الفرق بين استفادة المدعي من القانون وبين تطبيق القانون على المدعي رغماً عنه

الفرق بين استفادة المدعي من القانون وبين تطبيق القانون على المدعي رغماً عنه

قراءة في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 36/اتحادية/2025 في 9/4/2025

1. أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها العدد 36/اتحادية/2025 في 9/4/2025 والذي قضت فيه برد دعوى المدعي الذي طعن بعدم دستورية القانون رقم 2 لسنة 2025 قانون تعديل قانون العفو رقم 27 لسنة 2016، وكان الرد شكلاً، حيث استندت في بناء عقيدتها على احكام الفقرة (ثالثاً) من المادة (20) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2022 التي جاء فيها منح الحق لاي من الاشخاص الطبيعية أو المعنوية الخاصة أو منظمات المجتمع المدني المعترف بها قانوناً، بإقامة الدعوى المباشرة أمام المحكمة الاتحادية العليا، للبت بدستورية نص في القانون أو نظام، عن توفر الشروط عدة منها(ثالثاً: أن لا يكون المدعي قد استفاد من النص المطعون فيه كلاً أو جزءاً)، حيث اعتبرت ان المدعي في الدعوى محل القراءة قد استفاد من قانون العفو المطعون بعدم دستوريته، ومن ثم لا يجوز له الطعن به، بسبب استفادته من هذا القانون،
2. لوحظ ان المدعي قد ذكر بان قانون تعديل قانون العفو طبق عليه قسراً ودون رغبتهم، لانهم أصلا أبرياء من أي اتهام موجه لهم، ولا يرغبون بشمولهم بالعفو، وانما السير في التحقيق والمحاكمة من اجل اعلان البراءة او الافراج عدم كفاية الادلة،  

لكن المحكمة الاتحادية العليا لم تلتفت الى هذا الدفع، وانما اعتبرت شمولهم بالقانون حتى لو كان رغماً عنهم ودون تقديم طلب منهما، بمثابة الاستفادة من القانون، ومن ثم لا يجوز لهم الطعن به استناداً لأحكام المادة (20/ثالثاً) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا،

3. يلاحظ ان الفقرة (ثانياً) من المادة (20) من النظام الداخلي اشارت الى ان من شروط دعوى الطعن بعدم الدستورية التي يجب ان تتوفر في الطاعن ان يطبق عليه القانون، وعلى وفق النص الاتي (ثانياً: أن يكون النص المطعون فيه قد طبق على المدعي فعلاً)
4. ومن خلال تلك النصوص، ينهض سؤال وهو كيفية التوفيق بين مفهوم التطبيق وومفهوم الاستفادة، لان القانون لو لم يطبق على المدعي، لردت الدعوى شكلاًلتخلف هذا الشرط، واذا طبق عليه أيضا ردت دعواه لأنه قد استفاد من القانون عند تطبيقه عليه؟ ومن الجدير بالذكر في دعوى أخرى أقامها احد النواب بالعدد (31/اتحادية/2025)  للطعن بذات القانون محل البحث قضت المحكمة ذاتها برد الدعوى لان القانون لم يطبق على المدعي، واستندت الى احكام الفقرة (ثانياً) من المادة (20) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا،
5. وللوقوف على معنى تطبيق القانون ومعنى الاستفادة من القانون، لان معنى تطبيق القانون على المدعي يكون سبباً لقبول الدعوى بينما ان يكون المدعي قد استفاد من القانون يكون سبباً لرد الدعوى، لذلك سأعرض لهذين المفهومين على وفق الاتي:
ا. معنى مفهوم (تطبيق القانون): مثلما تم عرضه فان الفقرة (ثانياً) من المادة (20) من النظام الداخلي جعلت من تطبيق القانون محل الطعن على المدعي شرط أساسي لقبول الدعوى، وحيث ان عبارة تطبيق لها معنى اصطلاحي وهو (تطبيق القانون يعني ممارسة القانون بإخضاع كل حالة من الحالات لنص قانوني عام)،

كما يعني إخضاع سلوك الفرد وأفعاله لأحكام القانون وإلزامه بها، ويفرض على الأفراد واجبات أو مسؤوليات قانونية أو منعه من القيام بأفعال معينة، أو محاسبته على انتهاك القانون، ومن اهم سمات تطبيق القانون هو انعدام الإرادة في الاختيار او الالتزام الطوعي، وانما يجبر الشخص على القيام بالعم لاذي ورد بموجبه نص القانون، وفي القانون يكون تطبيق القانون باجبار الشخص على تنفيذ حكم النص القانوني، ولا يملك أي خيار في ذلك، دون اعتبار لرغبة الشخص، فإن القوانين تسري عليه طالما أنه يقع ضمن نطاق تطبيقها المكاني والشخصي ومن حيث الزمان،

ب. اما معنى مفهوم (الاستفادة من القانون) فان معاجم اللغة العربية تشير الى انها تعني الانتفاع، بمعنى ان الشخص الذي يستفاد من القانون هو الذي يحصل على منافع ومكاسب له وليس الحصول على ضرر يصيبه، بما يعني ان الشخص يكون له الخيار الطوعي بالحصول على تلك الفائدة ولا يرغم عليها او يتم اجباره، ومن اهم سمات الاستفادة هو الاختيار الطوعي، بمعنى الشخص هو من يسعى ويطلب المنفعة من الحقوق التي اقرها القانون،
ج. وعند الرجوع الى موضوع القراءة، نجد ان المدعي قد طبق عليه القانون ولم تتحقق له الاستفادة، حيث ان شموله بقانون العفو كان رغماً عنه وهو الذي يقابل شرط تطبيق القانون الوارد في المادة (20/ثانياً) من النظام الداخلي، ولو لم يطبق عليه هذا القانون لما كان للمدعي الحق في إقامة تلك الدعوى، الا ان المدعي لم يستفد من القانون، لأنه لم يختار التطبيق وطلب الشمول بأحكامه، وبذلك فقد شرط الاختيار الطوعي، والذي ينفي وجود المنفعة للمدعي من تطبيق القانون عليه،

فضلا عن وجود الضرر الذي لحقه من الشمول بالقانون، لانه سوف يرتب عليه اثر يتعلق بسلوكه عند الترشح للانتخابات او تسنم المناصب العليا، حيث يبقى قيده الجنائي مسجلا فيه الاتهام ولم يصدر بحقه حكم قضائي بالافراج او البراءة، وهذا ضرر كبير بالنسبة للمدعي، وهو ما يتنافى ومفهوم الاستفادة.

6. ومن الملاحظ وجود اكثر من طعن تقدم به عدة اشخاص وبعناوين سياسية وشخصية، الا ان المحكمة الموقرة في كل مرة تبحث عن سبب لرد الدعوى شكلا ، ولم تتطرق الى دستورية النص، وهذا يجعل من الباب مفتوحاً للطعن، كما يجعل من النص دستورياً لا شائبة عليه لان الأصل هو قرينة الدستورية للنصوص القانونية التي لم يصدر حكم باعتبارها غير دستورية او بعدم دستوريتها،
7. وحيث ان من اهم مهام القضاء الدستوري هو حراسة المبادئ الدستورية وحمايتها من الخرق والانحراف، كان لابد للمحكمة الموقرة ان تفعل حقها في التصدي للنص المطعون فيه من تلقاء نفسها، لان بقاء النص والشكوك تحوم حول دستوريته سوف يجعل من المراكز القانونية قلقة سواء للأشخاص او المجتمع، وهي التي وضعت لنفسها حق التصدي من تلقاء نفسها بموجب المادة (46) من النظام الداخلي التي جاء فيها (للمحكمة عند النظر في الطعن بعدم دستورية نص تشريعي ان تتصدى لعدم دستورية اي نص تشريعي آخر يتعلق في النص المطعون فيه.)

وقد عملت بهذا الحق في أكثر من مناسبة ومنها قرارها العدد 213/اتحادية/2021 في 9/2/2022 الذي قضت فيه برد دعوى المدعي شكلاً، الا انها تصدت للحكم بعدم دستورية مادة أخرى غير التي كانت محلا للطعن، واستندت الى حقها الواردة في المادة (46) من النظام الداخلي في التصدي للنص الذي يكون مخالفاً للدستور،

لذلك قد يثور التساؤل عن سبب امتناع المحكمة المحترمة من التصدي للنظر في القانون موضوعاً طالما ردته شكلا من اجل استقرار المراكز القانونية، فضلا عن كونه من التشريعات التي تمنح الفاسدين ومرتكبي الجرائم على المال العام من العقوبة، ويبقى السؤال قائم، لحين النظر في دستورية القانون محل الطعن في دعوى قادمة او في دعاوى ما زالت قائمة، ونأمل ان تحسم الجدال حول الدستورية وتنظر في الطعون موضوعاً.

قاضٍ متقاعد

أحدث المقالات

أحدث المقالات