20 ديسمبر، 2024 1:07 م

الأمم تنهض بمثقفيها وبهم تسقط,  الثقافة الوطنية العراقية كان لها رواد واجهوا تيارات الردة بقوافل من السجناء والمشردين والشهداء, ولم ينال من مواقفهم العوز والحرمان وحصار الأيديولوجيات المنغلقة, كما كانت لبعض السياسيين مواقف تكرمت بدمائهم من اجل وطن ينتمون اليه, الوطنية كانت شعار وعلم ونشيد تغرده حناجر عاشقة للأرض والأنسان, ارضية ازدهر عليها تاريخنا الأبداعي والفني والأدبي وفلكلورنا الشعبي وكان الوطن هويتنا المشتركة, انزلقنا وتجاوز عمر الأنزلاق الى هاوية التخلف والأنحطاط والأنسلاخ عن الهوية اكثر من ستة عقود تقريباً حتى نسينا ما يعنيه مجد النزاهة والكفاءة والصدق والأيثار وهوية الأنتماء .
للتخلف والأنحطاط رموزه السياسية والثقافية والدينية, انتصرت جاهليتها وتراجعت موروثات القيم والأعراف والأخلاق والتقاليد الحميدة, ايديولوجية التعنصر القومي اعتصرت المجتمع واخرجت من مساماته ثقافة للتخلف والأرتزاق, الأيديولوجيات الأسلاموية فجرت العقل المجتمعي واتخذت من الدين وتخريفات الطوائف والمذاهب حطباً لمحرقة المعرفة وحجزت كل الأمكنة ولم تترك للمثقف الوطني فسحة من داخل انغلاقها المسيج بمفخخات التطرف  .
على امتداد ستة عقود تقريباً, نزف المجتمع عقله وجفت سواقي وعيه وطفحت على وجهه ندوب الأنتهازية والوصولية والنفعية وتشويهات اللاابالية, اعزلاً الا من ذاكرة مسحت جميلها خرافات المتقولين, في مجتمع تنحط فيه الطبقة السياسية وفي قبضتها السلطة والمال والدين, لا يمكن للمثقف ان يكون بعيداً عن مرمى التلوث خاصة اذا تعددت مصادر عدوى الخراب, المواطن الذي تبلل بأوحال الزيتوني مضطراً, ستضعف ارادته امام رذاذ سيد الأنشاءات ومواعظ الأفتاء ومواهب قلب الحقائق وتزوير التاريخ, من لا يعرف نصاً قاله علي اوالحسين (ع) سينخدع باكاذيب تتباكا دموع التماسيح  .
اذا اخبرت الناس, ان امير المؤمنين علي والحسين قالا كذا وكذا, يكفروك مادام الذي تقوله لم يسمعوه من الخطيب ولم يفتي به لا مرجع, واذا اخبرتهم بالأدلة الدامغة واغلبهم شهود, بأن خطيبهم وواعظهم ومصدر افتائهم , اغتصبوا عقارات الدولة وسرقوا وهربوا ثروات الوطن وارزاقهم معها, يرتبكون ويكذبون انفسهم ويبحثوا عن مبررات لضمور معنوياتهم ثم الهروب الى الأمام بأتجاه ثرثرة الخطيب والواعظ والمفتي وشهيتهم مفتوحة على عسل الأكاذيب, في مجتمع مصاب بسادية تجريم الذات وعقابها, لا تجد المعرفة من يناصرها, والجهل سيد الموقف .
انهم ضحايا بكل ما للكلمة من معنى, ضحايا فساد السياسي وانحطاطه وتبعية المثقف وذيليته, الثقافة العراقية منقسمة على جغرافيات السياسيين, مثقفي واعلاميي حكومة الأقليم ومثقفي واعلاميي التحالف الوطني الشيعي وبينهم مثقفي واعلاميي لملوم المادة (4) ارهاب للمكون السني, ما تبقى للعراق اقلية تواجه تيار الأنهيار بأكف مقطوعة الأصابع محاصرة بسلطة فاسدة واعلام مأجور واذلال العوز ولعنة الغيبيات, للأعلام وللصحافة ولمنظمات المجتمع المدني مراكز مرتشية, وللكتبة “حشر مع الناس عيد” ولم يتبقى للعراق سوى جهالة “ولد الخايبة”  .
الفساد السياسي قد يعالج عبر اصلاحات وتغييرات في هيكلية السلطة ترافقها اجراءات قانونية مناسبة, الفساد الثقافي يحتاج علاجه عقود واجيال, انه ارث ترسخ في ذاكرة الناس له مساحة واسعة في الفنون والأداب والفلكلور الشعبي وامثلة الملايين, تراث مدون محفوظ في مكتبات الدولة, مؤلفات ودواويين وطروحات للدكتوراه ومناهج دراسية, كارثة مجتمعية اكتسبت طعمها الشعبي  .
المثقف الذي يعرض بضاعته المعرفية في سوق الأرتزاق السياسي لم يعد نافعاً, السياسي الذي يصبح جسراً لعبور مشاريع الأطماع الخارجية لم يعد نافعاً, رجل الدين الذي يضع سرج المال والسياسة على ظهر بغلة عقيدته كاذباً, واقعنا العراقي اصبحت له رموزاً سياسية وثقافية ودينية مزهوة  بمواقع عهرها والعملية السياسية ماخورها, ان لم يكن الأمر كارثة انحطاط مدمر فما عساه ان يكون .. ؟؟ .
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات