22 ديسمبر، 2024 8:21 م

الفساد ثقافة الفساد ثقافة

الفساد ثقافة الفساد ثقافة

غالبا ً وعندما يتناول موضوع الفساد ,يتم التحدث عنه بصورة مبتورة فنركز على جانب السياسيين الفُسّاد ونتغاضى عن جانب البيئة الاجتماعية التي انبثق منها هؤلاء والتي هي بذات الوقت تمثل الجمهور الذي أصر على انتخابهم رغم علمه بلصوصيتهم.وهو إغفال غير صائب لانه يجعل من السياسيين اشبه بكائنات هبطت علينا من كوكب المريخ.
في الفيديو الذي يظهر فيه محمود الحسن وهو يوزع سندات ارض قبيل الحملة الانتخابية وان الحكومة ” تريد تختبركم ونجي للمراكز ونشوف صدﮔتوا بالوعد ” وانه مكلف –برشوتهم- من قبل رئيس الوزراء نفسه وذلك بأن اوصاه ان يأخذ الموضوع على عاتقه,وانه سيعاود الزيارة بعد 30 / 4 ويتحاسبون معهم هل وفوا بوعدهم ام لا ”  ويقصد هل ادوا ما عليهم في مقابل الثمن الذي قبضوه.
لم يكن المتحدث بالمقطع هو المجرم الوحيد باعتباره الراشي بل الطرف الاخر فهو المرتشي وهو الجمهور الذي قبض ثمن بيعه لصوته بسحت سياسيين وارتضى ان يرهن مستقبل اولاده بأيدي خائنة غير امينة . والمثير للاستغراب ان لصوص الشعب يعيشون في حالة اقرب ما تكون الى الالتحام والوئام وبالغ الاحترام من الناس في حين ان نظرتهم كان يفترض ان تكون اكثر وعيا ً بحيث ينظر لسارق المال العام على انه اسوأ من لص المنازل بل هو اسوأ انواع اللصوص.لكن ذلك لم يحدث للآن بل العكس ينظر اليهم على انهم افراد ناجحين ونماذج ذكية فازت بفرص سنحت لها وانه يجب الاقتداء بهم وان يحاطوا بعين الغبطة لحظهم الوافر .
بينما واقع الحال انهم فازوا وفق مبدأ المغالبة وهو ذاته الذي جعلهم محط اعجاب الناس لانهم يعيشون وفق نفس المبدأ. ولو ان رموز اللصوص من امثال القائد الضرورة وسواه قد ظهر لهم في بعض لقاءاتهم التحشيدية من يذكرهم بحقيقتهم لانكمشوا ولاصفرت وجوههم الخاوية ولازدردوا ارياقهم يابسة . دور كان يفترض ان يقوم به وجهاء المجتمع بعد ان يهزموا منطق الثور الابيض والاسود الذي يعيش بداخلهم . هذا المنطق الذي تفشى بينهم واصبحوا ضحيته بسبب عدم استقرار سياسي وصراعات وانقلابات وبالتالي تجذر في عقل الظل لديهم عدم الامان والخوف وأصبح كل منهم متقوقع على ذاته يريد الثراء السريع لينجو وليحس بالأمان الذي يفتقده انيا ً كما ان اباه وجده قد افتقدوه في الماضي .لكن هكذا افذاذ يفترض بهم هزم هذا المنطق واستبدال ثقافة الذات المهزومة بالذات العصامية لم يؤدوا ما عليهم من دور او لم يدركوه بالمقام الاول او لعلهم غير موجودين بالاصل.
هذا المنطق الانهزامي المؤسف ضارب بأطنابه في اعماق المجتمع ونرى تجلياته وهو يعبر عن نفسه بأدق التفاصيل ومنها عيادات الاطباء فلطالما رأيت الطبيب او الطبيبة يقدم اقاربه او معارفه على سواهم بل حتى سكرتير الطبيب له صلاحية القيام بذلك وقد حصل ان قام سكرتير طبيب الاسنان في مراجعتي الاخيرة بتقديم زائرين طارئين وزائرات على اصحاب الباصات المرقمة فانتفضت احدى المراجعات واسترجعت اموالها .
لذا علينا اولا ً ان ندرك فنتوقف بعدها عن النظر لانفسنا كضحايا ثم نكثر من تأمل وترديد قوله تعالى ” ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك ” [النساء (79 )] وكيفما تكونوا يول ّ عليكم . ونتوقف عن الاحساس بانفسنا كجزر معزولة تريد النجاة بنفسها بل كذات عملاقة متكونة من مجموع هم الافراد في كل قرية ومدينة يعيش بها كل منا ثم هم المجتمع باكمله في كل زوايا الوطن.