20 ديسمبر، 2024 9:10 ص

الفرق بين الشورى والديمقراطية في الاسلام والغرب

الفرق بين الشورى والديمقراطية في الاسلام والغرب

الشورى، فى الفكر السياسى الإسلامى، هى فلسفة نظام الحكم .. والاجتماع.. والأسرة .. لأنها تعنى إدارة أمر الاجتماع الإنسانى، الخاص والعام، بواسطة الائتمار المشترك والجماعى، الذى هو سبيل الإنسان للمشاركة فى تدبير شئون هذا الاجتماع. فالشورى، أى الائتمارالمشترك، هى السبيل إلى الإمارة، أى القيادة والنظام والسلطة والسلطان.. إمارة الإنسان فى الأسرة .. وفى المجتمع .. وفى الدولة .. أى فى تنظيم المجتمع وحكمه، صغيرا كان المجتمع أو كبيرا.ولما كان التصور الفلسفى الإسلامى لوجود الإنسان فى هذه الحياة، ولوظيفته ومكانته فيها، ولعلاقته بالآخرين ، قائما على حقيقة أن هذا الإنسان مخلوق لله سبحانه وتعالى، ومستخلف عنه فى عمارة الكون، كانت مكانة الإنسان فى العمران هى مكانة الخليفة عن الله .. فهو ليس سيد الكون حتى تكون حريته مطلقة، دون حدود، وشوراه وائتماره وإمارته وسلطته دون ضوابط وأطر.. وفى ذات الوقت فإن خلافته عن الله سبحانه تعنى وتقتضى أن تكون له سلطة وإرادة وحرية وشورى وإمارة تمكنه من النهوض بتكليف العمران لهذا الوجود.. فهو ، لهذا، ليس الكائن المجبر المسير المهمش بإطلاق .

بل إنه فى المكانة الوسط.. ليس سيد الكون .. وليس العبد المجرد من الحرية والارادة والاستقلال والمسئولية .. وإنما هو الخليفة عن سيد الكون، وله فى إطار عقد وعهد الاستخلاف السلطات التى تمكنه من النهوض بمهام هذا الاستخلاف..

وانطلاقا من هذه الفلسفة الاسلامية، فى مكانة الإنسان فى هذا الوجود، يتميز الدين الإسلامى فى “إطار الشورى” .. فبنود عقد وعهد الاستخلاف الإلهى، التى هى قضاء الله الحتمى فى كونه .. وكذلك أحكامه التى جعلها إطارا حاكما لحرية الإنسان وسلطاته .. هى “الوضع الإلهى” الذى تظهر فيه عبودية المخلوق للخالق، وقضاء الله الذى لا شورى فيه ولا خيار ولا اختيار (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) الأحزاب : 36 .

هنا ، وفيما يتعلق بهذا الإطار الحاكم، نحن أمام “سيادة الله.. وحاكميته”. المتمثلة فى قضائه الحتمى، وشريعته الممثلة لبنود عقد وعهد الاستخلاف .. على الخليفة أن يجعلها الإطار الحاكم لحريته وشوراه ، ولسلطته وإمارته، ولحركته أثناء قيامه بالوكالة والاستخلاف.

أما ما عدا ذلك من الشئون ، التى هى مقدورة للقدرة الإنسانية، ولازمة للتنفيذ وتطبيق وتفصيل كليات عقد وعهد وأمانة الاستخلاف .. فإنها موضع وموضوع للشورى البشرية، وموضع وموضوع لسلطان الإنسان وسلطاته .. فهو حر، ومصدر للسلطة وللسلطان، اللذين يقيم دعائمهما بالشورى، فى إطار الحلال والحرام.. إنه الوكيل الحر، الذى يدبر شئون الوكالة بالشورى، شريطة أن لا يتعدى إطار عقد التوكيل!.

هذا عن إطار الشورى فى فكر الإسلام السياسى وفلسفته فى الاجتماع الإنسانى.. إن قضاء الله وأمره. سيادة وحاكمية إلهية.. أما قضاء الناس وأمرهم فهو شورى بينهم، يقيمون بها إمارتهم وسلطتهم فى مختلف دوائر الاجتماع.. من الأسرة.. إلى المؤسسة .. إلى المجتمع .. إلى الدولة”.. إلى الاجتماع الإنسانى ونظامه الدولى!..

ففى مجتمع الأسرة ، يعتمد الإسلام الشورى فلسفة للتراضى المؤسسة عليه المودة والنظام والانتظام ..(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ، لا تضار والدة بولدها ولامولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) البقرة: 233 .

وفى شئون الدولة يوجب الإسلام أن تكون الشورى هى الفلسفة التى تدار وفقا لها أمور الناس (فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين) آل عمران : 159 .

فالعزم ، أى اتخاذ القرار، هو ثمرة للشورى، أى اشتراك الناس فى إنضاج الرأى الذى يتأسس عليه العزم – القرار-.. وهذا هو الذى جعل مفسرى القرآن يقولون، فى تفسيرهم لهذه الآية – “إن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشيرأهل العلم والدين فعزله واجب” وهذا مما لاخلاف فيه..”! فهى من قواعد الشريعة.. ومن عزائم الاحكام، أما أهلها ، فهم كل من هو أهل لها، بحسب موضوعها ، وما يتطلبه الموضوع من خبرات.

وإذا كانت المشاورة هى استخراج الرأى، الذى يتأسس عليه العزم والقرار.. فلقد جعل الإسلام “العصمة” للأمة، فقال الرسول، صلى الله عليه واله وسلم:”إن أمتى لا تجتمع على ضلالة” – وذلك لتطمئن القلوب إلى حكمة وصواب القرار إذا كان مؤسسا على شورى الأمة فى أمورها .. ومن هنا كانت الشورى صفة من صفات المؤمنين! (فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون، والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون) الشورى: 36 – 39

 

ولقد كان الصحابة، فى دولة الإسلام الأولى، التى قادها النبى والرسول، صلى الله عليه واله وسلم، دائمى السؤال عن طبيعة القرار “أهو الوحى؟”- فيكون من وضع الله وقضائه وأمره – “أم الرأى والمشورة”؟- فتكون فيه المراجعة والشورى، التى يتأسس عليها العزم والقرار! فكأنهم يسألون عن “طبيعة الاختصاص فى القرار.. أهى “السيادة والهيمنة” أم “السلطة البشرية”؟؟ وعندما كان ينبئهم الرسول بأنه الوحى” كانوا يلتزمون التزام السمع والطاعة لله ولرسوله”.

أما إذا كان الرأى والمشورة “.. فإن الالتزام يكون بثمرات الشورى، ليس بالنسبة لهم فقط، بل وبالنسبة للرسول صلى الله عليه واله وسلم.. لأنه فى هذه الأمور “مجتهد”لا  “مبلغ”.. وفى ضوء هذه الحقيقة الاسلامية نفهم معنى قوله، صلى الله عليه واله وسلم  :ان شورى الامر نجاح للغاية

فجميع أمور الناس وسائر الدنيا ،التى لم يقض فيها الله، سبحانه وتعالى، قضاء قطعى الدلالة والثبوت، هى شورى بين أهل الشورى.. وفى مقدمة هذه الأموردولة الإسلام والمسلمين.”فالرسول المعصوم فى البلاغ عن الله ، سبحانه وتعالى ، هو فى شئون الدولة حاكم “مجتهد”

– فلسفة الاجتماع الإسلامى .. فى الأسرة .. والمجتمع .. والدولة..

– وإطارها وميدانها ، كل مالم يقض الله فيه قضاء حتم وإلزام للإنسان ، مما ترك له كخليفة عن الله فى عمران هذا الوجود”.

– والأمة فيها وبها هى مصدر السلطة والسلطان فى سياسة الدولة وتنظيم المجتمع وتنمية العمران ..
– وهذه الأمة تختار ممثليها العارفين “بالواقع” و”بالشريعة” معا .. وهم أهل الاختيار ، الذين يختارون رأس الدولة الإسلامية.. وكذلك أهل الحل والعقد- أى أهل الشوكة والرأى- الذين يحفظون اتساق “الواقع” مع “الشريعة” بتطوير “القانون- فقه الفروع” ليواكب الواقع الجديد.. وبتطويع “الواقع” كى لا يخرج عن الحلال والحرام – اللذين هما حاكمية الله- ..أما الديمقراطية Democracy   فهى نظام سياسى – اجتماعى – غربى النشأة.. عرفته الحضارة الغربية فى حقبتها اليونانية.. وطورته نهضتها الحديثة والمعاصرة..، وهو يقيم العلاقة بين افراد المجتمع والدولة وفق مبدأ المساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة فى صنع التشريعات التى تنظم الحياة العامة ، وذلك استنادا إلى المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية.. فالسلطة فى النظام الديمقراطى ، هى للشعب، بواسطة الشعب، لتحقيق سيادة الشعب ومقاصده ومصالحه (انظر موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1981).

أما “النظام النيابى” الذى ينوب فيه نواب منتخبون عن الأمة للقيام بمهام سلطات التشريع، والرقابة والمحاسبة لسلطات التنفيذ.. فهو من “آليات” الديمقراطية، التى توسلت بها تجاربها عندما تعذرت “الديمقراطية المباشرة” التى تمارس فيها الأمة كلها وبشكل مباشر، هذه المهام والسلطات .. توسلت بها إلى تحقيق مقاصد الديمقراطية ..وفى التساؤل حول موقف الإسلام من الديمقراطية.. وهل هو قابل لها بإطلاق؟.. أم رافض لها بإطلاق؟ أم أنه قابل لها مع بعض التحفظات؟ يحسن أن ننبه على أن الاسلام .. فى الأمور الحياتية .. والنظم والآليات التى تحقق مقاصده وفلسفاته – ليس مغلقا ضد كل ماهو “وافد” و”أجنبى”، كما أنه ليس بالذى يقبل أى “وافد” دونما نظر واجتهاد .. وإذا كان الاجتهاد فريضة دينية فى الفكر الاسلامى، فمن باب أولى أن يكون هذا الاجتهاد واردا فى الفكر الديمقراطى؟!..

وإذا كان البعض يضع “الشورى” الاسلامية بديلا للديمقراطية ، فإن النظرة الاسلامية الموضوعية والفاحصة للعلاقة بين الشورى والديمقراطية تنفى تناقضهما بإطلاق .. أو تطابقهما بإطلاق وتزكى التمييز بينهما على النحو الذى يكشف مساحة الاتفاق ومساحة الاختلاف بينهما .

فمن حيث الآليات والسبل والنظم التى تحقق المقاصد والغايات من كل من الديمقراطية والشورى، فإنها تجارب وخبرات إنسانية ليس فيها ثوابت مقدسة.. عرفت التطور فى التجارب الديمقراطية، وتطورها وارد فى تجارب الشورى الإسلامية، وفق الزمان والمكان والملابسات .. والخبرة التى حققتها تجارب الديمقراطية فى تطور الحضارة الغربية ، والتى أفرزت النظام النيابى، والتمثيل عبر الانتخابات هى خبرة غنية وثروة إنسانية، لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إنها تطوير لما عرفته حضارتنا الاسلامية ومبكرا من آليات “البيعة وتجاربها”.

أما الجزئية التى تفترق فيها الشورى الإسلامية عن الديمقراطية الغربية فإنها لاتكاد تعدو الخلاف حول :لمن السيادة فى التشريع ابتداء ؟؟ ..

فالديمقراطية تجعل “السيادة” فى التشريع ابتداء للشعب والأمة.. إما صراحة .. وإما فى صورة ما سماه بعض مفكريها “بالقانون “الطبيعى” ، الذى يمثل بنظرهم أصول الفطرة الانسانية”.

“فالسيادة”، وكذلك “السلطة” فى الديمقراطية هى للإنسان – الأمة والشعب..

أما فى الشورى الاسلامية ، فإن “السيادة” فى التشريع ابتداء ، هى لله، سبحانه وتعالى، تجسدت فى “الشريعة” التى هى “وضع إلهى” وليست إفرازا بشريا ولا طبيعيا.. وما للإنسان فى “التشريع” هى سلطة البناء على هذه الشريعة الإلهية ، والتفصيل لها، والتقنين لأصولها، والتفريع لكلياتها، وكذلك لهذا الإنسان سلطة الاجتهاد فيما لم ينزل به شرع سماوى، شريطة أن تظل “السلطة البشرية” محكومة بإطار الحلال والحرام الشرعى ، أى محكومة بإطار فلسفة الإسلام فى التشريع”.

ولذلك، كان الله، سبحانه وتعالى، فى الرؤية الاسلامية، هو “الشارع” لا الإنسان” وكان الإنسان هو “الفقيه” لا الله، فأصول الشريعة ومبادئها وثوابتها وفلسفتها إلهية، تتمثل فيها حاكمية الله .. والبناء عليها تفصيلا وتنمية وتطويرا وتفريعا واجتهادا للمستجدات ، هو فقه وتقنين تتمثل فيهما سلطات الإنسان، المحكومة بحاكمية الله ..

ذلك ملمح متميز للشورى الإسلامية عن الديمقراطية الغربية ..

ولهذا التميز صلة وثيقة بنظرة كل الحضارتين – الغربية والإسلامية – لحدود تدبير الذات الإلهية .. وحدود تدبير الإنسان .. وللعلاقة بين الإنسان والله..

ففى النظرة اليونانية القديمة – خاصة عند أرسطو (384 – 322 ق.م) نجد أن الله قد خلق العالم ثم تركه يعمل وفق طبائعه وقوانينه ، دون تدخل أو رعاية إلهية دائمة..

وهذه النظرة لحدود التدبير الإلهى وجدناها فى النهضة العلمانية الغربية تعتمد على المبدأ الإنجيلى الذى يجعل مالقيصر لقيصر ومالله لله، فيفصل بين إطار التدبير الإلهى – الذى وقف عند “الخلق” وإطار التدبير الانسانى – الذى أعطاه السيادة فى تدبير العمران الدنيوى ، دونما قيود من الحاكمية الإلهية على هذه السيادة والسلطة البشرية .. ذلك أن الإنسان ، فى هذه النظرة الغربية، هو “سيد الكون”، ومن هنا كانت له “السيادة” فى التشريع ، مع “السلطة” فى التنفيذ..

أما فى النظرة الاسلامية ، فإن الله سبحانه وتعالى له الخلق والأمر ( الأعراف45)  فتدبيره لم يقف، فقط عند”الخلق” ، وإنما له، أيضا “الأمر” المتمثل فى “الشريعة “التى أنزلها لتكون إطاراً ودعا الإنسان إلى الالتزام بإطارها فى هذه الحياة..

ولأن النظرة الإسلامية لمكانة الانسان فى الكون” لاتجعل هذا الانسان” سيدا للكون، وإنما تراه”خليفة” عن “سيد الكون”، فلقد رأت هذا “الخليفة” محكوما، فى أدائه لأمانة الاستخلاف وعمارة الأرض ، ببنود عقد وعهد الاستخلاف التى هى “الشريعة الإلهية”

إنه – الإنسان – فى النظرة الاسلامية – : حر .. قادر.. مريد.. مستطيع.. فى حدود أنه خليفة عن الله القادر بلا حدود؟!

“فالسيادة” فى التشريع ابتداء ، هى للحاكمية الإلهية المتمثلة فى “الشريعة السماوية”، وللانسان فى “التشريع” سلطة الفقه والتقنين ، شريطة أن لا يخرج عن حدود الشريعة أو روحها وفلسفتها..

تلك هى، على وجه الحصر والتحديد، الجزئية التى تتمايز فيها الشورى الاسلامية عن الديمقراطية الغربية .. أما ماعدا ذلك من تأسيس الحكم والسلطة على رضا الأمة ورأى الجمهور واتجاه الرأى العام، وجعل السلطة فى اختيار الحكام ، وفى مراقبتهم ومحاسبتهم، وفى عزلهم هى للأمة، وكذلك اختيار الآليات والسبل النيابية لتكوين المؤسسات الممثلة لسلطات التقنين .. والتنفيذ والرقابة والقضاء .. فإنها ، على وجه الإجمال ، مساحة اتفاق بين الديمقراطية الغربية والشورى الإسلامية .

وكذلك الحال مع مبدأ الفصل بين السلطات – سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء- وهو المبدأ الذى تعارفت عليه الديمقراطية الغربية .. فإنه مما تقبله الشورى الإسلامية .. بل ربما ذهبت فيه تجربة الحضارة الإسلامية أبعد مما ذهبت التجارب الغربية .. فمن الممكن – فى الرؤية الإسلامية – تمييز سلطة الاجتهاد والتقنين عن سلطة : أهل الحل والعقد – الذين يختارون السلطة التنفيذية ويراقبونها ويحاسبونها .. وفى ذلك ما يجعل سيادة القانون فوق سلطة الدولة حقيقة وفعلا .. لا كما هو الحال، فى التجربة الديمقراطية ، التى آلت فيها سلطة التشريع للبرلمان المكون من أغلبية الحزب الحاكم ، والذى هو خاضع للسلطة التنفيذية .. “فالهيئة البرلمانية” لحزب الأغلبية منحازة للسلطة التنفيذية الى الحد الذى جعل سيادتها عليها اسمية إلى حد كبير .. أما استقلال سلطة خاصة بالاجتهاد والتقنين، مع التزامها بحاكمية الشريعة الإلهية ، فهو الأقرب إلى مبدأ الفصل الحقيقى بين السلطات ، والأكثر تحقيقا لسيادة القانون على بقية السلطات .

وهكذا رأينا انتفاء القضاء .. وانتفاء التطابق بين كل من الشورى الاسلامية والديمقراطية الغربية .. ورأينا كيف يتفقان فى مساحات واسعة، خاصة فى الآليات والسبل والمؤسسات .. مع التمايز فى قضية “السيادة فى التشريع الابتدائى” التى جعلتها الديمقراطية الغربية للإنسان .. صراحة .. أو تحت اسم “القانون الطبيعى” .. على حين جعلتها الشورى الإسلامية لله سبحانه وتعالى ، مع عدم حرمان الإنسان من حق التشريع والتقنين فى إطار حدود الشريعة الإلهية وروحها وكيانها .

إن الشورى – فى حقيقتها – هى اسم من “المشاورة” والمشاورة : هى استخراج الرأى .. فهى – فى حد ذاتها أدخل فى “الآليات” .. آليات استخراج الرأى.. وهى بهذا الاعتبار لا يمكن أن تكون نقيضا للآليات الديمقراطية. أما التمايز بينهما فإنه يأتى فى الموضوع الذى يعمل فيه هذه الآليات، وفى نطاق عمل هذه الآليات .. فعلى حين لا تعرف الديمقراطية حدودا إلهية لسلطات عمل وإعمال آلياتها .. تميز الشورى الإسلامية بين نطاقين من “الأمر” أمر هو لله.. أى تدبيره الذى اختص به سبحانه (ألا له الخلق والأمر) و”أمر” أى تدبير هو فى مقدور الإنسان، وفيه تكون شوراه (وأمرهم شورى بينهم) الشورى : 38 . (وشاورهم فى الأمر) آل عمران : 159 . وبحكم خلافة الإنسان عن الله، سبحانه وتعالى، فإن “أمره” .. وتدبيره”.. حاكميته الإنسانية – محكوم بإطار”أمر الله .. وتدبيره” التى هى حاكمية الله وحدود شريعته الإلهية..

ففى المرجعية .. وفى الفلسفة .. وفى الحدود يرد التمايز بين الشورى والديمقراطية ..”وليس فى الآليات .. كما يرد التمايز في بعض المقاصد والغايات .. فالديمقراطية كفكر وضعى وفلسفة دنيوية – لا تمد بصرها إلى ماهو أبعد من صلاح دنيا الانسان ، بالمقاييس الدنيوية لهذا الصلاح .. على حين نجد الشورى  كفريضة إلهية تربط بين صلاح الدنيا وسعادة الآخرة، فتعطى الصلاح الدنيوى بعداد دينيا يتمثل فى المعيار الدينى لهذا الصلاح.

تلك هى أبرز وجوه الأشباه والنظائر .. وأهم الفروق بين الشورى الاسلامية والديمقراطية الغربية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات