هناك حكمة تقول: (الدراسة بإمكانها أن تجعلك تقرأ وتكتب، لكنها لا تعلمك كيف تتصرف، فكلنا بشر والقليل منا أنسان، ثم لا يحزنك وجود الجهلاء من حولك، فلولاهم لما عرفت العقلاء)، والحقيقة أن ما أشارت إليه المرجعية الدينية العليا، في خطبتها ليوم الجمعة (25/ذو القعدة/1438)، الموافق (18/8/2017) يقع في هذا الإطار، فالكلام كان موجهاً لكل مَنْ في المجتمع بكافة مستوياتهم الإجتماعية، بسؤالها المؤلم: ما الذي أوصلنا لهذا الحال؟ لماذا لا نتعامل بإحترام وإنسانية لنخدم بعضنا البعض؟
عندما تركز المرجعية الدينية على موضوعة خدمة الناس، وتشرح أبعاد ومردودات هذه الخدمة على المجتمع بأكمله، وتوضح حجم المخاطر والمهالك التي تعرض لها شعبنا طيلة الحقبة الماضية، فهي لا تريد بذلك أن تشيع كلمات الإحباط، في نفوس الناس من المصلحين والحكماء، وإنما تريد (الفهم الجيد للأمور)، قبل الإستعجال والحكم على المواقف، فتؤكد على أننا أذا إذا أردنا أن نفهم جيداً حجم المشكلة، علينا أن نستمع للناس جيداً وهم مفاتيح الحل، فخير الناس مَنْ نفع الناس.
كم مرة على المرجعية الرشيدة أن تكرر، وتناشد، وتطالب الإنسان كل من موقعه في الدولة، أن يكون مخلصاً لله أولاً في عمله، وليس بمجرد إعتلائه منصباً ما فإنه يفكر (بمخ لص سارق)، لا يعرف قلبه الرحمة، التي هي أعظم نعمة وهبها الباريء عز وجل له، ثم أن أي خسارة تكسب فيها نفسك إياكَ، أن تسميها خسارة كما يقال، إذا كانت معناها التفاني، والنزاهة، والإخلاص في تقديم الخدمات، وقضاء حوائج الناس، فهذه تجارة لن تبور.
الضياع الحقيقي هو أن تكون خارج حدود الإستقامة، بعيداً عن الخالق، لاتميز بين حق وباطل، وطيب وخبيث، وهذا لايقع فيه الساسة فقط، لأن ما وصلت إليه الأمور في بلدنا، لايتحملونه وحدهم بل نحن سبب في ذلك أيضاً، فكل منا مطالب بترجمة رغبته في خدمة الناس، الى تصميم، وخطة، وعمل، وهو ما يفعله الحكماء في الحياة، ليكونوا على قدر من التأثير، فالتجارب والخبرات التي نكتسبها، تسند الآف العقول والأمم لتنهض بطريقها، فكيف بالعراق وهو أس الحضارات.
هناك فرق كبير بين مفردة (مخلص) و(مخ لص)، فشتان ما بين الثريا والثرى، فالأولى تعني أن الحياة المليئة بالتفاؤل، والإصرار، والثقة بالرب والتوكل عليه، كلمات تعلمك الإنسانية والعمل بضمير، لأنها مصدر التوفيق، والبركة، والرضا، أما الأخرى فالإنسان وحده مَنْ يقرر العمل بها، سعياً وراء السحت الحرام والجاه الزائف، وهذه هي خطوات الفشل الأولى، والإستسلام لطريق الشيطان، وعندما ترضى بالحياة الثانية، فإنك تلميذ غبي في الحياة، فالشخصية الإيجابية الحكيمة، دائماً ما يكون شعارها خدمة الوطن والمواطن.