بضعة أسابيع مقبلة وندخل العام الثامن عشر لأنهيار نظام البعث في العراق و تسليم السلطة الى المعارضة الوطنية العراقية ، والتي ثبت عمليا فيما بعد أنها لا تمت للوطنية بأية صلة ولا تليق بالسلطة مطلقا من خلال ما أفرزته من نتائج وأحداث كارثية لا أود الخوض في تفاصيلها لكثرتها وبشاعتها ، فضلا عن رغبتي بعدم الخروج عن مضمون المقال الذي طالما كان موضع تساؤل وتفكير وتأمل للكثير من المهتمين بالشأن السياسي والذي يدور حول العقلية العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص وتعليقها ما ترتكبه من أخطاء ومصائب على شماعة الآخر . لذا تجد ان الفشل يعيش حالة من اليُتم الدائم ، بينما تجد ان للنجاح أدعياء كثيرون. وقبل تناول صفحات الفشل العراقي دعونا نستذكر صفحات الفشل العربي العديدة في تأريخنا االمعاصر والتي تطفو على السطح دائما بمناسبة أو من دونها والمتمثلة بالصراع العربي الاسرائيلي وما آلت اليه الأمور بسبب السياسات الطائشة والمتهورة للزعيم القومي الفاشل جمال عبد الناصر واستبداده الرأي في موضوعة الصراع والمواجهة مع اسرائيل حتى هزيمته في حرب الايام الستة عام 1967 وقصة تنحيه عن السلطة ، حتى سجل التأريخ هذ الفشل كحجر أساس لركيزة الفشل العربي المتواصل فيما بعد ، وعندما تبحث في بطون الكتب وتستمع الى أراء المعاصرين من القوميين ستجد افواها عديدة لا تصمت ولا تدخر وسعا في ايجاد كل المبررات لهذا الفشل وفي مقدمتها إلقاء اللوم على الآخر كجزءً من الإيمان بنظرية المؤامرة . لقد أسهم التيار القومي بترسيخ هذه العًقدة في العقلية العربية بشكل يبعث على الذهول ، حتى باتت كل الشعوب العربية تؤمن وبإنقياد أعمى بخرافة مفادها أن ( إسرائيل تقف خلف كل فشل عربي ) . ولم يقف هذا الإنقياد عند أتباع القوميين بل تجاوز الحدود ليصل الى الإسلامويين اللذين لم يقلوا تمسكاَ بهذه العًقدة ليزرعوها في ذهنية أفراد القطيع الذي يتبعهم ، فبعد ما يقرب على عقدين من الزمن من هيمنة الإسلامويين في العراق على السلطة ، يأبى الفشل الذريع ان يغادرهم ، بل أصبح عنواناَ لهم وهوية لصيقة بأثار أفعالهم وسلوكياتهم وإدارتهم لشؤون الدولة وحين تسألهم عن السبب وراء هذا الفشل ستجد الجواب حاضراَ ( إنها مؤامرة صهيونية ) ، متناسين إن أسباب فشلهم لا حصر لها حين حاولوا تحويل الدين الى دولة يستأثرون بها ويسخرونها لمصالحهم الضيقة المبنية على العنف والرعب والترهيب وبالتالي إفراغ الدين من صبغته الروحية المشرقة وتحويله الى صبغة مظلمة تتحكم بمصائر الناس بأسم الدين ،لا هم لها سوى الإستحواذ على السلطة والتمسك بها مهما كلف الأمر. كما تناسوا ان الفشل التدريجي الملموس لإحزابهم يعود الى التناقض ما بين الواقع الموضوعي الذي يشتمل على كل متطلبات الحياة والمعيشة والبحث عن حياة و مستقبل أفضل وحالة اللا واقع الغيبية التي يروجون لها والتي ليس لها وجود إلا في خيالاتهم العاجزة وعقولهم المريضة .
لقد فشل الاسلام السياسي في إثبات شعبيته المزعومة ليس في العراق فحسب بل في دول عدة ، وقد أسهمت عوامل كثيرة في هذا الفشل في مقدمتها عجزه عن تقديم رؤية حداثوية واضحة لدولة اسلامية ذات بوصلة محددة الإتجاه ، بل ظلت ابصارهم شاخصة الى الوراء ولم يتبنوا قيم الحياة الجديدة كالمساواة والايمان بالتنوع الاجتماعي وحرية الارآء وحرية المعتقدات وحقوق الانسان . إن سبب تفسير لجوء الفاشلين الى نظرية المؤامرة كونه الوسيلة الوحيدة والأسهل لتقديم تفسير حول فشلهم ، كما ان الاعتقاد بنظرية المؤامرة مرتبط بالحاضنة الاجتماعية التي نشأت عليها مجتمعاتنا العربية في إعتبار الآخر مصدر قلق وخطر دائمين ، وستبقى إسرائيل دوماً هي هذا ( الآخر ) بحسب نظرهم لانه لاتوجد شماعة يعلقون عليها هذا الكم المتراكم من أخطائهم غيرها ، لكنهم لم يعوا ولم يستفيدوا من تجربة إسرائيل في ان أحد اهم أسباب نجاحها هو تمكنها من تحديث العلاقة بين الدين والدولة وتبنيها للقيم الليبرالية التي تتلائم مع العالم المتحضر ومواكبة التطور في كل مناحي الحياة وجوانبها .