7 أبريل، 2024 2:52 ص
Search
Close this search box.

الفريق الركن صابر الدوري والعراقيين المسيحيين

Facebook
Twitter
LinkedIn

من ذاكرتي المتواضعة…. الفريق الركن (صابر الدوري والعراقيين المسيحيين 
لأول مرة اكتب عن عمي وسيدي وقدوتي ألـفريق ألركن صآبر الدوري…لكن هذه المرة ليس كمحافظ لكربلاء المقدسة , التي تبقى تدين له ما فعله لها ومن اجلها و أبنائها… كما يعرف القاصي والداني , وإنما سأكتب عن ذلك الإنسان في يوم من أيامه كمحافظ لبغداد العاصمة التي غادر كربلاء اليها مأسوفا عليه من أبناء كربلاء وأسواقها وشوارعها وأزقتها التي تشتاق لمسيره فيها على قدميه كما تشتاق للحسين الشهيد ..
ولأني الان في بغداد أشاهدها من جديد ولأول مرة بعد تدنيس الاحتلال لترابها الطاهر لطارئ ألم بنا جعل قدمي تطأها مرة أخرى لمرافقة زوج أختي لإجراء عملية جراحيه له اثر تفجير إجرامي 
وجدت نفسي مرة أخرى في منطقة الميدان قرب وزارة الدفاع العراقية العريقة المطلة على نهر دجله الخير الذي جف كما جف كل شيء  بعد سقوط الأخلاق والوفاء والخير ..وبالقرب من مبنى محافظه بغداد القديمة في منطقة الميدان تذكرت ما حصل معي حينها وانا ازور عمي أبا فراس ولسان حالي يردد قصيدة الشاعر الكبير الجواهري:حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحَييني *** يا دجلة الخير , يا أمَّ البساتينفي يوم من الأيام .. شعرت باشتياق لذلك الإنسان كاد يحطم قلبي وفؤادي .. فآثرت الرحيل إلى بغداد على وجه السرعة عندما تذكرت آخر يوم للسيد المحافظ وما دار من حديث بيني وبينه بعد أن أدى الصلاة داخل القفص الشريف الذي يحمل بين ثناياه اطهر جسد مسجى في كربلاء ووجدته يبكي وقبلت يده فقال لي (بغداد ليست بعيدة وسوف أزوركم كلما اشتاق لكم وتزوروني كلما تشتاقون إلي وسنتواصل دوما )..
وصلت إلى بغداد عندما كانت بغداد تزهو كعروس لمحافظات العراق تتباهى بطهرها وجمالها وهي متوجة كملكة من ملكات ألف ليلة وليلة كانت زيارتي هذه لبغداد من أوائل زياراتي لها التي تحسب على أصابع اليد الواحدة وبرغم ظروف الحصار ألـجآئر الذي اهلك الحرث والنسل وجعل الناس يبيعون حتى ثيابهم لسد رمق العيش وإطعام اطفالهم الا انها ( بغداد )…كانت مزهوة عطرة يعرف من يدخلها بأنه في حاضرة الدنيا ومركز العلم والمعرفة ، وتحمل الأحلام لكل شاب يبحث عن فرصة عمل لم يجدها في محافظته .. مدينة مليئة بالحياة والعمل ومكتظة بسكانها الأصليين والوافدين إليها للعمل وطلب العلم في جامعاتها .
وصلت إلى مبنى المحافظة المطل على مرآب (كراج)الميدان الشهير الذي يعرفه الجميع ودخلت إلى غرفة الاستعلامات لأطلب مقابلة السيد المحافظ وأنا أحمل رفيقة دربي وهدية عمي أبا فراس كامرتي الحبيبة.. وجدت موظف الاستعلامات يتحدث في الهاتف وأخبرته باني أريد مقابلة السيد المحافظ.. فقال لي السيد المحافظ سوف يخرج بعد قليل ولا يمكن أن تقابله الآنوبعد جدال بيني وبينه أخبرته بأني من كربلاء وكنت اعمل سابقا بمعية السيد المحافظ أجابني : (چا انتم أهل كربلاء ما تعوفون الرجال بحاله والله الرجال ميگدر يشتغل شي هنايه من وراكم واحد طاب واحد طالع لو باقي يمكم ليش اجى لبغداد..!)فاجبته.. لو الشغله بيدينه منخليه يطلع من كربلاء طول العمر لكن ما شاء الله كان ..
عرفت من الموظف بأنه من مدينة الثورة وانه يحب السيد المحافظ لأنه لأول مره يعمل بمعية مسؤول في الدولة ووجده بهذه البساطة والإنسانية وأنه دائم الحضور لكربلاء ورأى ما أصبح عليه حال كربلاء …
وما أن أنهيت كلامي معه حتى وجدت باب المصعد الكهربائي للبناية يفتح وفيه من اشتقت إليه نسيت كل الأعراف والآداب واللياقة ووجدت نفسي اركض مسرعا نحوه وأنا أرى ابتسامته على وجهه الصبوح فقال باسما ( أشوف بغداد منوره ثاري ابني الرابع هنا واني ماأدري )..!قبلت يده بشوق وأخذني في حضنه وقال ( لي أنت الوحيد الذي لا أمنعك من تقبيل يدي لانك مثل أولادي واعتبرك ابني الرابع ) ..وأنا أرى لمعه الدمع في عينه ..أجبته سيدي المحافظ فقاطعني لا أريد أن اسمع كلمة سيدي مرة ثانيه منك احنه اتفقنا قبل 5 سنين من اشتغلت ويايه تكولها ميخالف هسه أنت ابني وضيفي ابغداد متكول غير كلمة عمي …فأجبته قائلا …عمي العزيز انقل لك سلام وشوق كربلاء كلها لشخصك من كل قضاء وناحية وشارع وزقاق وفاءا للي سويته إلنا وهذا شي ما ينكره بس ابن الحرام .. فأجابني (ابني علي ماسويت غير واجبي وبعدني اشعر بالتقصير ) فأجبته محد سوى السويته بكربلاء ولا يجي احد يسوي ويخدم المدينة مثل خدمتك .
فقال لي برغم اشتياقي إلك ولكربلاء وأخبارها لكن الآن أني جديد على شغلي ابغداد وعدنا واجبات وحقوق لازم نوفيها فنعوف السوالف لوقت الغدى من نرجع للبيت حتى تشوف بيت عمك هنا وإخوانك يفرحون بشوفتك… الآن عدنا جيران المحافظة الهم حق علينا لازم نزورهم ونتعرف عليهم البارحة كان عيدهم فإذا ما تعبان من السفر تجي ويايه نسلم عليهم ونأدي الواجب وإذا تعبان اصعد لغرفه السكرتير انتظرني بين ما اخلص الواجب.. أجبته بدون تفكير ومن غير أن اعرف الوجهة أو المكان بل أكون بصحبتك عمي المحافظ فقال إذن نتوكل على الله فوجئت بأننا لم نركب السيارة المخصصة للمحافظ وإنما مشينا على الأقدام وهو يمسك يدي بيده واستدرنا خلف مبنى المحافظة ودخلنا مكان يظهرمن هيئته بأنه قديم و اثري ويحمل رونق وجمال ونظافة قل نظيرها فقال لي السيد المحافظ هؤلاء هم جيراننا الذين لهم حق علينا فنظرت فإذا هي كنيسة ودار عبادة للإخوة العراقيين من الطائفة المسيحية الذين يسكنون العراق وينتمون إليه من قديم الزمن ..
خرج كبير المكان القس أو الأب الكبير لاستقبال السيد المحافظ وهو لا يصدق ما يحدث ولا أنا الذي اعرف عمي وقدوتي لخمس سنين اصدق ما يفعل وبعد أن سلم علينا وأنا أرى علامات الحيرة والاستغراب في عيون رجل الدين المسيحي, قدم السيد المحافظ التهاني للقسيس بمناسبة عيدهم فتبددت حيرة رجل الدين المسيحي فقال له السيد المحافظ حضرة الأب أنا محافظ بغداد الجديد ومقري بجانبكم وقد أوصانا رسولنا الكريم محمد عليه وعلى آله وصحبة السلام كما تعرفون بان نرعى حق الجيرة ونعودهم و نزورهم ونشاركهم أفراحهم وأحزانهم وها أنا الآن بينكم وفي بيتكم أقدم لكم التهاني بعيدكم المجيد ولأتعرف على جيراني الذي أوصانا وأوصاكم محمد وعيسى عليهما السلام بحقهم وحقنا في الجيرة ومكتبي مفتوح لكم في أي وقت تحتاجون لمساعدتي وسأكون مسرورا إن شرفتموني بان أقدم لكم الخدمات التي تحتاجونها انتم وأي شخص من طائفتكم التي ترتاد دار عبادتكم .
شكر الأب المسيحي السيد الحافظ بحرارة وفرح غامر ووعده برد الزيارة واخبره بأنه طيلة وجوده في هذه الكنيسة التي لا ترى للعيان لأنها خلف مبنى المحافظة والتي زادت عن 25 عاما لم يزوره أي احد من مبنى المحافظة وقال له سوف ادعو لكم الرب أن يصونكم ويحفظكم ويسدد خطاكم
وأنا أتابع هذا الكلام وأقوم بتصوير هذه اللحظات التاريخية البسيطة بلحظاتها والعظيمة بمعناها ومحتواها وتأثيرها وجدت نفسي تحدثني عن مدى عظمة ورفعة هذا الرجل النبيل الذي يرعى كل العراقيين بكل أطيافهم وقومياتهم وأصولهم لأنهم عراقيون فقط لا ينظر الى الجنس واللون والطائفة او المذهب ويرعى حق الجيرة فكم يحمل من أخلاق آل بيت النبوة عليهم سلام الله وصلواته..
جلسنا هناك وقدم القس نبذة تاريخية عن المكان وودعنا رجل الدين ولم يتركنا إلى أن وصلنا إلى مبنى المحافظة فسلم علينا فردا فردا وركبنا السيارة الوحيدة التي يستقلها المحافظ متوجهين إلى بيته فقلت له في الطريق كم أنت كبير بتواضعك وكم تملك قلبا يتسع للعراق كلهفقال لي ابني علي العراقيين كلهم أهلي وأخوتي وبرغم حبي لكربلاء واهلها وحبهم لي إلا إن للمسيحيين محبة أخرى في قلبي فهم عراقيون حد النخاع ومتسامحون حتى مع من يؤذيهم ويتمتعون بالأمانة والصدق في عملهم وتعاملهم مع الناس واملك الكثير من الأصدقاء منهم من ضباط وجنود وأطباء مشهورين وأناس بسطاء فانا اكن لهم كل الحب والتقدير والاكثر من هذا فهم يعتزون بعراقيتهم وانتمائهم للعراق..
وصلنا إلى منزل المحافظ ونادي على احد أبنائه قائلا ( حضرولنا غداكم نفسه ما عندنه احد غريب علي أخوكم ومن أهل البيت ولا تستحون منه ) تناولنا طعام الغداء سوية وحدثته عن كربلاء وأخبارها وكيف ان بعد مغادرته جاء عمال البلدية لإزالة موقع حجز الأساس لجدارية كربلاء الذي وضعه قبل مغادرته  حتى وصولها من خارج القطر  فتوقع اصحاب محلات وكسبة باب بغداد انهم يقومون بازالة اسمه فتجمعوا حولهم واذاقوهم من الضرب والشتم حتى سالت دمائهم وجاءت الشرطة وأخذتهم جميعا ومن ثم اطلق سراحهم مدير الشرطة بعد معرفته للسبب ضحك من كل قلبه(  وقال رغم حزني على ماجرى لعمال البلدية الا ان  العلاقة التي ربطتني بكم هي اغلى ما املك في هذه الدنيا فالكل راحل ودوام الحال من المحال ولا تبقى الا الاعمال الطيبة والذكر الطيب بين الناس وهذا هو مكسبي من كل الحياة ) انهينا الغداء وأمر أحد السوّاق أن يوصلني إلى كراج العلاوي و وأوصلني إلى باب السيارة مودعا وقفلت عائدا الى كربلاء .
فكم كان الرجل كريما وعطوفا ومحبا للعراق وأهله بكل أطيافه وقومياته..اللهم احفظ العراق بعربه وكرده وشيعته وسنته الوطنيين..اللهم أحفظ العراقيين من الطائفة المسيحية وأبقهم جزءًَ من العراق متمسكين بوطنيتهم وان لا يسمعوا نداء الفتن كما كانوا دائما ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب