليا قد صادقت على نتائج الانتخابات في 1/6/2010 ولم يحدث أي فراغ دستوري أو تشريعي أو رقابي لغاية تشكيل الحكومة الجديدة حينها بتأريخ 22/12/2010 ، وذلك ما ندحض به إدعاءات النواب المنتهية ولايتهم في 30/6/2018 .

ولما كان النظام الفيدرالي هو الأنسب لإدارة الدولة الإتحادية ، فقد تم فرضه أيضا كنظام لسلطات سياسية قائمة على إختلاف الآراء والمصالح المفتعلة أو المزمنة ، في دولة إتحادية شكلية لها دستورها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ، التي تتجاذبها دوافع الإنفصال لمكونات تؤسس لإستحداث أقاليم ومحافظات متعددة ، ولربما تسعى لإنشاء دولا مستقلة عن بعضها ، بحيث يكون لكل دولة علمها وسلطاتها ، وليس لقيام دولة على أساس توزيع السلطات والتنسيق فيما بينها من خلال تحديد الإختصاصات والفصل بينها ، ولعل ملابسات الصراع القائم على تولي السلطة بين ما يسمى بأحزاب العملية السياسية ، قد كشف عن حقيقة الجرائم المرتكبة من قبل بعضها للبعض الآخر بالإتهام أو بدليل الوقائع ، ومعالم البؤس والتعاسة السياسية المعتمدة ، وحجم الفساد الإداري والمالي والتربوي ، وترعرعه ونموه وإزدهاره في ظلالهما ، من دلائل تخبط السلطات الإتحادية وإنزلاقها نحو الهاوية المتوقعة ، ونهاية ما جاء به الإحتلال الأجنبي للعراق من تشريعات وإجراءات ، تؤكد بأن كل الإجراءات المتخذة من قبل السلطات ( الإتحادية ) الثلاث ، لا تدل على ممارسة أي منها لإختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات ، لأن الفصل بين السلطات مبدأ أساس في تنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة ، منعا للإستبداد والتعسف في إستخدام أي منها لقواه الخاصة ، من خلال تقسيم وظائف الدولة إلى مهام وواجبات مؤدية إلى ضمان عدالة الإجراءات وعدم الإساءة والتعسف في إستعمال السلطة ، ومن غير أن يكون بإستطاعة إحداها شل أعمال السلطة الأخرى ، وعلى أن يتم تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامة التوازن والتنسيق والتعاون فيما بينها ، لإنجاز أعمالها بالشكل الذي يمنع من تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن أي منها ، وصولا إلى إقامة الفصل بين ممارسات السلطات لنشاطاتها وفقا للمطلوب القانوني ، وليس على أساس الإرادات السياسية والأهواء والأفكار الساذجة .

ولأن الدولة مقسمة إلى سلطات منفصلة ومستقلة في صلاحياتها ومجالات مسؤولياتها ، فإن السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب مسؤولة عن تشريع القوانين ورقابة تطبيقها ، والحكومة (السلطة التنفيذية) مسؤولة عن تنفيذ القوانين المشرعة من مجلس النواب وقرارات مجلس الوزراء ، وبذلك تتولى الحكم والإدارة وتسيير أمور الدولة ضمن حدود تلك القوانين ، وكذلك السلطة القضائية في مسؤوليتها عن القضاء وفصل النزاعات بين الناس أو المؤسسات بهدف تحقيق العدل بينهم وفقا للقانون ، كما إن هناك دوائر مركزية ذات شخصية معنوية وإختصاص وإستقلال إداري ومالي ، ترتبط بشكل أو بآخر بإحدى السلطات الثلاث ، لكنها تمارس إختصاصاتها وأعمالها بمعزل عن تأثير أي من تلك السلطات ، لأنها من مكونات السلطات المركزية أو الإتحادية وليست التابعة لأي منها ، مثل البنك المركزي العراقي ، وديوان الرقابة المالية ، ومجلس الخدمة الإتحادي ، والمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات .

إن مبدأ الفصل بين السلطات هو أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية ، وقد إرتبط هذا المبدأ بإسم الفيلسوف السياسي الفرنسي ( مونتيسكيو ) ، الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساس لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة ، وللتخلص من الحكومات المطلقة التي تعمد إلى تركيز جميع السلطات بين يديها ، وهذا المبدأ يعني توزيع وظائف الحكم الرئيسة على هيئات ثلاث هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، حيث تستقل كل منها في مباشرة إختصاص وظيفتها ، لكن هذا الفصل لا يعني الفصل التام بين السلطات ، إنما لا بد من وجود تنسيق وتعاون بين هذه السلطات ، وإحترام كل سلطة للإختصاصات الوظيفية المنوطة بالسلطة الأخرى ، ووجود رقابة متبادلة بين السلطات الثلاث بما يحقق حماية حقوق وحريات الأفراد.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب