18 ديسمبر، 2024 7:55 م

الفرصة الأخيرة للعقول النيرة

الفرصة الأخيرة للعقول النيرة

مع انطلاق تظاهرات الحركة الشعبية التشرينية في بغداد ومحافظات عدة نقف على اعتاب حقائق واقعية حيث نرى ضرورة للوقوف عندها بهدف تفادي الوقوع في المحضور او التقليل منه على اقل تقدير ، فالخط العام هو المصلحة الوطنية العليا والسلم الأهلي مع حفظ الحقوق الدستورية للمواطنين كافة في التعبير عن توجهاتهم وتطلعاتهم وفق الأطر القانونية المنصوص عليها .

ان الحقائق الواقعية التي اشرنا اليها تتعلق بعضها بالجوانب الحقوقية للعراقيين والأخرى بالاطر القانونية للدولة ، فأما الأولى فنحن نرى ان التعبير عن إرادة الناس عبر التظاهر حق طبيعي للشعب او فئات منه والأسباب لذلك كثيرة لا نرغب بسردها الا انها وحسب رؤانا واضحة ومبررة بما يكفي ، اما الحقيقة الواقعية الأخرى فيمثلها الجانب الاخر من الحدث الآني الا وهو السلطات وكيفية تعاملها مع الظرف الراهن فالحفاظ على الامن من واجبات الدولة بأجهزتها التنفيذية سواء الاستخبارية او الأمنية او العسكرية ومن بعد ذلك الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى وكيفية تعاملها مع الاحداث غير ان هذا الواجب الوطني يأتي ضمن معايير وأطر منطقية وقانونية تحفظ للدولة هيبتها من جهة وتحفظ للمواطنين كرامتهم من جهة أخرى وبنفس الرتم والمستوى فقيمة الدولة من قيمة شعبها فلا قيمة لدولة يهان فيها الشعب ولا قيمة لشعب تهان في بلاده دولته ففي الوقت الذي نطالب فيه المواطنين بالحفاظ على مؤسسات الدولة وحمايتها وعدم التعدي عليها ، على الدولة ان تحمي مواطنيها وتكف عن الاعتداء عليهم والا فإنها ستتحول من راعية وخادمة للشعب وكما هو الحال في البلدان الديموقراطية التي ندعي اننا جزء منها ستتحول الى دولة قمعية شمولية مستبدة ، أي بمعنى ان خلق التوازن في التعامل مع الحدث ضروري لتجاوز هذا الظرف ويكون التوازن المشار اليه من خلال الالتزام بالقانون من كلا الطرفين وعدم تفسير القانون والتشريعات والنصوص الدستورية بما ينسجم مع مصلحة هذا الطرف او ذاك .

ووفقا لما تقدم من الإيضاحات فأن العراق يمر خلال هذه المرحلة العصيبة والمحورية من تاريخه بمفترق طرق قد يضعه على احد الطريقين الأول طريق الهلاك لا سمح الله والآخر طريق النجاة ، فأما الأول يتمثل بعدم السيطرة على القرارات المتخذة من قبل الطرفين المختلفين والتهور في اتخاذها بما يخلق حالة من الصدام بينهما تؤدي بما لا يقبل الشك الى دمار البلاد والعباد ، بينما الثاني هو طريق النجاة فنحن نرى انه لا يؤدي بالنتيجة الى صفة الغالب والمغلوب في حال تغليب لغة العقل للمتخاصمين معا او احدهما ، حيث ان ابهى واعلى درجات نكران الذات تتمثل بتفهم الأخ الذي يشاركنا وطننا وعرقنا وديننا بل وحتى مذهبنا الديني ، إذن فالحاجة الان فقط للحكمة وعدم تخوين الاخر فإنها اذا ما غُلبت سنرى حتما كل الأمور يمكن للجميع تجاوزها فالاهداف مشتركة لكن سبيل الوصول لها مختلف ففريق يرى ضرورة في التغيير الكلي لفشل القائمين على تسيير أمور الدولة بمهامهم ، اما الفريق الاخر فأنه يرى ان السبل غير الثورية المتمثلة بالمؤسساتية الدستورية كفيلة بالوصول الى الهدف ذاته ، وبالتالي فأن الاختلاف على الأطر يمكن تجاوزه فالمشكلة الحقيقية حينما تكون حول الهدف ، فما دمنا نشترك في النوايا فيمكن لنا التوصل لصيغة توحدنا لتجنب ما لا يحمد عقباه .. ومن الله التوفيق ..