23 ديسمبر، 2024 10:29 ص

الفساد والامراض المُعْديَة

الفساد والامراض المُعْديَة

يتّم التحذير من الامراض المُعدية ،ومَنْ منّا مَنْ لم يسمع بما صَنَعَهُ (الطاعون) و(الهَيْضَة) من كوارث بشرية، فتكت فتكا ذريعاً بمجاميع كبيرة من الناس، حيث لم تكن الوسائل الطبيّة لمكافحة هذين المرضيْن موجودة ..
وما يقال فيهما يُقال في مرض (الجدري) وشبهِهِ من الأمراض الفتّاكة السارية .
إنَّ العَدوى لاتنحصر  ببعض الأمراض ، انها تشمل الطباع أيضاً ،
إنّ الذين يعيشون أجواءً موبوءة ، يتحولون تدريجياً الى عناصر تحمل خصائص تلك الأجواء الموبوءة .
المثال التاريخي
(عثر أحد الرعاة عام 1927 على طفل بشري في عرين الذئاب، بالقرب من مدينة الله آباد في الهند ،وكان الطفل يبلغ من العمر عشر سنوات تقريباً، وقد توصل الباحثون الى حقائق مدهشة في شأن هذا الطفل :
وَجَدُوا انه يسلك سلوك الذئاب:
 ينبح مثلهم ..!!
ويأكل الحشيش …!!!
ويمشي على أربع …!!!
وقد يهاجم البشر فيعضّهم ،
أو يعضُّ نفسه ،
وتنتابه أحيانا نوبات من التوحش الشديد .
وحين نَقَلُوهُ الى أحد الملاجئ العقليّة هاجم الشرطة الذين كانوا يحرسونه عدّة مرّات )
ومن الواضح ان الطفل المذكور ، حين عايش الذئاب تحوّل من حيث يريد أو لايريد الى (ذئب بشري) واتصف بكل ما اتصفت به الذئاب .
علة تفشي الفساد :
ان الدوائر والاجهزة الرسمية العراقية، كانت في كل العهود السابقة لاتخلو من عناصر فاسدة ، ولكنها قليلة ، تتستر على مفارقاتها ومخالفاتها للقوانين الوظيفية والاخلاقية .
أما اليوم ،وبسبب شيوع ثقافة الفساد ، وكثرة الفاسدين، أصبح المواطن العراقي مضطراً للرضوخ الى ابتزازات، لايرضاها الله ، ولا تُقرّها الأخلاق ، ولا تسمح بها القوانين ، أينما ولّى وجهه ، وفي معظم الدوائر والأجهزة….
ان العاملين في تلك الدوائر أصبحوا تماماً مثل الطفل البشري الذي تطبّع بكل طباع الذئاب نتيجة عيشه معهم .
ان الموظف الذي دخل الى تلك الدوائر، طاهراً نظيفاً عفيفاً شريفاً ، تحوّل بفعل معاشرته للذئاب من زملائه ورؤسائه، الى ذئب بشري يعضّ المراجعين دون أن تأخذه بهم رحمة أو هوادة .
وقد بلغت الوقاحة ببعضهم ، أنْ يُقدّم للمراجع (ظرفاً) فارغاً ويقول له:
أذهب ، وضعْ فيه مبلغاً قَدْرهُ كذا، وجِئني به على جناح السرعة ، وما على المواطن الاّ الامتثال لأمره دون إبطاء ..!!
وبمقدور المواطن ان يفهم – من خلال ضخامة المبالغ المطلوبة – ان هذا الموظف لايستأثر بما يُقدّم اليه وحده ، بل يوصل الى رؤسائه منه ما يوصل، ويبتَلِعُ الباقي ..!!
والغريب انك تجد الكثيرين من هؤلاء الفاسدين، يتمظهرون بمظاهر الصالحين، وهم أبعد ما يكونون عن الصلاح والاستقامة .
اننا هنا لانتحدث عن قصة ابتدعها الخيال ، وانما نتحدث عن وقائع حيّة من خلال مراجعة بعض تلك الدوائر .
إنَّ المواطن العراقي اليوم ، يواجه بالاضافة الى أخطار الارهابيين وفتكاتهم الغادرة ، فتكاتٍ من أُوكِلَتْ اليهم مهماتُ خدمته وانجاز معاملاته ، فاذا بهم الذئاب قسوة وغلظة وتوحشاً .
وهذه المحنة تضاف الى المحن الكثيرة، التي تجمعّت عليه ، فانطبق عليه قول الشاعر :
تكاثرت الضباعُ على خِراشٍ
                     وما يدري خراشٌ ما يصيدُ
[email protected]