17 نوفمبر، 2024 10:38 م
Search
Close this search box.

الفشل الحزبي !

الفشل الحزبي !

الأحزاب العقائدية لا تفشل لأنها دينية أو علمانية وغيرها , وإنما لفقدانها الرؤية الوطنية والموضوعية والواقعية , وإنقطاعها عن زمنها , وتجاهلها لحركة الأجيال , وعدم فهمها لآليات التفاعل الإيجابي والتكاتف , وعجزها عن تجديد مياه وجودها.
والأحزاب في المجتمعات المتأخرة ذات أعمار قصيرة , وتنتهي إلى مهاوي مأساوية , وتدخل في صراعات دامية مع غيرها من القوى والأحزاب.
والعلة أن الأحزاب العقائدية , تصاب بالأوهام , وتترسخ في منظومتها النفسية والفكرية والسلوكية , بأنها صاحبة الحقيقة , ولا تمتلك أية نسبة من روحية القبول بالرأي الآخر , لأنها تحسب ذلك عدوانا عليها , وطمعا في السلطة التي تمسك بها.
وتمضي على هذه الشاكلة حتى تتآكل وتتهاوى , وتدوسها سنابك القِوى وتجتثها وتمحقها , وتزيل وجودها المريض من الحياة السياسية والإجتماعية.
ومن الواضح أن الأحزاب العقائدية ليست وطنية , بمعنى أن مصلحة الوطن ليست من أولوياتها , وإنما التعبير عن العقيدة وفقا لفهمها  من أهم أولوياتها , ولهذا فأنها تميل إلى صناعة الفرد المستبد , أو الدكتاتور , الذي يمتلكها , ويدمرها , لأنه يتحول إلى كل شيئ في الحزب والحياة , وبسبب هذا الميل المنافي للموضوعية والواقع المتجدد , تتهاوى الأحزاب العقائدية وتنتهي.
وفي زمننا المعاصر , الذي يتحرك بسرعة لم تعهدها البشرية , فأن سرعة السقوط ستكون فائقة جدا , فلا يمكن للأحزاب العقائدية أن تبقى في السلطة لأكثر من بضعة أشهر , إلا إذا توفرت لها القوة المساندة , اللازمة لتدمير الآخرين , وتحويل البلاد إلى ساحة صراعات دامية.
وهذا ما يفسر سقوط حكمها السريع في مصر , ذلك أن العقيدة تكون عمياء , ولا يمكن لرموزها أن يكونوا ساسة على الإطلاق.
فالعقائد الحزبية , لا يمكنها أن تكون منطلقات لتفاعلات سياسية , وإنما لصراعات حامية مع القوى المتواجدة في البلاد.
بينما الأحزاب في الدول الديمقراطية المتقدمة , ليست عقائدية , وإنما وطنية , تتغير أهدافها ومناهجها وفقا للمصلحة الوطنية , والحاجات المتجددة المولودة عن رحم الحياة المعاصرة.
فلا تكون أهدافها وتطلعاتها ثابتة , ومَن يتابع تأريخ هذه الأحزاب يجدها في حالة مواكبة وتجدد وتفاعل خلاق مع زمنها.
وهذا ما ينقص الأحزاب العربية بأسرها , دينية أو علمانية , ذلك أنها في غفلة عن زمنها , ولا تفهم في التجدد والمواكبة والتطلع إلى الأمام.
وإنما تتقوقع في عقائدها ونظرياتها , التي لا تريد حتى أن تمتحنها وتجربها , لكي تعرف بوصلة إتجاهها الصحيح.
وفي هذه المرحلة لا بد من الإستفادة من التجربة , ومراجعة السلوك , وابتكار الآليات اللازمة لتحقيق النجاح والفوز من جديد.
فالديمقراطية ذات أبواب مشرعة , وفرص لا تنتهي , ولا يعني ضياع فرصة واحدة , هو النهاية , فذلك مفهوم عقائدي خاطئ , بينما المفهوم السياسي الراجح , أن الفرصة قادمة , وسنعمل من أجلها بروح ديمقراطية ووطنية عالية.
فهل عَقِلنا كيف نكون؟!

أحدث المقالات