19 ديسمبر، 2024 5:03 ص

الفساد والعنف يعززان الهجرة بنظر المفكرين والباحثين 

الفساد والعنف يعززان الهجرة بنظر المفكرين والباحثين 

في الندوة الحوارية التي جمعتنا مع نخبة من المفكرين والمثقفين بمنزل الدكتورة امال كاشف الغطاء تحاورنا بطريقة ديمقراطية اذ تم عرض اهم المشاكل والمعوقات التي تواجه الشباب  ويضطرون للهجرة ، وقد بين الحضور اسباب الهجرة وعدواها ظاهرة خطيرة واسببها هي انعدام الامن ، وكثرة اعمال العنف ، فضلا عن عدم الاهتمام بواقع التربية والتعليم واهمال طموح و برامج الشباب  الزميل توفيق التميمي ادار الندوة بطريقة مشوقة بعيده عن الكلاسيكية المعتادة والتي تسبب الملل وكأنها اسقاط فرض ، كما لا تخلو تلك الامسيات من ضيافة وكرم ال كاشف الغطاء المعروفين بطيبهم واندفاعهم الكبير للقضايا الوطنية والوقوف بوجه الباطل ، وهم على صراع مع السياسة  ونصرة الحق ، المتحدث الاول استاذ التاريخ العربي المعاصر عبد الله شاتي يرى  ان هناك خلل في العقلية العراقية ، حيث تعمل الشعوب المتطورة على النهوض بأوطانها بشتى المجلات ومازال العرب يعيشون في فترة العصور الوسطى غارقين بالقبلية والعشائرية وقد تجاوز العالم هذه العقبات والنعرات وهم يعملون ما فوق الحداثة وهذه ادلة على تكلس وتحجر العقل العربي ، وهناك فتاوي عجيبة غريبة تحرض على القتل والكراهية، وتهدد السلم الاجتماعي من اناس يدعون انهم علماء ومفكرين ، اذ مازال العرب يفضلون العيش خارج العصر.

 وقد احب الله عز وجل العرب وانعم عليهم بالخيرات والبركات ووجود الثروات ، فضلا عن الموقع الجغرافي الذي يتميز به الوطن العربي لكن هناك عوائل وعروش تأتي بهم الدول الكبيرة لكي تنفذ مصالحه و تصعد الى الحكم وتقوم بنهب الثروات ويضيف الباحث ان الغرب يعتبر الله عز وجل قد مات ، ولديه مشكلة مع الاسلام الذين يعتقدون ان الله حي لا يموت ، وقد ترأس العرب مجموعة من الرؤساء يقدمون الخدمات الجليلة الى الغرب ومنهم الرئيس جمال عبد الناصر ، وصدام حسين ، ومعمر القذافي ، وغيرهم ، وبالنسبة الى موضوع افراغ الشعوب من سكانها هناك الكثير من الاجتماعات تعقد لهذا السبب وخاصة من قبل امريكا وبريطانيا الذين يسعون الى فتيل الحروب واشاعة النزاعات بين الدول لكي يأتوا الى المنطقة ونهب الثروات وقد اصبحت بعض الدول العربية سجون لكي يقوم الغرب بالسلب والنهب وحسب الاجراء الذي يخدم مصالحه رؤساء الدول العربية ليسوا ببناة اوطان يلهثون وراء المال والجواري ويتركون الاعمار والتنمية ونرى كيف سبقتهم تلك الدول الغربية بشتى المجالات ، وهناك مخطط لتفريغ سوريا من سكانها واطالة امد الحرب لسنوات طويلة ، وكسر التحالف الايراني مع حزب الله اللبناني ، كما يصعب علينا نحن العرب فهم نوايا الغرب الخفية والتي تخطط للمدى البعيد وهناك من يروم اضعاف دور المرجعية الدينية في البلاد.

ويرى الباحث ضرورة الاهتمام ببرامج الشباب وتنمية الموارد من خلال فتح صندوق خاص لدعم المشاريع وتوفير فرص العمل لكي لا يهاجروا ونخسر تلك الموارد ، كما ان توزيع قطع الاراضي لفئة الشباب وتشجيعهم على الزواج والسكن لغرض تكوين اسرة والارتباط بالوطن فضلا عن توفير فرص العمل وتنشيط القطاع الصناعي والزراعي بشتى المجالات .

ويقول  الباحث  الاقتصادي والأكاديمي د. سليم علي الوردي ان الامام علي عليه السلام وصف تلك الاحداث بقوله  الغنى في الغربة وطنا ، والفقر في الوطن غربا  ، ويقول الشاعر: (لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها **** ولكن أحلام الرجال تضيق)، لعمرو بن الأهتم التميمي   العكس فان بلاد الظلم والفساد والمحسوبية واللاعدالة واللاإنسانية تضيق باهلها واحلام الرجال تتوسع في مغادرتها والسير والسعي في ارجاء العالم المتحضر النقي العادل . احلام الرجال اكبر من الحدود والمسميات والبلدان .   وبحثه القصير اقدمه ويحمل عنوان( الهجرة بين القوتين الجاذبة والطاردة )  وارى ان المجتمع اكثر تعقيدا من الحركة الميكانيكية  وان المشروع السياسي العراقي فيه كثير العوامل الطاردة ، وان العراق لم يكن لديه ظاهرة الهجرة حتى مطلع السبعينيات ، واصبحت الهجرة معتادة لدى الحكم الدكتاتوري الدموي ، والهجرة الثانية حدثت في التسعينات لدواعي اقتصادية وسياسية أيضا ، اما عن الهجرة سنة 2003 فيها عاملان هما الامني والاقتصادي ، ورغم وجود الوفرة المالية على مدى سنوات طويلة الاان نسبة خط الفقر تصل الى نسبة 23%  ، وأزادت الهجرة حين هيمن النفط العراقي واستسلم لبقية القطاعات الصناعية والزراعية وطردها وتم الاستسلام بشكل تام فضلا عن  استبداد الحاكم من جانب، وتفرد النفط وتهميشه قطاعات الاقتصاد المنتجة من جانب آخر، هما وجهان لعملة واحدة، اسميها مجازا “الاستبداد النفطي” . انها مقولة تنتمي الى الاقتصاد السياسي، تعبر عن العلاقة بين الحاكم والمجتمع، من خلال حيازة الحاكم عوائد النفط وتوظيفها لأحكام قبضته على المجتمع.

واستحوذ الحاكم على السلطة والمال وسخرت للأغراض الشخصية ولعشيرته ليبسط نفوذه والتأثير على الرأي العام وتزوير الانتخابات وحتى التعيينات جاءت لغرض تكرسي السلطة   ، حيث وصل  العدد الى ما وصل اليه الان  نحو خمسة مليون موظف ، وحتى الفساد وهدر المال العام جاء من جراء الاستبداد النفطي ، ويجب علينا وضع برنامج بعيد المدى لغرض تطوير واقع الاقتصاد العراقي ودعم السوق العراقية لا امتصاص البطالة  ، ويقع علينا انهاء واقع ’الاستبداد النفطي”في الثقافة والسياسة والاقتصاد .

الباحث حكمت البخاتى قال ان المهاجر العراقي الان لا يفكر بالعودة  وهنا تكمن الخطورة ، وان الهجرة معتادة منذ الازل وتعد سمة العالم القديم الرئيسية ومثال لذلك هجرة الانبياء وتأسيس الاديان الكبرى ، وتوقفت الهجرة حين اتى العالم الحديث ، وقيام الدولة الحديثة التي اخرجت الحكم والسلطة من ايادي الاباطرة والملوك ووضعتها بأيدي الشعب وكفلة شروط العيش وضمان الامن والامان واصبح المواطن لا يحتاج الى الهجرة ، ونرى ان في قارة أوربا وهي تعيش الاستقرار والامان توقفت لديها الهجرة والى اليوم ، ونحن مازلنا ننتمي العالم القديم وتحدث لدينا الهجرة باستمرار ، بسبب الافكار والعقائد قبل الحداثة  وحين ترافقنا تلك العوامل لم نتخلص من الهجرة ، والمفارقة ان العراق كان عنصر جذب اذ استقبل العديد من القبائل واخرها في القرن التاسع عشر حيث استقبل قبائل “شمر ” كما كانت هجرة المصرين والفلسطينيين ، ولكن العراق تحول الى عنصر طرد فيما بعد لإخوانه المهاجرين ولشعبه ، وكانت الهجرة قديما تبنى حضارات وهي فكرة تاريخية قديمة . وان الحروب والسياسات الخاطئة والأيدولوجيات تصنع الهجرة ، وهناك هجرات تخلق المشاكل وعدم تحقيق العدالة مثل هجرة الافغان الى ايران ، وبناء الدولة الحديثة يخفف من الهجرة وحين فشل السياسيين في العراق كثرت الهجرة واغلقت الافق ، وغياب العدالة الاجتماعية والتفاوت الطبقي وتلك النتائج تؤثر على بنية المجتمع ولا يحدث الانسجام والانتماء، وبأي وسيلة يتعايش المواطن ولا يمتلك ارض ولا وضيفة ولا فرصة للعمل ، وتهميش الكفاءات ، وتكدس الاموال لدى نخبة السياسيين ، وتراجع الهوية الوطنية ، فضلا عن  زيادة المشاكل العرقية والطائفية.

الناشط المدني جهاد جميل قال كنا نحلم برؤية وطن بعد التغيير تكمن فيه مقومات بناء الدولة الحديثة واشاعة روح التسامح وتوزيع عادل للثروة وتوفير الخدمات وفرص العمل والنهوض بواقع التعليم وبمشاريع الاسكان ، وارى ان الحكم السياسي ضيع فرصة النهوض وفرصة  التغيير وكان بإمكان البلد ان يصبح نموذجا في الحرية والديمقراطية والتطور بشتى المجالات ولكن ضاعت الآمال وتبددت الاموال بسبب هذا الفشل السياسي والصراع على السلطة ، كما ان تفكيك المجتمع والتقسيم على اساس طائفي وحتى  مؤسسات الدولة خضعت للتجاذب الحزبي والطائفي وتلك المناصب تأتي من باب (شراء الذمم)  وحتى ثروة البلاد كانت محتكرة من قبل الاسرة الحاكمة، وبعد التغيير اصبحت بمتناول الطبقة السياسية الحاكمة ، اذ توزع المناصب والثروات فيما بينهم وحتى نسبة الفقر والامية ارتفعت بشكل مخيف للغاية كما ان شعور المواطن العراقي بانعدام العدالة ساهم بهذه الهجرة بشكل كبير فضلا عن العامل الاقتصادي والامني ، وينبغي على النخب الثقافية والفكرية والاقتصادية بوضع خارطة امل للشباب ولغيرهم حتى تتكرس لديهم فكرة حب الوطن وعدم التفكير في الهجرة .

الناقد والكاتب على حسن الفواز يرى في بحثه ان هناك تضخيم للهجرة وصور الامر فيه يأس واحباط ، وهناك كثير من الشعوب عانت من مشكلة الهجرة وتجاوزت ظروفها القاسية ، ونرى في لبنان مثلا سبعة ملايين مهاجر ولكن تلك الاعداد تدر مبالغ مالية كبيرة على لبنان ، وحتى هجرة ملايين  المصرين في زمن السادات وعادت الى مصر لاحقا ولكن هجرة العراقيين التي بدأت منذ السبعينيات وهناك نحو (خمسة الف مثقف هاجر من العراق منذ سنة  1991 ويقع علينا مناقشة هذه الظاهرة بجدية من معطيات واسباب ونخرج بنتائج تسهم بعودة ابناء الوطن ، ولو توفرت الارادة السياسية والثقافية والفكرية ارى ان المشكلة ليست بعيدة عن الحل ، وهناك مشكلة في العراق لتعظيم موارد الدولة وليس الاعتماد على الموارد النفطية فقط ، وهناك كثير من دول الجوار لا تعتمد الا بنسبة30 % على النفط ، والبقية تأتي من الزراعة والصناعة والتجارة ، وقد دخل العراق الحرب مع ايران  بمزانية  35 مليار دولار وخرج مدان بأكثر من( 200 ) مليار دولار وقد تحدث عن هذه الاحصائية كثير من الرؤساء وخبراء الاقتصاد وقالوا ان العراق لولا دخوله الحرب مع ايران لااصبح المواطن العراقي الاول في العالم وهذا التهديم و هدر الثروات جاء لتحطيم منظومة وبيئة العقل العراقي وتلك العوامل تهدم اكبر الدول والشعوب في العالم وقد استثمر صدام هذه الفرصة ودمر وقتل  عقول المفكرين والمعارضين لسياسته  ، وحين بدأنا، سنة  2003 ، جاءت المعارضة دون وضع خارطة طريق للإصلاحات وبناء الدولة ولايمكن ادارة أي عمل بدون تخطيط وتنسيق مسبق ، وان ادارة الدولة تمت  بعقلية الاحتلال بدا من تشكيل الحكومة ومجلس الحكم الذي اسس لطائفية الدولة ، وتلك الطريقة لم نجد له مثيل في العالم وتلك الادارة دمرت بيئة وبنية الدولة ، وهذا هو القضم البطي للدولة وتفشى الفساد والاهمال وهدر الاموال وعدم العمل بمهنية وغياب العدل الاجتماعي والسلم الاهلي وغياب التخطيط وتفشي الطائفية والنزاعات العشائرية وحتى المحاصصة انعكست على الوضع السياسي  بشكل مرعب في السلطة التنفيذية والقضائية وظهرت فيما بعد جماعات العنف والتدخل الاقليمي ولو كان هناك ادارة سياسية ناجحة وحكيمة لما حصلت هذه المشاكل والتفكك وهاجر الشعب  ، وموضوع الهجرة هو من جراءهذا التشوه السياسي وهناك فشل قانوني واقتصادي في ادارة الدولة ويجب ان تؤمن حواضن النجاح وبناء دولة المؤسسات التي تؤمن لأبناء الوطن العيش الكريم وتوزيع الثروات وشيوع العدالة والاهتمام بالتربية والتعليم والقضاء على جماعات العنف التي تهدد السلم الاجتماعي وامور اخرى معروفة  هي من صميم الاصلاح وقد خرج المتظاهرون وطالبوا بها .

استاذة علم الاجتماع الدكتورة فوزية العطية قالت ان صراع الدول العظمة انعكس على واقع الشرق الاوسط ، وحين ازحيت الكتلة الاشتراكية تريد اميركا ان تسيطر على كل العالم بشتى المجالات واذا توحدت الدول العربية والاسلامية تفشل المخططات الإمبريالية ، وحين خضنا حرب ضروس مع الجارة ايران وهذا كان مخطط له وبدعم وتضرر الشعبان ، ودخلنا في حرب مع الكويت وضاعت الثروات وخسرنا في الاقتصاد والاعمار وتهدمت بنية البلاد ، وبعد التغير عمت المحاصصة في ادارة الدولة وفق نظرية فرق تسد وشاعت الصراعات العرقية والطائفية ، وكان على الشعب التحرك وعدم السكوت والرضوخ الى هذا الامر فضلا عن اهمال الجانب الاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري والاعتماد على صادرات النفط فقط ، كما ان هدر الثروات وتبديد الاموال وتشريع قوانين خاصة لشرعنه الفساد واعطاء النواب وبقية المسؤولين امتيازات لا مثيل لها في شتى دول العالم اضافة الى حصول المسؤولين على جنسيات اجنبية لا تتيح للقضاء العراقي محاسبتهم، بينما لدينا نسبة فقرعالية جدا ولا توجد مشاريع للأعمار والتنمية وخلق فرص عمل فضلا عن الشعور بالحرمان من خيرات بلدهم  هذه العوامل ساهمت كثيرا في التشجيع للهجرة .

الدكتورة امال كاشف الغطاء تطرقت في حديثها الى ظاهرة العنف الذي تسبب بهذه الهجرة وهو يمتد الى حكم الدولة العباسية ، ولم تأتي دولة وتعالج ظاهرة العنف وحتى مشكلة الفرهود التي تعددت في البلاد لم تضع لها الدولة الحلول والمعالجات وقد شاعت في ظل غياب الامن والقانون ، وهنا يتم قطع العلاقة بين الفرد والسلطة كما ان الدين يأخذ منه الطقوس وتترك بقية الافكار والعلوم الاخرى وهذه الطريقة غير منطقية ، وحتى الائتلافات والتحالفات تشكلت عن طريق الولاء الحزبي والعرقي وليس عن طريق المواطنة , كما ان اضطراب وتشتت العقل العراقي والسير باتجاه المجهول ساهم بالتفكير بالهجرة ونحتاج الى نظرة جديدة للأمور والمكسب الوحيد الذي حصلنا عليه بعد التغير هو الحرية والتعبير عن الرأي ، ونرى ان حتى التطور والتقدم الحاصل في اوربا يأتي من جراء الافكار التي يطرحها العلماء والمفكرين والكتاب ونحن نحتاج الى تلك التجارب لغرض النهوض ومواكبة التطور الذي يحدث في بقية دول العالم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات