أحال القضاء العراقي، السبت، 20 وزيرا عراقيا للمحاكمة بتهم فساد، كما شملت القائمة مئات المسؤولين الآخرين، ضمن حملة لمحاربة الفساد في العراق. وكشف عضو مجلس النواب النائب جمال المحمداوي، عن مناصب المسؤولين المحالين إلى القضاء بتهم فساد. وقال المحمداوي لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن “قائمة المتهمين المحالين ضمّت أكثر من 20 شخصية بدرجة وزير تمت إحالتهم إلى محكمة الموضوع”، مشيرا إلى أن “هذا مؤشر يؤكد وجوب ألّا يتم اختيار الشخصيات التي تتسلم المواقع الرئيسة من مزدوجي الجنسية.
وأضاف أن “20 شخصية متهمة بدرجة وزير من أصل 333 أحيلوا للمحكمة غيابيا، أما من هم بدرجة مدير عام فقد أحيلوا غيابياً للمحاكم وعددهم 27 ممن اتهموا بالقضايا الجزائية الخاصة بوزارة الكهرباء”. وتابع أن “الفئة الأخرى التي هي أقل من مدير عام، يصل عددهم إلى أكثر من 286 ، وهم أحيلوا غيابيا للمحاكم، فيما تمت كفالة 72 ومن ضمنهم وزيران وأربعة بمنصب مدير عام، و66 من درجة درجات وظيفية أقل”. وأشار إلى أن “الإدانات شملت 4 وزراء فقط و7 مدراء عامين من أصل 198 متهما بالقضايا التي تتعلق بملفات الفساد لوزارة الكهرباء”.
لطالما وجه الاتهام لمزدوجي الجنسية أي من الجنسية العراقية وحاملي الجنسية الثانية من بلد الأقامة في محاولة لخلط الاوراق في تشخيص رموز الفساد وأضفاء نزاهة مفتعلة على حملة الجنسية الأصل فقط, وهو سلوك اسقاطي سيكولوجي يأمتياز لتحميل حملة الجنسية الأخرى نتائج ما يجري من فساد واهدار للمال العام, نعم هناك من سياسين من حملة الجنسية الثانية متورطين في الفساد بما تزكم له الأنوف, ولكن في التعميم اعاقة فكرية واهداف اريد بها التغطية على فساد اعظم ارتكبه ذو الجنسية الأصل والوحيده لحاملها, وعلى الشعب العراقي ان يعي حقيقة تلك اللعبة المزدوجة التي يرغب الفاسد في لعبها للهروب من القصاص العادل بحق الجميع من مزدودي الجنسية وغيرهم.
ارتبط تفاقم ظاهرة الفساد في العراق بمجمل سياسات النظام السابق الاقتصادية والاجتماعية والحروب المدمرة، والتي أدت بمجملها إلى إفقار المواطن وحرمانه من ابسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة، إضافة إلى ما أدت من تفتيت للبنية الأخلاقية والقيمية وضعف الوازع الداخلي، إلا إن سطوة النظام وقمعه حصرت ظاهرة الفساد، وخاصة الإداري والمالي برأس النظام وأطرافه، وحولت بنفس الوقت الفساد إلى ما يشبه الفيروس الخامل تحمله قطاعات اجتماعية واسعة، وجدت في إسقاط النظام والطريقة أو السيناريو التي هوى فيها النظام فرصة مواتية لينشط هذا الفيروس ويتحول من حالة الكمون أو الخمول إلى حالة الفعالية أو النشاط الكامل ليتحول إلى وباء شامل ينشط بطرائق أخطبوطية وبمدى يصعب التحكم والسيطرة عليه أو تحديد سقف له، وقد وفرت الظروف السياسية ما بعد السقوط وطريقة أداء الحكم بيئة صالحة لنشاط فيروس الفساد ليلتف بدوره حول السياسة ويضربها في الصميم ويعيد بعث ظاهرة الفساد السياسي المتمثلة بالاستئثار بالسلطة واستغلال النفوذ السياسي وتكريس قيم الحزب الواحد عند الكثير من الكيانات السياسية، ولعل المثل الصيني ” الماوي ” القائل : ” رب شرارة أحرقت السهل كله ” يلقي مصداقية كبيرة في تفسير الفساد في العراق.
أن إحدى تجليات الخوف من الفساد الإداري والمالي هي تحوله إلى ثقافة سائدة ما بعد 2003 أو ما يسمى ” ثقافة الفساد ” مضفيا على نفسه الشرعية في الشارع وفي المعاملات الرسمية اليومية، ومن ترسخه كنمط سلوكي لإشباع الحاجات المختلفة والاكتفاء الذاتي، وبالتالي يتحول الفساد من كونه عمل منبوذ اجتماعيا وقيميا إلى عمل يلقي الاستحسان ويندمج ضمن المنظومة الايجابية للأخلاق والأعراف، ويعتبر نوعا من الشطارة أو الدهاء الشخصي لصاحبه، وأحد معايير الشخصية الدينامية والمتكيفة القادرة على حل المعضلات بطرائق سحرية.
أن القبول بالفساد كأمر واقع شكًل احد عوامل الضغط على المنظومة القيمية والتربوية لدى أفراد المجتمع العراقي وفي تبديد قناعاته الأخلاقية والوطنية، فقد انتشرت اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التطرف والتعصب في الآراء وشيوع الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص، كما شاعت قيم فقدان احترام العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي وتراجع الاهتمام بالحق العام والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي بدوره إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر، وقد جاء ذلك على خلفية التراكمات التي افرزها النظام السابق متبوعة ومعززة بالإفرازات السلبية التي سببتها الاستقطابات السياسية والتحالفات المشوه والاعتبارات الفئوية والطائفية والقبلية حيث غياب مفهوم المواطنة ومصالح البلاد العليا.
وهكذا لعبت المحاصصة لاحقا بمختلف مظاهرها سببا في شيوع الفساد الإداري والمالي,ولعبت دور الحاضنة الأمينة له ,فلم يتم اختيار أفراد السلطة ولا الوظائف العامة على أساس النزاهة والعصامية والتكنوقراط وإنما جرى ذلك وفقا لتوافقات سياسية واستحقاقات غير متوازنة ولا معقولة, وعلى هذا الأساس استخدم الفساد كطريقة وجزء من منظومة ” الحوافز الإيجابية ” ,” فالمظلوم ” من النظام السابق يقوم باسترداد ” حقوقه ” بطرق غير قانونية كردة فعل على القمع والإقصاء, ويصبح بدوره ظالما وسارقا للمال العام كاحتلاله منصبا سياسيا أو وظيفيا لا يحمل له أي مؤهل وتحت واجهات ومبررات مختلفة: “خطية يستاهل”, “وصاحب عائلة وأطفال وين يروح”, “خوش آدمي صائم مصلي”, “أحسن ما يمد أديه للناس”, أو يعتبر نفسه مفصول أو مضطهد سياسيا من النظام السابق فيقوم بتزوير الوثائق والمستندات اللازمة لذلك لكي يسترجع ” حقوقه “. أما المظلوم الحقيقي من النظام السابق فيعاني الأمرين لانتزاع حقوقه, بل الكثير تنازل عن جدوى الادعاء بحقوقه تحت وطأة سوء المعاملة’كاصطدامه بموظف كارها له في الفكر أو بعثي سابق احتمى بطائفته ويشغل منصبا جديدا تكريما” لمظلوميته “.
وهكذا وفرت المحاصصة غطاء لسرًاق المال العام وللمفسدين بصورة عامة, والجميع بعمل على قاعدة أضرب(أسرق) وأهرب إلى طائفتك أو قبيلتك أو حزبك أو إلى قوميتك, أو هذا لك وذاك لي, بل وصل الأمر إلى العبث في تفسير النصوص القرآنية التي لا خلاف على تفسيرها, في محاولة لانتزاع “الاعتراف الإلهي” بأهلية الفاسد وفساده, فعلى سبيل المثال لا الحصر مثلا يرون في النص القرآني: “والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله” لا تشمل العقوبة سرًاق المال العام, وأن السارق له حصة في هذا المال فهو يأخذ من حصته,والسارق يعرف تماما أن السرقة من المال العام يعني السرقة من أكثر من 40 مليون عراقي, وبالتالي يستحق ليس قطع اليد، بل تقطيع الأوصال(حسب بعض المفسرين),أما اللهاث وراء الفتاوى الدينية لتحريم الحلال وتحليل الحرام فلا حدود لها,وعلى قاعدة ” ذبه برأس عالم وأخرج منها سالم ” وما أكثر العلماء في عراق اليوم.
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن في كل تجارب البلدان التي مرت في محنة الفساد بقيت لديها فسحة من الأمل في بعض من قطاعاتها خالية نسبيا من الفساد, نظرا لارتباط هذه القطاعات بأهداف إنسانية كبرى ذات صلة وطيدة بمستقبل مجتمع بالكامل من حيث الأعداد والتربية والتأهيل وغرس روح المواطنة ونشير منها على سبيل المثال إلى قطاع التربية والتعليم باعتباره قطاعا مصدرا لنماذج القيم المتقدمة وإعادة توليد ما هو ايجابي ومشرف في ذهنية الدارسين,إلى جانب كون العاملين فيه من النخب الاجتماعية والتربوية التي يفترض أن تكون نماذج ومعايير يقتدى بها ويسمع رأيها, خاصة في الأزمات العامة, إلا انه مع الأسف كان هذا القطاع من الضحايا الأولى للفساد بمختلف مظاهره من تزوير وسرقة أموال الدارسين وإفساد للعملية التربوية والتعليمية,منهجا وطرائفا وكادرا ومؤسسات, بل أن المحاصصات السياسية والحزبية والطائفية والقومية دخلت بكل حمولتها السيئة لهذا القطاع لكي تحي في ذاكرتنا الآثار السيئة للتبعيث, وبهذا حرم هذا القطاع من دوره الحقيقي في محاربة الفساد بتحويله إلى قطاع مُصدر للفساد.
وتبقى محاربة الفساد وتجفيف منابعه إحدى المهمات الصعبة التي تقف عائقا أمام تطور مجتمعنا “وديمقراطيته السياسية الوليدة التي بلغت من العمر 17 عاما ” ولازالت تحبو, وأن المدخل اللازم للقضاء عليه يتجسد في بناء دولة المؤسسات ألحقه القائمة على سلطة القانون لا سلطة الحزب أو الطائفة أو القبيلة والقومية, والعمل على تفعيل النزاهة والمسائلة والعدالة ضمن آليات عمل مفوضية النزاهة المستقلة ويجب أن تقوم بدورها بملاحقة المتورطين بقضايا الفساد وتقديمهم للعدالة باختلاف مناصبهم ووظائفهم ومسؤولياتهم وأنتمائاتهم الحزبية والطائفية والقومية, والجرأة الكاملة والواضحة في مكافحة الإرهاب بشدة باعتباره لونا من ألوان الفساد وخاصة عندما يستخدم للوصول إلى أهداف سياسية, والحفاظ على قطاع التربية والتعليم وتخليصه وتحًيده من الصراعات الطائفية والحزبية والسماح له بأداء دوره الإنساني والوطني في محاربة الفساد على نطاق واسع, فهو صمام الآمان لخلق جيل مؤمن بقيم النزاهة والحق والعدالة,وإعادة توليد القيم الايجابية في أذهان رجال المستقبل.
وبهذا يتحول الفساد من ظواهر فردية متناثرة هنا وهناك إلى عمل مافيوي مخطط يدخل سوق العمالة ويقدم خدماته من خلال اختراقه كل القطاعات الإنتاجية والخدمية, ويخضع لمبادئ العرض والطلب والمنافسة الكمية والكيفية ويتحكم بمفاصل تشغيل العمالة, وهذا ما نشهده اليوم من تسهيل معاملات على مختلف المستويات, فهناك تسعيرات محددة لشغل مختلف المناصب من مدرس إلى ضابط, إلى شرطي أمن, إلى مدير دائرة والى مدير عام , وتسعيرات للحصول على مختلف الوثائق والمستندات الشخصية من وثائق دراسية وشهادة جنسية وبطاقة أحوال مدنية وجواز سفر وغيرها,طبعا جنبا إلى جنب مع الفساد الكبير الذي يخترق مختلف العقود والمشاريع والمخصصات والاستثمارات الإنتاجية والخدمية التي تستهدف إحياء البنية التحتية المدمرة.
الحديث عن الفساد وتحميله لحملة الجنسية الثانية او المزدوجة هو حديث كذب ورياء يراد به خلط الاوراق وتحميل السياسين القادمون من الخارج مسؤولية ما يحصل من الخراب, فالقضية اكبر من حاملي جنسية اخرى بل من احزاب فاسدة لا تؤمن بمشروع بناء دولة المواطنة, نعم منهم من حملة الجنسية المزدوجة ولكن الجنسية الثانية لم تكن سببا في الفساد إلا بقدر انتمائها الى حزب فاسد يروج للخراب وهلاك الدولة وقد يكون الكثير من اعضائه من حملة الجنسية العراقية الوحيدة ولكنهم لا ينتمون الى العراق بل ينتمون الى مشروع خرابه وارتهانه الى قوى الفساد واللادولة.