لم يعد الفساد مصدر خجل للكثير من الفاسدين ، ولم يعد الفاسد مطأطأ الرأس كما كان اليه الحال في الخمسينات والستينات ، والسبب اقولها بمنتهى الصراحة هو ظهور ما اشبه بالقبول الاجتماعي ، او على الاقل الاغتفال او التغافل عنه ، ان كثرة الفاسدين دليل على كثرة الصامتين عنه ، او كثرة اللا مبالين به ، وللفساد وجهان كالحان ، الاول هو الشخص المفسد ، والثاني الشخص المشجع.. لقد توسع الفساد ولا زالت عمليته تستقبل العديد من المنخرطين ، وان عملية مكافحته تشير هي الاخرى الى عدم الجدية والاقبال ، اما لان الكثير لم يعد يعده مخلا بالشرف او لان العمل بحد ذاته لم يعد مخالفة اجتماعية او وصمة عار، يقابل الوهن الاجتماعي هذا تهاون قضائي ، وربما هذا ايضا نابع من ايمان القاضي ان التعريف بالفساد لم يعد كما كان في الماضي جناية مخلة بصميم الشرف الوطني انما هي جناية عادية يتم التعامل بها بالقواعد القانونية المجردة عن البعد الاخلاقي والديني او حتى القييمي ، فلقد درجت مؤخرا هيئة النزاهة ، ومن بعدها القضاء ، جعل الفساد ضمن القضايا الروتينية ، كما وان القضاء قام باصدار احكام مخففة ، ومنها وقف التنفيذ لمفسدين مما يوحي للمراقب ان ليست هناك من جدية بمحاربة هذه الافة تناغما مع القبول الخجول للمجتمع بها ، هذا وقد صدرت احكام بسجن اخرين سنوات لاتتناسب والضرر المالي الذي لحق بالدولة ، ولم تشر هذه الاحكام الى اعادة الاموال بالكامل الى خزينة الدولة .