يظل طموح الإنسان العراقي كبيرا غير أن المتحقق يظل دون ذلك بكثير , مع كثرة الأمل والنظرة المتفائلة خاصة بعد التغير في هيكلية السلطة. والمحزن أن الصحافة والإعلام والكتابات تسلط الأضواء بحرقة وحماس على حجم الفساد والإختلاس حتى ليكاد المرء يذهل من هذا الكم التراكمي ويتصور أن المذنب سيؤخذ من رقبته إلى حيث القضاء ليقول كلمته فيه , لكن سرعان ما تخمد الفورة ويتدحرج كل شيء لوادي النسيان .
سمعنا بفضائح تزكم الأنوف وقرأنا مأسي لا تعد ولا تحصى .. صرخنا وإستغثنا وعندما لم يتحقق ما نصبو إليه توسلنا بالشهامة والغيرة والنخوة ولم ينفع , صار كل الكشف كزبد البحر سرعان ما يتكاثف على الشواطيء وسرعان ما يصير نفايات عند أقدام البحر .
حتى أن سراقنا ومصاصي دمائنا يأخذهم الضحك من سفاهتنا وسذاجتنا لأنهم يعرفون مقدار ما سيتحقق من كل ذلك ,ولهذا بعضهم يغادر العراق ويترك زبانيته يديرون أعماله وبعضهم يظل كديك متصايح غير آبه لكل ذلك لأن من يدير الدولة يقف لحمايته والبعض الآخر يذهب إلى حيث الدولة الثانية ويوظف ما سرقه بمصارفها وبنوكها ولعل قضية فلاح السوداني وزير التجارة السابق ليست ببعيده , ومن كثرة الحوادث وعدم الملاحقة ما عادت بعض الدول تأخذ الموضوع بعين الإعتبار من منطلق أن الدولة الأم سرعان ما تُبرأ ساحة الشخص ولهذا يظل تحت الحماية القانونية بل متمتعا بجواز سفر البلد والإقامة الدائمة وربما يمنح الجنسية وتقدم له مغريات جمة . لأن المشكلة تكمن في كينونة وكيفية السرقة فمنذ 2003 للآن صار لها قانون وحمتها تشريعات وتضافرت معها جهود كونت مظلات إبتدا من الأعلى للأسفل .
على صفحات موقع كتابات بتاريخ 26 تشرين الأول أي قبل يومين نشرت فضيحة من العيار الثقيل بطلها الأول وزير النفط العراقي والثاني ضياء جعفر حاجم الموسوي مدير شركة نفط الجنوب بناء على ما كشفته وكالة فيرفاكس الإسترالية من أن شركة أونا أويل قدمت عرضا إلى شركة لايتون بأنها تتمكن من تسهيل حصولها على عقد مقابل 24 مليون دولار كعمولة لها , وإن هناك شخصية إيرانية يملك شركة وهمية يدعى عطا إحساني وإبنه سيروس إحساني تربطهم علاقة مع الموسوي . على هذا طلب رئيس النيابة الإسترالية العامة سرعة التحقيق في الموضوع وكلف عدد من محققي الشركة بتولي المهمة وهو يسمي ذلك ” بأن ما حصل يشكل تأريخ مثير للإشمئزاز وعدم الأهلية وسوء السلوك” .
كم من رشوة دفعت وكم من مسؤول عراقي إختلس وكم من عقد زور وكم من وزير وكادر سياسي من الحلقة القريبة من رئيس الوزراء أو الوزيرأو الشهرستاني أو رؤوساء الأحزاب أو أبنائهم وحتى مالكي المليشيات, قام بذلك ؟. وكم فضيحة نشرت على صفحات صحف العالم والعراق و من خلال الفضائيات ومواقع التواصل , وسرعان ما تخمد الضجة ولم يعد ثمة دخان لما جرى , إذن لماذا تحث الحكومة الإسترالية نفسها لمحاكمة كل من أساء إستخدام سلطته وتعتبر ذلك سوء سلوك ودولتنا المؤمنة المجاهدة المرتكزة على قيم الإسلام وتربية آل البيت لا يعنيها ؟. لأن الكل أيديهم تلطخت بوحل السرقة أم لأن القانون لا يشملهم بإعتبارهم فوقه وهم حراسه .
وفي نفس الموضوع المنشور أن شركة سايم الإيطالية قامت بالتوسط هي الأخرى لدى شركة نفط الجنوب بتسهيل مهمة عقد بعمولة عشرين مليون دولار مما إضطر شركة إيني الأم لسايم أن تمنع كل من له علاقة بالموضوع من السفر وتودعهم السجن , ولم يكفي هذا فقد تعرض رئيس الشركة المدعو ” باولو سكاروني” لمهاجمة منزله وتفتيشه من قبل الشرطة الإيطالية ومن ثم إنهاء خدماته . ونحن في العراق كأننا غير معنين بذلك وربما غدا نزود أولئك المتهمين ببلدانهم صكوك براءة ذمة , ولو أن المبجل ضياء جعفر حاجم الموسوي غادر العراق معززا .
مسكين يا عراق .. مسكين أيها الشعب المبتلى .. مسكين من تكتب بحرقة وتنتظر بتلهف لأن يُسمع صوتك .