23 ديسمبر، 2024 5:30 م

الفساد والديكتاتورية

الفساد والديكتاتورية

يبدو اننا اصبحنا بحاجة الى توصيف جديد للنظام في العراق، أهو نظام ديمقراطي ام نظام ديكتاتوري؟.. تبعاً للنظرية القائلة : ان الفساد ونهب الاموال مرتبط بالانظمة الديكتاتورية، بمعنى آخر ، ان الانظمة الديمقراطية خالية من مظاهر الفساد والمفسدين، وبالتالي سنكون بين خيارين اما ان نكون ديمقراطيون بلا فساد، او ديكتاتوريون مع الفساد، فأين نحن يا ترى ؟.
لا شك اننا ازاء نظرية اقتصادية، لاعلاقة لها بالتفرد في القرارات والتسلط بالحكم، ومصادرة آراء الاخرين.
ولعل بامكاننا ان نصوغها بطريقة المعادلات الرياضية : فساد + نهب اموال = ديكتاتورية، وبعكسها : نزاهة + حفظ الاموال = ديمقراطية.
واذا استخدمنا كل منطوقات النظرية الرياضية ، من مفروض الى مطلوب اثباته الى برهان، فنحن لا نستطيع ان نحقق معادلة طردية على الواقع العراقي، ما لم نقر باحد طرفي المعادلة ، فاما نكون ديمقراطيون وعليه ان نثبت ونبرهن ان الفساد غير موجود، واما ان نثبت ونبرهن ديكتاتوريتنا من خلال وجود الفساد.
القضية لا تحتاج الى مزيد من التفكير في ظل انعكاسات الوضع الاقتصادي على المجتمع، والذي خلّف طبقتين متناقضتين ، احدهما متخمة والاخرى معدمة، لكن البحث العلمي يحتاج الى ارقام واحصاءات حتى لا نتهم بأننا “نغرف بما لا نعرف”، وبامكاننا ان نكتفي بتقرير منظمة الشفافية الدولية التي تتولى مراقبة الفساد، ومقرها برلين، عاصمة المانيا، الذي صنف العراق من بين اربع دول الاكثر فسادا في العالم.
واذا اردنا ان نسوق حوادث لطبيعة الفساد المستشري، فلا اعتقد ان عمود واحد يكفي لسرد النماذج المتعددة برغم وجود هيئات رقابية واخرى للنزاهة، لكنها كما يبدو غير قادرة على فرض سيطرتها على هذه الظاهرة ، خصوصا بعد ان اصبحت “الشبهات” تحوم حول مسؤولي الدولة انفسهم، من الذين يمتلكون زمام القرار، وامكانية اغلاق اي ملف وتسوية اية قضية تفوح منها رائحة الفساد.
لا ادري كيف بالامكان ان نطرح بعض جوانب الظاهرة، ومن اين نبدأ ، من اموال الاعمار التي ضاع اثرها، ام من اموال البطاقة التموينية ، أم من الاموال التي انفقت على الكهرباء، ام من صفقات السلاح رفيعة المستوى، ام من المشاريع الخدمية التي لا وجود لها ، سوى في “حجر الاساس” والواجهة الاعلامية التي رافقته، ام من الواقع المعيشي والصحي المتردي لطبقات عريضة من المجتمع ، أم وأم وأم ، وهذا غيض من فيض، والا هناك جوانب اخرى للفساد وتتعلق بالامن والادارة والتصفيات السياسية والاعتقالات العشوائية وانتهاك حقوق الانسان والملاحقات خارج اطار القانون، وصولا الى الانتخابات وتشكيل السلطات.
وهذه العموميات، يمكن لأي واحد منا ان يضع في مقابلها ما يناسبها من مظاهر للفساد ، او يفتح ملفاتها، لكن مع نفسه،     ، فهذا يفتح ملف الطرقات ورص الارصفة، وآخر يفتح ملف جهاز “السونار” الذي اجاز لكثير من السيارات المفخخة الوصول الى اهدافها وقتل الناس ، وثالث يفتح ملف النهب في الوزارة (س) و(ص) مع الاحتفاظ بالمسميات ، ورابع يفتح ملف الصحة، وخامس البيئة ، وسادس الزراعة والصناعة، وسابع يفتح ملف السجون السرية والسراديب المخفية، ومواقف ومع إعتقلات الوحدات العسكرية، غير الرسمية، وغير القانونية بالتأكيد، والتحقيقات الإرتوازية، على أنغام الصعق الكهربائي،  وانتزاع الاعترافات بالاكراه واصدار الاحكام بناء عليها.
وللانصاف فان هذه الوقائع لا ينفيها مسؤول .. أي مسؤول ، لكن الاشكالية اصبحت تستخدم للتسقيط السياسي ، وهذا أنموذج آخر من الفساد.
بقي شيء من نظامنا الديمقراطي وهي الانتخابات التي باتت على الابواب ، لكن شبهة التزوير والتلاعب بنتائجها تلف وتدور حولها، خصوصا بعد إكتشاف عملية تزوير ، آسف خطأ مطبعي، لآلآف البطاقات الإنتخابية   المكررة ، بحيث تمنح الفرصة للعسكري مثلا أن ينتخب في يومه الخاص، ثم ينتخب مع المنتخبين ، وليس هذه هي المشكلة الوحيدة للبطاقة الألكترونية، وانما ظهرت مشكلة أخرى لاتقل خطورة عن الأولى، وهذه المرة، التجارة بالأصوات، حيث تتم عمليات بيع البطاقات، للأحياء منهم والأموات، وبالمناسبة، تره، أكو بطاقات            صدرت لاناس غادروا الحياة، لكن لاندري من سيكون صاحب النصيب وينتخب من سكان القبور.
اخيرا اعلن تأييدي الكامل واقراري بصحة النطرية التي تحصر الفساد ونهب الاموال بالانظمة الديكتاتورية ، لكن .. يبقى السؤال قائماً : أكو فساد لو ماكو، أو إحنه من أي جماعة، جماعة الديمقراطيين، أم الديكتاتوريين، وهكذا دخلنا في دوامة البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟.