يعتبر الفساد بشقيه الاداري والمالي من اخطر الظواهر السلبية التي تواجهها الدول وهو اذا ماانتشر في دولة معينة دون مواجهتها بحلول واقعية وعملية فعلى هذه الدولة السلام ولشعبها الرحمة والفساد أنواع منها الرشوة واستغلال الصلاحيات والمناصب والمحاباة والتمييز بين الناس والمحسوبية والمنسوبية والابتزاز والتهرب من دفع الضرائب.
ولا ينتشر الفساد في الدول الفقيرة ذات الحكومات الضعيفة فحسب بل هو موجود أيضا في دول غنية تحكمها حكومات قوية حيث هناك الرشاوى وتبييض الأموال.
وتعتبر هذه الظاهرة هي الاكثر انتشارا ورواجا في العراق بعد الغزو الامريكي عام 2003م اذ ساعدت الخلافات والصراعات بين الكتل السياسية على نمو سرطان الفساد في مختلف اجهزة الدولة المدنية والعسكرية وصولا الى المجتمع نفسه بحيث بات استئصال هذا الورم يحتاج الى معجزة فالعراق بات يحتل المرتبة 175 عالميا من بين 183 دولة من حيث الفساد حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2011م ومن اخر ماكشف من تركة الفساد الثقيلة في العراق هو امرين اولهما هو قرار الغاء البطاقة التموينية الذي تراجعت عنه الحكومة بعدما اثار سلسلة من الانتقادات والمعارضة برلمانيا ودينيا وشعبيا اما ثانيها فهو صفقة السلاح الروسي الذي اثارت عاصفة هوجاء من التصريحات المتناقضة مابين الالغاء والمراجعة وبالنسبة للامر الاول فلاشك بان قرار الغاء مفردات البطاقة التموينية هو قرار صائب من الناحية الاقتصادية ويعتبر بداية فعلية للاصلاحات الاقنصادية في البلد وان استمرار البطاقة التموينية الى الابد هو امر محال خصوصا بان مبررات استحداثها عام 1990م من قبل النظام السابق نتيجة الحصار الاقتصادي الظالم على العراق قد باتت من الماضي الا ان الخطا يكمن في توقيت القرار ففي بلد يعيش 23% من سكانه تحت خط الفقر وانتشار للبطالة وانعدام فرص العمل وضعف القطاع الخاص وعدم وجود شبكة حماية واسعة واحصائية دقيقة للاسر الفقيرة والمعدمة وكذلك غياب انظمة متطورة للمحاسبة والاتصال والمتابعة مماادى الى زيادة في النفقات حيث انها تكلف 21% من ايرادات الحكومة ويكلف نحـو اكثر من (6) دولارات مقارنة بنقل مواد غذائية لشخص فقير بقيـمة دولار واحد في حال وجود ماسبق ذكره وهو مافتح بابا واسعا لعمليات سرقة وفساد كبيرين عجزت معه الحكومة على استئصاله مما دفع بها الى الحلول الترقيعية وهو الالغاء لعدم قدرتها على كبح جماح الفساد ومحاسبة المفسدين . لذلك بدا الاقدام على الالغاء بمثابة انتحار سياسي مؤكد خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية العام القادم ومن هنا كان التراجع . اما بالنسبة لصفقة السلاح الروسي فمن المهم الاشارة الى انه لولا كشف الرئيس بوتين والاعلام الروسي للفساد الذي شاب هذه الصفقة وادت الى الاطاحة بوزير الدفاع الروسي من خلال التقارير التي افادت بتلقي مسئولين عراقيين رشاوى مالية على شكل عمولات قدرت ب200 مليون دولار من قبل سماسرة لغرض تمرير الصفقة لتكون جاهزة للتوقيع عليها من قبل رئيس الوزراء المالكي اثناء زيارته الاخيرة لموسكو فلولا هذه التقارير لمرت هذه الفضيحة مرور الكرام لدى الجانب العراقي المعتاد على كل ماهو مشبوه حيث لايعرف من الفاسد ومن سيحاسب ومن سيقال من منصبه او يستقيل (ضاعت بينهم) ان حدث شي من هذا القبيل فالحكومة وبدلا من اتباع الوسائل اللازمة لمواجهة الفساد والضرب على ايدي المفسدين وسارقي المال العام لجات الى الترقيع عبر الحديث عن الغاء الصفقة وكان الغاء سينفي وقائع الفساد المستشري في اجهزة الدولة العراقية او سيغير من الحقيقة المرة وهي ان سرطان الفساد قد انتشر بعموم الجسد العراقي بحيث بات الاستئصال لايجدي معه نفعا حتى ان الحكومة اعترفت وبطريقة غير مباشرة عن عجزها عن مواجهة الفساد عبر لجوئها للحلول الترقيعية التي لاتسمن ولاتغني من جوع وانما هي ضجة اعلامية للخروج باقل الخسائر في الانتخابات المحلية القادمة .