لم يتعرض بلد, في أصقاع الأرض, لمثل ما تعرض له العراق, من هجمة إرهابية, هي الأعنف في التاريخ الحديث, مع طول مدتها, التي استمرت, لأكثر من أربعة عشر عاما, وشراسة عدو, لا يفرق بين طفل أو عجوز, بين أعزل خرج لطلب الرزق, أو امرأة ذهبت للتسوق .
خلال هذه الفترة الطويلة, تطور الإرهاب نتيجة للدعم الخارجي, وسوء الإدارة والفساد المستشري, في المنظومتين الأمنية والسياسية, فلم يشعر العراقيون, إلا والإرهاب قد اجتاح, مساحات واسعة من العراق, وصار يحيط ببغداد, فهبت جموع المتطوعين, الملبين لفتوى المرجعية وقواتنا الأمنية, ليقاتلوا هذا العدو, الذي أهلك الحرث والنسل, حتى بتنا اليوم, على أعتاب النصر النهائي .
تزامنت مع موجة الإرهاب, موجة أخرى, ربما أشد منه فتكا وتأثيرا, هي موجة الفساد المالي والإداري, الذي ضرب أركان الدولة العراقية, من رأسها حتى أخمص قدمها, فعاث فيها فسادا, ونهبا وسرقة, وغسيلا للأموال ومنحا لإغراض انتخابية, ومئات المشاريع الوهمية, حتى أمسى العراق, صاحب الموازنات الانفجارية, يستدين رواتب موظفيه, وتوقفت مشاريعه العمرانية, وإنهارت بناه التحتية, وجيرت موازناته لمحاربة الإرهاب, الذي كان من أهم أسبابه, الفساد المالي والإداري.
ومثلما كان الإرهاب مدعوما داخليا وإقليميا ودوليا كذلك فإن الفساد مدعوما من جهات متنفذة في الداخل والخارج توفر له الغطاء الشرعي والقانوني وشريكة له في ما يستحوذ على أموال العراق وإفراغ خزينته وسلب قوت العراقيين الذين حرموا حتى من توفير حصتهم التموينية لعجز الحكومة عن توفير الأموال اللازمة لها وحجم الفساد المستشري فيها فكان أن اتفق الإرهاب والفساد على قتل وتجويع الشعب العراقي .
ولأن الفساد عدو داخلي متخفي, اخذ ينخر في جسد الدولة وينهكها, فقد وقف الجميع, عاجزا عن محاربته, فلم نر الدوائر التي أسست لذلك, من هيئة نزاهة, أو دوائر التفتيش, والادعاء العام والقضاء, قد وضع حدا لما يحصل, وأوقف التجاوزات على المال العام, أو عاقب من سرق, أو أهدر أموال العراقيين, أو تسبب بذلك, بل إن منظومة الفساد, تسرح وتمرح, وتفعل ما يحلو لها, والعراقيون ينظرون, لا حول ولا قوة .
لذلك؛ فان المعركة مع الفساد, لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب, وعلى العراقيين أن يدركوا, أنه لا إنتصار على الإرهاب, بدون الإنتصار على الفساد, والضرب بيد من حديد, على المفسدين وإسقاط عروشهم, وإيصال البلد الى شاطئ الأمان .