لآ يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات الفقيرة والغنية سواء أكان في القديم أم في الحديث من مظاهر الفساد بكل اشكاله، والفساد ممارسة بغض النظر كونه سلوك قديم حديث ، وكما أن لكل ممارسة مرحلة زمنية مرتبطة مع بعضها ، فالفساد ايضا ظهر مع ظهور الخليقة على مسرح الحياة، ثم تطور بأشكالة حتى أصبح ملازم لحالات النزاع والفشل بين المسؤول ومن يعمل معه، وللفساد أسم واحد ولكن بأشكال مختلفة، مثل ما نطلق على اسم المرض الذي يأتي على اشكال مختلفة.
انتشر الفساد بشكل مخيف في جميع أنحاء المعمورة، حتى على الدول التي تعتبر دولاً ذات شكلاً نزيهاً أصابها الفساد …..
ولمفهوم الفساد تعريفات كثيرة ومتنوعة، الحمد لله كل انواعها متوفرة على ارض العراق والتي تم ختمها والتفنن في تطبيقها وتصديرها من قبلنا للأسف الشديد. إذا عدنا إلى المعاجم والقواميس أمثال قاموس أكسفورد أو قاموس ويبستر، سنجدها تتطرق وتتناول مصطلح الفساد بثلاث معاني، وتتردد أيضاً في الكتابات السياسية بشكل مستمر ومنها (الفساد العضوي أو البايولوجي ، الفساد الاخلاقي ، الفساد القانوني أو فساد الموظف العام وغيرها من المفاهيم المبتكرة، دعونا نتعرف عليها .
الفساد العضوي…..
.وهذا النوع من الفساد، يشير إلى التلوث أو التلف أو العفن،ويطلق في معرض وصف وإدانة تفكك الدول وسوء سيرة الحكام وغيرهم من المشتغلين بالعمل السياسي .
الفساد الأخلاقي……
بمعنى اللإنحراف وفقدان النزاهة والامانة وتجاهل الفضائل أو مبادئ الأخلاق، وبذلك تتدهور طبائع الحكام والمحكومين وتنهار العلاقات الأخلاقية بين الطرفين من ناحية ، وبين أفراد كل فريق من ناحية اخرى.
أن المجتمع الفاسد ، في عرف أصحاب المنظور الأخلاقي تحركه المصلحة الخاصة فحسب، ولا يأبه بالقيم المدنية والمسؤولية الاجتماعية ويتنافس أعضاؤه بشراهة في سبيل القيم الذاتية.
هذه الحالة يواكبها على الصعيد السياسي غياب معاني الولاء والتعاون السياسي وكثافة اللجوء إلى العنف، فالسلطة تعتمد على مزيج من القمع الموجه ضد اعمال الاحتجاج الجمعي التلقائي، والرشوة بقصد استمالة او احتواء المناوئين المحتملين، ويؤخذ على التعريف الاخلاقي للفساد قصوره عن بيان وتفسير بعض مظاهر الفساد وتجاهله لإمكانية تباين مدلول الفساد من مجتمع لآخر. الفساد القانوني………
أو فساد المنصب العام، بمعنى حث الموظف العام بطرق غير سويه كالرشوة على ارتكاب ما يعد إهداراً لواجبات الوظيفة، وبذلك يتحصل جوهر الفساد في علاقة مشبوهة او غير مشروعة بين شخص مكلف بأداء واجب عام، وشخص آخر يتوخى الحصول على امتياز ما بالمخالفة للقواعد والإجراءات المطبقة، وهذا راجع إلى سوء التنشئة الاجتماعية للموظف او المسؤول الاداري وفساد اخلاقه وقيمه الاجتماعية بشكل عام ثم الى خطأ المسؤول الاداري الاعلى في تعيين هؤلاء الموظفين او تنصيبهم في موقع المسؤولية واتخاذ القرار وكذلك يعود ايضا الى ظاهرة وضع الشخص غير المناسب في موقع المسؤولية واتخاذ القرار(حتى مع توفر الشروط العامة للوظيفة في هذا الشخص)فان ذلك انعكس سلبيا على الاداء الوظيفي لجميع المناصب الادارية في الدولة العراقية واضر بسمعة الدولة وهيبتها وان هذا الاداء البائس كان بالنتيجة مظراً بمصالح الدولة والمواطنين معا .
ويعد الفساد القانوني من أخطر انواع الفساد، ولا سيما كونه يتدخل بتقويم الحقوق وتحديد الحق من الباطل، وهذا المعنى يصب في تحريف الامور وجعل الحق باطل والعكس صحيح. ومع تنامي الاهتمام الأكاديمي بموضوع الفساد السياسي آبان عقد الستينات من القرن الحالي ، ظهرت تعريفات جديدة لا تعدو في معظمها أن تكون بلورة او إعادة صياغة للفساد القانوني/ فساد الوظيفة العامة.
إذ خضع الفساد بهذا المعنى للتمحيص والتعديل بهدف وضع تعريف للفساد يجمع بين العمومية التي تسمح بالدراسة المقارنة لظاهرة الفساد، والتحديد الذي يسمح بإجراء مشاهدات دقيقة عن الظاهرة في بلدان معينة.
ونظراً لإختلاف القوانين من بلد إلى آخر، أختفت النظرة القانونية الحقيقية ، فيما ازدهرت محلها الرؤية التي تعتمد بفساد الوظيفة العامة.
وعلى هذا الاساس، ذهب البعض معرفاً إلى القول بأن أي سلوك يجافي المصلحة العامة سلوك فاسد، والعكس صحيح.
لكن المصلحة العامة مفهوم مراوغ وعرضة لتفسيرات مختلفة داخل المجتمع الواحد، كذلك ذهب فريق آخر إلى أن الرأي العام خير حكم على ماهية السلوك الفاسد، بمعنى، ما يستهجنه الناس يعتبر فاسداً، وما يرتضونه يعد مشروعاً.
لكن الرأي العام ، ليس كلاً متجانساً، بقدر ما هو تجميع لأراء العديد من القطاعات الشعبية المختلفة، في الرؤى والمصالح، بل ان الراي العام يتغير من مرحلة لأخرى بحيث أن ما هو فاسد اليوم ، يصبح مشروعاً في الغد.
وبناءً على ما تقدم ، لمفهوم الفساد كونه ظاهرة مركبة ومتداخلة مع مختلف دروب السلوك السياسي والإداري، وغير منعزلة عن السياق المجتمعي الشامل.
لذلك ان الفساد السياسي، ينتج أثار وتداعيات سلبية وخطيرةعلى مختلف جوانب النظام القائم، وهذا يعني تغيباً للمشروع الديمقراطي الذي نحن بصدد تطبيقه اليوم، بمعنى المشروع الديمقراطي بمفهوميه السياسي ( المشاركة) والإقتصادي ( العدالة التوزيعية للموارد) واضعافاً لولاءات الأفراد وانتماءاتهم وانتشار العنف السياسي.
لذلك من كل ما تقدم، المطلوب لمحاربة الفساد، يقتضي تحركاً صادقاً على جميع الاصعدة من سياسية، اجتماعية،اقتصادية ، ثقافية، فضلاً تقوية ودعم الجانب القانوني ودعمه بوسائل ارغام قوية نزيهة مستقلة تعمل بقوة الدولة و الذي بدوره يكون رداً على ضعاف النفوس عن كل عملية انحراف محتملة. ولو حصل ذلك، سوف يشعر الفرد بقدرته على التأثير في شؤون وسياسة مجتمعه ودولته وقراراتها، بمعنى آخر، سوف يعتقد الفرد أو المواطن بعد شعوره بقوة القانون أنه صاحب رأي أو وجهة نظر في أمور بلده والتي تطرح وتؤخذ بعين الاعتبار، لذلك سيكون هذا الشعور والاعتقاد ضروري للفعل السياسي أو المشاركة السياسية ، والعراق اليوم يحتاج إلى مثل هذه الأفكار ولاسيما أنه ينتهج السلوك الديمقراطي المبني على التعددية السياسية ، ومن ثم سيكون النجاح حليف عراقنا لو تم تقوية المؤسسة القانونية وأستقلاليتها من تدخل الآخرين بقراراتها ،بيد ان تقويتها ستكون صمام أمان لكل فرد ولكل صاحب حق ولكل مغدور ومظلوم.