تتردد مقولة طالما سمعها المواطن العراقي, حتى أن بعض الساسة, اتخذها شعارا في الدعاية الانتخابية, تلك الجملة تقول” مَن أمن العقاب أساء الأدب”, فهل تم العقاب بعد التغيير؟
تفشى الفساد المالي والإداري, في كل مرافق الحكومة العراقية, بالرغم من اللجان التفتيشية وما أنتجته من عقوبات, طالت بعض المفاصل الركيكة, بل أن من تتم معاقبته, لا يعدو عن كونه انسان ليس له توجه سياسي, أو كما يقال بالعراقي” غير مسنود” ومعاقبته لا تعني شيئاً عند الفاسدين.
لا أريد هنا ذكر الخدمات البلدية, ليس كونها تتميز بالزاهة, أو أنها تقوم بواجباتها على أكمل وجه, لكن هناك خفايا في بعض الدوائر الخدمية, يصعب حتى على أصحاب الشأن كشفها, لسيطرة ما فيات بلا قلوب انسانية, لا يعرفون إلا كيف يزيدون من أرصدتهم, والسيطرة على العقارات!
وزارة الصحة كبيرة متشعبة الدوائر, فما بين مستشفيات ومراكز صحية, وعيادات شعبية, أصبحت للفاسدين كبئر لا ينضب ماؤه! لا أتكلم عن المناصب الإدارية, التي يتم شرائها, فكل منصب له ثمنه, كما لكل مستشفىً ما يقابله, حسب سعته وما يمكن أن يحصل عليه الفاسدون, هذا أمرٌ معلوم حتى عند أبسط موظف.
كمثال على ذلك نأخذ هنا, مستشفى أطفال الكاظمية, التي تم تشييدها من قبل هادي الجلبي, عام 1943م, تطورت هذه المستشفى, لتصبح من المستشفيات المتميزة, حيث تستقبل المرضى من الأطفال, بداية من عمر يوم واحد الى 12عاماً, وتظم أقسام متعددة, تبدأ من الخدج” حديثي الولادة” والامراض الباطنية, اضافة للعيادة الاستشارية وقسم الطواري.
تم قبل عامين تجهيز المستشفى, بأجهزة العناية المركزة الحديثة, بعد فصل مساحة من الطابق الثاني, من أجل استقبال الحالات التي تحتاج لذلك, وبدلاً من أن تقوم دائرة صحة بغداد الكرخ, بتطوير المستشفى, فقد قامت بإلغاء صالات الجراحة والعمليات, ونقل كادرها المتميز, والسبب عدم توفر طبيب مقيم! وبدلا من توفيره تم نقل الأطباء الى مستشفيات أخرى, والغاء العناية المركزة!
تم صرف الملايين من الدولارات لتأهيل المستشفى, لترتقي الى مصاف المستشفيات المتخصصة المتكاملة, فإذا بها تتراجع! بعد الجراحة والعمليات, لتصبح كمركز صحي! متخوم بالأطباء حديثي التخرج.
لم يكتفي الفشل الاداري بذلك الأمر, بل قامت دائرة صحة الكرخ, بنقل اختصاصات أخرى, كالجلدية والأنف والأذن والحنجرة.
فهل هو انتقام من أهل الأطفال ؟ أم انتقامٌ من عصابات الفساد التي نخرت ميزانية المستشفى, بدءً من الترميمات الإنشائية, الى المصاعد التي تعمد الفاسدون من تعطيلها, وتأهيلا لإلغائها نهائياً.
حتى بات المُراجِع يعاني, في حال احتاج الى اي عملية طارئة, وما هذا إلا غيظ من فيض, فما خفي كان أعظم, حيث لا يمكن حصر الفساد, الذي تَفشى بين العباد.
فقد تنفذ الفاسدون من المتابعة والرقابة الداخلية؛ الة الحسابات والادارة, والخدمات, فإذا كانت هذه أصغر مستشفى, فكيف بمدينة الطب وغيرها؟