منذ بداية معركة الموصل ،في ساحلها الايسر ،حذرنا التحالف الدولي والقوات العراقية ،من استخدام شعار الارض المحروقة،وتجاوز قوانين الحرب في مواجهة تنظيم داعش الارهابي ،ومشت الامور بشكل مهني وحرفي في معركة الساحل الايسر ،وتم طرد التنظيم بتضحيات قليلة رغم كثافة السكان ، ونجاح الخطة العسكرية بسلاسة، وتعاون منقطع النظير من المواطنين مع القوات المحررة هناك، في مشهد يثير الارتياح لدى أهل مدينة الموصل ، وكان جهاز مكافحة الارهاب رأس الحربة في تحرير الساحل الايسر وتنفيذ الخطة العسكرية ، وانتهت المعركة بطرد داعش الى الابد هناك ، وإنتظرنا اكثر من شهر حتى بدأت معركة الساحل الايمن ، التي قلنا انها صعبة ومعقدة لطبيعة المنطقة والاحياء الضيقة القديمة ،والبيوت الآيلة للسقوط ، والسبب الآخر هو أن تنظيم داعش يعتبر الساحل الايمن هو مركز الخلافة الاسلامية ومقرها ،الجامع النوري الكبير ،الذي اعلن خلافته منه وأدى خطبة أول جمعة له من منبره ، وهكذا سيكون الدفاع عنه بمثابة الدفاع عن الخلافة كلها ،بوصفها رمزا دينيا له ، فإذا سقط جامع منارة الحدباء ،سقطت الخلافة كلها في المنطقة ، ولهذا سيكون الدفاع عنه ،دفاعا مستميتا ، وهو ما حدث بالفعل ، اليوم مضى على انطلاقة معركة الايمن ،اكثر من شهرونصف ،تم تحقيق تقدم عسكري كبير،
وتحرير مواقع في غاية الاهمية الاستراتيجية العسكرية ،لرمزيتها واهمتها النفسية على تنظم داعش الاسود، ونقصد بها مركز الموصل ،الذي يحتوى على مطار الموصل ومعسكر الغزلاني ومبنى المحافظة ودوائرها الحكومية مثل مجلس المحافظة ومديرية الشرطة والبلدية ودائرة ومتحف الآثار والبنك المركزي العراقي،إضافة الى تحرير أحياء شعبية مكتضة بالسكان والفقراء مثل حي المأمون ووادي حجر وتل الرمان والمنصور والطيران والجوسق وغيرها ، إلا أن الامور سارت على غير ما يشتهي القادة العسكريين في عمق المدينة القديمة، فماذا حصل،ولماذا توقفت عمليات التقدم نحو منارة الحدباء واحياء الموصل القديمة ،كالسرجخانة والشعارين ورأس الكور والميدان والساعة ورأس الجادة، أولى الاخطاء التي عرقلت التحرير هي إناطة عملية تحرير وسط المدينة ومنارة الحدباء ،لقوات الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع، قليلة الخبرة العسكرية في حرب المدن والعصابات تسليحا وتدريبا،وشراسة تنظيم داعش في القتال، الذي جهز له الانتحاريين والقناصة الاجانب ،وإكتظاظ وسط المدينة بالسكان ،مثل حي باب لكش والجديد والبيض وباب الطوب وشارع حلب والجمهورية والسرجخانة والكورنيش، وهكذا تلكأت وتباطأت وتأخر حسم المعركة والنجاح لها ،في الوصول الى منارة الحدباء والجامع النوري الكبير رمز خلافة داعش ، وتحرير وإسقاط رمزيته، معركة باب الطوب كانت معركة شرسة جدا ، قدمت الشرطة الاتحادية والرد السريع ضحايا وخسائركبيرة،حتى تم تحرير فندق آشور وجامع الخضر (ع)، وكورنيش الموصل والبورصة فيه، والتوغل الى عمق احياء اسواق الموصل وتحريرها كسوق السراي المعقد جدا والسرجخانة والجسر القديم ، والتقرب من منارة الحدباء بمئات الامتار دون الاستطاعة بأقتحامه وتحريره بسبب ، تواجد تنظيم داعش فيه وحوله بكثافة غير طبيعية ،وجلهم من القناصين والانتحاريين والانغماسيين الاجانب ككتبية الفرقان وطارق بن زياد من الشيشيانيين والفرنسيين والاجانب الاخرين، وهذا فشل عسكري ، لعدم إشراك طائرات الاباتشي والA10 الخنزيرة والبي 52 والرافال الفرنسية وغيرها، أو الانزالات الامريكية والعراقية وغيرها ،
أو غستخدام الاسلحة الحديثة لمعالجة مثل هكذا حالات عسكرية مستعصية ،لم نقتنع أن أمريكا عاجزة عن معالجتها والقضاء على عناصر داعش فيها ،وأعدادهم ليسوا بالمئات ، طالما هي الادارة الامريكية من يشرف ويخطط لمعركة الموصل ،وهي من يمسك مفاتيحها العسكرية كلها ،كونها معركة أمريكية بإمتياز،والجيش العراقي وقواته هي المنفذ فقط ، ومازالت صفحات المعركة شبه متوقفة في داخل الموصل القديمة ، وتقدمها بطيئا جدا ، وهذا فشل عسكري، تتحمله الادارة الامريكية ، أو لاهداف وغايات أمريكية دفينة ، هذا في وسط الموصل وأحيائها القديمة ، أما في قاطع المعركة الغربي ،بقيادة وإشراف قوات مكافحة الارهاب ،فتقدمها أيضا لايطمئن ، وبقي دون مستوى الطموح ،كما كان في الساحل الايسر، فكان التقدم في أحياء المأمون ومعامل النسيج ووادي حجر والمأمون وتل الرمان والعامل والرسالة ونابلس ،حتى مجيء فاجعة موصل الجديدة ، التي كانت بحق قيامة الموصل ، وهيروشيما الموصل ، ،بعد ان قامت طائرات التحالف الدولي الامريكي بقصف شاحنة محملة بالمتفجرات واقفة خلف جامع اليقظة ، لتحيل المنطقة الى ركام من الجثث والانقاض فاقت ال500 جثة متفحمة ومازالت البيوت مهدمة على ساكنيها ،وموصل الجديدة حي فقير مكتظ بالسكان ، ويقول شاهد عيان أن أكثر من عشرين بيتا سويت بالارض مع ساكنيها ، وبغض النظر عن أسباب الفاجعة،وكيفية معالجة الشاحنة المفخخة المحملة بأطنان من المتفجرات ، فإن قصف الشاحنة من قبل الطيران ، هو الفشل الامريكي بعينه ، وتتحمله الادارة الامريكية ،لانها تعاملت مع الشاحنة كعدومفترض لم تستطع معالجته، دون وقوع خسائر بشرية كالتي حصلت في حي موصل الجديدة ، وبالرغم من أن قيادة القوات المشتركة تنصلت عن الفعل المشين والجريمة الكبرى ،وألقتها على عاتق الحكومة العراقية ،التي قالت إنها نفذت طلبا عراقيا بمعالجة الشاحنة المفخخة ،كونها أستهدفت القوات المتقدمة ،نحو حي موصل الجديدة، وهذا لايعفيها من المسئولية القانونية والاخلاقية ، لانها تجاوزت قوانين الحرب في المحافظة على أرواح المواطنين العزل في المعارك ،لان استخدام القوة المفرطة هي السمة الظاهرة في معركة الايمن ،وهذا يعد فشلا ذريعا للخطة العسكرية في معركة الموصل ،التي تواجه صعوبات كبرى في طرد تنظيم داعش من الموصل، وأحد اسباب هذا الفشل من وجهة نظرنا ،هو غلق جميع منافذ الهروب أمام التنظيم هم وعوائلهم،مما حولهم الى وحوش لقتل أكبر عدد من المواطنين الذين يستخدمونهم دروعا بشرعا في القتال، فقد اصدر داعش (فتوى) في جامع بهاء في حي الرفاعي، يقول فيها ،(على التنظيم ان يجمع(40) عائلة في بيت واحد ،وصعود عنصر داعشي قناص على سطح البيت لقتال القوات المتقدمة) ، وهكذا في بقية الاحياء الاخرى، وقد قام داعش بإعدام المئات من النساء والشيوخ والاطفال الذي حاولوا الهروب من بطشه ،ميدانيا وظلت جثثهم متروكة في الطرقات ،إذن المعركة مازالت في بدايتها ،وسط تقدم بطيء وفشل الخطة العسكرية وتعثرها في وسط الموصل القديمة ، وأطراف الموصل بأحيائها الشعبية كالنهروان والرفاعي والثورة، وعدم تغييرها آنيا بعد كل معركة ،بعد كشف كل خطط العدو العسكرية التي بقيت على حالها ،بل واقتصرت على الانتحاريين والانغماسيين والقناصين، وغياب السيارات والشفلات والهمرات المفخخة ، والفشل الامريكي العسكري الآخر ،والحكومي المحلي والمركزي والاممي ،هو أعداد النازحين الكبيرة ،التي لم توفر لها المخيمات والادوية والاغذية واعدادها ناهزت ال200 الف نازح لحد الان ،في أجواء طبيعية كارثية ،واهمال حكومي وفشل حكومي اغاثي لهم ،حتى انتشلهم أهل القرى وأهل المحافظات الجنوبية الذين سيروا مواكب وأساطيل الاغاثة بمنظر عراقي قل نظيره ،مما يؤكد اللحمة والوحدة العراقية الاصيلة ،إنه الموقف التاريخ،والرد الوطني على دعاة التقسيم والطائفية، وضربة بوجه مروجي الديمقراطية وخدمها ، لذا فإن الفشل الامريكي في معركة الموصل ، رافق جميع مراحل وصفحات المعركة ومازال مستمرا، وما فاجعة موصل الجديدة إلا مثالا صارخا على هذا الفشل المقصود، اليوم يعيش أهل الموصل ،سواء من بقي تحت رحمة داعش البلا رحمة لديهم ،
أو من هرب منهم الى مخيمات النزوح الاشد فشلا ومأساة ،أياما كارثية بمعنى الكلمة، وحياة ذل كبيرة لم يروها طوال حياتهم، وسط صمت دولي وعربي مخجل، لاسيما وأن أهل الموصل ،قاتلوا تنظيم داعش نيابة عن العالم كله، ورفضوا داعش وتحملوا توحشه وإجرامه ،وقدموا اكثر من عشرة آلاف شهيد أعدمهم داعش بدم بارد بسبب رفضهم بيعته والانضمام له ، واليوم يلقى أهل نينوى هذا الاهمال والتجاهل العربي والدولي ، فأي فشل أخلاقي وسياسي وإنساني هذا الذي يعيشه العالم وهو يرى شعبا يباد نيابة عنه، هذا هو الفشل الامريكي والدولي بعينه في معركة الموصل …..