23 ديسمبر، 2024 10:32 ص

الفرز و العد اليدوي الشعبي على غرار الإنتخابات الألمانية يضمن نزاهة الإنتخابات القادمة و ليس الأجهزة الألكترونية و لا الدوائر المتعددة

الفرز و العد اليدوي الشعبي على غرار الإنتخابات الألمانية يضمن نزاهة الإنتخابات القادمة و ليس الأجهزة الألكترونية و لا الدوائر المتعددة

نصت المادة 38 من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013 الذي كان معمولا ً به في إنتخابات مجلس نواب 2014: “تجري عملية الفرز و عد الأصوات و إنجاز الإستمارات الخاصة بها فور إنتهاء عملية الإقتراع في كل محطة من محطات الإقتراع و يزود ممثلي الكيانات السياسية بنسخة ورقية منها بعد مصادقتها من مدير المحطة الإنتخابية، و تعلق الإستمارة في مكان مخصص للإعلام في كل محطة إنتخابية و تقوم المفوضية بفتح مراكز فرز و عد فرعية لغرض إعادة العد و الفرز لجميع المحطات و مراكز الإقتراع و يزود ممثلي الكيانات السياسية بنسخ ورقية من نتائج العد و الفرز” و بناء ً على هذا النص القانوني فكل كيان سياسي يستطيع ضمان الأصوات الإنتخابية التي حصل عليها بشرط أن يجند ممثلين عنه في كل محطة إقتراع و مركز فرز و عد فرعي للحصول على نسخ ورقية من الإستمارات الخاصة بفرز و عد الأصوات لمحطات الإقتراع و لمراكز الفرز و العد الفرعية، أما الكيانات السياسية التي لا تستطيع تجنيد ممثلين عنها فليس لها عذر الإدعاء بتزوير الإنتخابات فالقانون أجاز لها طريقة لضمان الأصوات التي تحصل عليها و لكنها لم تفعل (بسبب عدم توفر الأموال لديها لتجنيد ممثلين عنها و عدم إستعداد الناس للتطوع للقيام بهذه المهمة).
قبيل إنتخابات مجلس نواب 2018 توجست الكيانات السياسية المتنفذة خسارتها بعض من مقاعد مجلس النواب لصالح الكيانات الناشئة، و لذلك لجأت إلى طريقة جديدة لضمان الإستمرار في هيمنتها على مجلس النواب، و كان السبيل إلى ذلك هو إلغاء الفرز و العد اليدوي و جعل الفرز و العد ألكتروني ليكون بعيدا ً عن أعين ممثلي الكيانات السياسية المناوئة لها. و لإنجاز ذلك تم إلغاء نص المادة 38 من قانون الإنتخابات أعلاه و تشريع نص جديد بدلا ً عنه بموجب قانون رقم 2 لسنة 2018 التعديل الثاني لقانون إنتخابات مجلس النواب “تجري عملية الفرز و العد باستخدام جهاز تسريع النتائج الألكتروني و يتم تزويد وكلاء الأحزاب السياسية بنسخة ألكترونية من إستمارات النتائج و أوراق الإقتراع في كل محطة من محطات الإقتراع”. و بهذا القانون لم يعد بإمكان وكلاء الكيانات السياسية حتى رؤية أوراق الإقتراع و ليس مراقبة فرزها و عدها يدويا ً، أما ما يسمى بالنسخة الألكترونية من إستمارات النتائج و أوراق الإقتراع التي يزود بها وكلاء الكيانات السياسية فهذه يمكن التحكم بمحتوياتها من قبل مبرمجي أجهزة الفرز و العد عبر الإنترنت و حتى من خارج العراق.
و لزيادة ضمان نجاح التحكم بنتائج الإنتخابات كان من الضروري إبعاد المناوئين عن المشاركة في الإنتخابات، و لذلك تم إطلاق حملة لمقاطعة الإنتخابات بحجج يقتنع بها هؤلاء المناوئون، و بالفعل أتت الحملة أُكُلَهَا حيث قاطع الإنتخابات غالبية الشعب العراقي بنسبة 80% و هي نسبة كبيرة جداً، و لو شارك هؤلاء المناوئون باختيار كيانات جديدة لانقلبت الطاولة على المهيمنين الذين يناوئونهم.
إستعداداً للإنتخابات القادمة و لضمان الإبقاء على إستخدام الأجهزة الألكترونية (جهاز تسريع النتائج الألكتروني) من أجل ضمان نجاح التحكم بنتائج الإنتخابات على غرار إنتخابات 2018، و لغرض التعمية على أهمية الفرز و العد اليدوي الشعبي الضروري لنزاهة الإنتخابات أثيرت فرقعة جديدة و هي أن الإنتخابات بالدوائر المتعددة (نائب لكل دائرة) تضمن نزاهة الإنتخابات، و أخذ الترويج لهذه البدعة بشكل واسع بحيث غطى على أساس ضمان نزاهة الإنتخابات الذي هو الفرز و العد اليدوي الشعبي للأصوات الإنتخابية.
لا توجد صلة لا من قريب و لا من بعيد بين ضمان نزاهة الإنتخابات بإستخدام الفرز و العد اليدوي الشعبي الذي يضمن عدد الأصوات التي يحصل عليها كل كيان سياسي و بين الإنتخابات بالدوائر المتعددة الذي هو شكل من أشكال التمثيل البرلماني، إلاّ أن الجميع أصبح يردد و بات مقتنعاً بأن نزاهة الإنتخابات تكمن بإنتخابات الدوائر المتعددة، و بذلك ضمنت الكيانات السياسية المهيمنة على المفوضية المستقلة للإنتخابات فوزها في الإنتخابات القادمة باستخدام الأجهزة الألكترونية (جهاز تسريع النتائج الألكتروني) مثلما ضمنته في إنتخابات 2018.
في ألمانيا و حسب قانونها الإنتخابي فإن الانتخابات تجري حصراً بواسطة الإستمارات الورقية و يحق لكل ألماني (مؤهل للتصويت) التطوع للعمل كمساعد في المراكز الإنتخابية و المشاركة في فرز و عد الأصوات الإنتخابية و كذلك يمكن للألماني أن يدلي بصوته الإنتخابي عبر البريد و هو جالس في منزله. و لكل ناخب ألماني صوتان، بواسطة الصوت الأول ينتخب المرشح المباشر لدائرته، و بواسطة الصوت الثاني ينتخب القائمة الانتخابية لحزب معين على مستوى الولاية.
من المعروف أن ألمانيا (من الدول الصناعية الثمانية التي تتزعم العالم) متمكنة تكنولوجياً و إقتصادياً و تستطيع صنع نظام ألكتروني متكامل على مستوى ألمانيا لإجراء الإنتخابات ألكترونياً عبر الإنترنت إبتداءً من التصويت و لغاية فرز و عد الأصوات و إعلان النتائج النهائية. و لكن الشعب الألماني يرفض ذلك لأنه على يقين بأن هذا النظام يشكل أرض خصبة لتسلل الفاسدين إلى هذا النظام من خلف الكواليس و بالتالي الإستحواذ على مقاعد مجلس النواب الإتحادي الألماني (البوندستاغ)، و لذلك لغرض نزاهة الإنتخابات فإن الإنتخابات في ألمانيا تتم بواسطة الإستمارات الورقية و تحسب الأصوات الإنتخابية بواسطة الفرز و العد اليدوي الذي يقوم به متطوعون ألمان في المراكز الإنتخابية حال إنتهاء وقت التصويت.
بلغت نسبة مشاركة الألمان في إنتخابات 2017 البرلمانية الإتحادية حوالي 76% من المؤهلين في الانتخابات، و كان بإمكان هؤلاء أن يشاركوا في الإنتخابات بواسطة البريد من منازلهم بدون عناء الذهاب إلى مراكز الإقتراع و الوقوف في طوابير الإنتظار أمام مراكز الإقتراع، و لكن نسبة الذين شاركوا في الإنتخابات بواسطة البريد بلغ 30% أما الباقي الذين تبلغ نسبتهم 46% تجشموا العناء و ذهبوا إلى مراكز الإقتراع ليدلوا بأصواتهم ليتأكدوا من جدية و نزاهة الإجراءات الإنتخابية و العاملين في المراكز الإنتخابية لأنهم حريصون على حياتهم و لن يسمحوا للفساد أن يدب في دولتهم و بالتالي تصبح حياتهم جحيماً مثل جحيم حياة شعب العراق.