19 ديسمبر، 2024 4:19 ص

الفرق بين النقد و الاستهداف

الفرق بين النقد و الاستهداف

للأسف الشديد اختلط الأمرُ كثيرا بين النقد الصحيح المبني على الحقائق والمعزز بالأدلة والاستهداف المراد منه تسقيط الأشخاص أو الجماعات . وكثرت الأقلامُ والأفواهُ التي لا تحترمُ قدسية الكتابة أو التحدث ، وأصبحَ من السهل لها أن تنال من الآخرين كذباً وزوراً . فالنقدُ بحدّ ذاته أمرٌ مقبولٌ ومتاحٌ للجميع طالما أنه يصبّ في مصلحة تشخيص الأخطاء وتقوميها وكشف المستور للرأي العام على أن يكون نقداُ موضوعياً وفقَ أسس أخلاقية ومُدعماً بحقائق واقعية لا نسجاً من الخيال أو انطلاقاً من الظن المقصود أو غير المقصود . ومن يتصور أن حريّة التعبير تمنحهُ حق التهجم على الآخرين دون وجهة حق فهوَ يطعنُ بشرف الحرية ذاتها ويتجاوزُ على قواعدها وأصولها . فالحريّة تعطي أفراد المجتمع فضاءات واسعة جميلة لبيان آرائهم وأفكارهم ، والتعبير الصادق عن مشاكلهم ومعاناتهم ، ولكنها لا تعطي أدنى قدرٍ من الحق لأي شخصٍ – مهما كان – لاستهداف الآخرين استهدافا غيرَ أخلاقي من أجل تشويه صورهم وأفعالهم أمام الرأي العام . كما أن الاستهداف الفوضوي يكشف بالدرجة الأولى عن المعدن الرديء للكاتب أو المتحدث وعن ضحالة أخلاقهِ وعن خيانته للأمانة . فالكلمة الصادقة أمانة ثقيلة جدا ، وليس من الممكن التفريط بها من أجل غايات أو مآرب أخرى ، وهي ليست سلعة تجارية يريدُ بها البعضُ الحصولَ على مكاسب ومنافع . ومن يحاولُ توظيفها بهذا الاتجاه فقد أساءَ لها الاساءة الكبرى وانتهكَ قدسيتها . وساحة الرأي والرأي الآخر يجبُ ألا تكون مفتوحة لكل من هبّ ودبّ لتفريغ ما لديه من سموم وأحقاد ، وألا تكون محطة من محطات النفاق والدجل . ولوْ أصبحت هكذا ستتحول الى غابةٍ يسعى فيها البعضُ لأكل البعض الآخر . وعلى ضوء ما تقدم نرى – وللأسف الشديد – انتشار ظاهرة الاستهداف البعيد كلّ البعد عن النقد الصحيح البناء في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وفي القنوات الفضائية ، ويستطيعُ القارئ أو السامعُ المنصفُ الواعي أن يلاحظ بوضوح حجمَ المهازل والسخرية لهذه الظاهرة القذرة . وعلى الجميع أن يفهموا أن حبلَ الكذب قصيرٌ جداً وأن الافتراءات مهما كان شكلها وثوبها فهي بالأخير لن تصمدَ طويلاً ، بلْ سيأتي اليوم الذي ستفقد فيهِ قيمتها وقيمة صاحبها ، ولن يبقى من القول الاّ الحق وهذا هو منطق الحياة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات