الفساد يقتل الجميع

الفساد يقتل الجميع

في كل المجتمعات العالمية، تجدهم يسعون دائمًا إلى تحقيق مراحل متقدمة في كل مفاصل التطوير والتقدم العلمي، وهذا كله لن يتم إلا عندما تكون هناك عدالة اجتماعية تضمن حقوق الجميع.
وهنا تجدهم يأخذون المحاذير الشديدة لمحاربة العدو الأول ضدهم الذي يؤخر عملية بناء المجتمع الصحيح، ألا وهو الفساد الذي يعتبر السرطان الأقوى الذي ينخر في جسد الدولة ويعطل عمل مؤسساتها ويمتد بجذوره إلى الحالة الاجتماعية والمعيشية للمواطن ولا يفرق بين غني وفقير أو متعلم وجاهل أو حاكم ومحكوم، لأن الفساد لا دين له وهو المانع القوي الذي يخدم الثقة والعدالة ويحطم الاقتصاد والأمل بين الناس. ولذلك تجدهم يبحثون دوما عن المسؤول الكفوء الذي يستطيع أن يحمل الأمانة بعيدًا عن المحسوبية وبعيدًا عن حب الأنا، ويجب أن يكون لديه ضمير حي يحاسب نفسه قبل أن تحاسبه السلطات الرقابية. وما نشاهده اليوم في العراق من الفساد الذي وصل إلى أعلى مراحله والذي أوصل الدولة إلى مرحلة الإفلاس الاخلاقي والافلاس العامط من ناحية البناء والمشاريع الخدمية. فتجد أموال الخدمات المرصودة من قبل الدولة والمخصصة للمدارس والمستشفيات قد أتى بها الفساد، وليس بمجرد اختلاس أو رشوة بسيطة، وإنما بمنظومة معقدة تديرها جهات عليا ويتواطأ معها الكثيرون، وتجد سكوت الاجهزة الرقابية إما من باب الخوف أو من باب الفائدة الشخصية.
إننا نعيش اليوم في عالم جريمة سرقة المال العام، ومع الأسف الشديد أن الكثير من هؤلاء الحيتان الغارقين في الفساد لا يعاقبون على أفعالهم التي أصبحت تهدد مستقبل الأجيال القادمة.
إن الفساد في العراق أصبح يقتل الطبقات الفقيرة الذين لا يجدون أي دواء في المستشفيات والمراكز الصحية العامة، ويقتل طلاب المدارس والجامعات حين يحرمون من تعليم جيد بسبب تردي المناهج وتفشي الغش بصورة علنية، إضافة إلى الرشوة التي وصلت ريحتها إلى كل مؤسسات ووزارات الدولة. فعن أي أمل نتحدث لجيل الشباب وهم يرون أن طريق النجاح أصبح مغلقًا بالكامل، خاصة إذا لم يملكوا المال اللازم لدفع الرشوة والحصول على واسطة تسهل حصولهم على وظيفة معينة أو عمل يليق بهم.
إن الذين يعيشون اليوم ويعتبرون أنهم بعيدون عن عمل الفاسدين حتى وإن كانوا مستفيدين من ذلك بشكل مؤقت، فإنه سوف يطالهم عاجلاً أم آجلاً، لأن الفساد سوف يجر إلى الفوضى وانهيار الدولة وانعدام الأمن والأمان عندما تكون البيئة ملوثة يغيب فيها القانون وتضيع فيها الحقوق وتباع وتشترى بها الذمم.
إننا مطالبون اليوم جميعًا كمواطنين وكدولة بمحاربة الفساد، وأن لا تكون بالعقوبات الإدارية فقط، بل علينا أن نعيد بناء ثقافة النزاهة وثقافة صحوة الضمير، وأن يشترك المواطنون الشرفاء في الرقابة، وأن يكون تشخيص الخلل جماهيريًا وليس يتبع دائرة معينة تديرها نفس المؤسسة التي تشترك مع الفاسدين، وأن ندعم الإعلام الحر ونمكن القضاء من أن يأخذ دوره العادل وبحرية مطلقة، وأن نقوم بتربية جيل صحيح نعلمه القيم والمبادئ التي كان يعيش عليها آباؤنا وأجدادنا في العقود القريبة والتي كانت تعتبر الرشوة معيبة بل ومحرمة شرعًا، ولا يحق لرب الأسرة أن يدخل المال الحرام كقوت لعائلته…
 أين نحن اليوم من أولئك الذين كانوا يعيشون بضمائر نقية بيضاء خالية من الدنس ومن سرقة المال العام وكل ادوات الفساد الموجودة في وقتنا الحالي  والتي تعتبر من الجرائم الإنسانية.
إننا عندما نسكت أو نتهاون على الفاسدين وعدم فضحهم بصورة علنية يجعلنا جميعًا من المشتركين في هذه الجريمة ويجعلنا كلنا من الهدامين لأوطاننا التي لابد أن تبنى بطريقة صحيحة، طريقة يحترم فيها حقوق الإنسان وتصان كرامته ويكافأ فيها المُجد والمجتهد ويعاقب فيها الفاسد والفاشل والمتكاسل والشخص الذي تعود أن يكسب رزقه الحرام من خلال النصب والاحتيال والاصطياد في الماء العكر….

أحدث المقالات

أحدث المقالات