8 أبريل، 2024 4:19 ص
Search
Close this search box.

الفراغ هو الأصل ( Vacuum is the parent )

Facebook
Twitter
LinkedIn

يوصف الرجل السطحي الذي لا يمتلك عمقا معرفيا بأنه إنسان ( فارغ ) وتوصف البلدان الفاشلة التي تأكل أكثر مما تنتج و لا تمتلك إنجازا حضاريا مؤثرا بأنها بلدان ( فارغة ) ، وتُنعت العقيدة المليئة بالخرافات والأهواء بأنها عقيدة ( فارغة ) .. ما هذا ؟ هل الفراغ سيء إلى هذا الحد لكي توصف به جميع الأشياء السخيفة ؟
ما هو الفراغ ؟ نحن جميعا نعتقد سهولة الإجابة إذا سئلنا عنه وسنهتف دون تردد : الفراغ هو اللاشيء !  طيب ، ربما لا يكون الأمر كذلك ، إذن لا بأس بالقليل من الفلسفة مع أني على يقين إننا بحاجة إلى الكثير منها بعد أن أصبح عالمنا اليومي مسطحا حدّ التفاهة و مكونا من بعدين وفاقدا لأبعاده العميقة الأخرى !
ذات يوم كنت أنظر إلى قدح مملوء بالماء ، قلت في نفسي ماذا لو لم يكن القدح فارغا ، هل كان يمكن أن يحتوي أي سائل ؟ نظرت إلى الغرفة وقلت : ماذا لو لم يكن فضاء الغرفة فارغا هل يمكن أن نضع فيها أي أثاث ؟ ثم ماذا لو لم تكن عقولنا فارغة ؟ هل كان لنا أن نتعلم أي شيء إضافي ؟!  وتماديت كثيرا لأقول إذا لم يكن الكون فارغا أين ستكون الأرض والشمس والقمر والنجوم والمجرات ، يا للهول لو لم يكن ثمة فراغ لم يكن ثمة شيء مطلقا ! هل هذا معقول ، أيكون الفراغ هو الأصل والمادة هي الاستثناء ؟!  لو لم يكن هناك فراغ أين ستكون الأشياء ، الحركة أيضا لا يمكن أن تحدث ما لم يكن هناك فراغ تحدث فيه ، فالحركة انتقال بين نقطتين والحركة أساس الطاقة والطاقة أساس الحياة والفراغ أساس الحركة ، يا للروعة والمفاجأة هل يكون الفراغ هو أساس الحياة أيضا ؟! الحوادث لا يمكن أن تقع أيضا ما لم يكن الزمن فارغا . القائمة طويلة ومصدّعة للرأس ، يحسن بنا التوّقف .
في الفيزياء لم يكن الفراغ تافها كما هو الحال لدى عامة الناس فالنظرة الفيزيائية المعاصرة تقول إن ( الفراغ هو كل الفيزياء) والوجود المادي هو تقلّب فراغي يُعرف بالانفجار العظيم ، ما يعني بصورة مدهشة وساحرة إمكانية الخلق من الفراغ – العدم – وهذا ما يقول به الإسلام ، وهو ما كان يرفضه علماء الفيزياء التقليديون بقولهم إن المادة لا تفنى ولا تستحدث !
وقد اختلفت تفسيرات الفيزيائيين للفراغ ، فالفراغ عُرف أولا بالخواء ثم عرف بالأثير الذي قيل إنه مادة شفافة تملأ المسافات بين الأجرام و ينتقل الضوء عبرها ، ثم فسره اينشتاين بمفهوم الزمكان بأبعاده الأربعة مثل شبكة هلامية تحتوي التغيرات المادية التي تحدث في الكون بما سماه الانحناء أو الانبعاج في الزمكان ،  لكن آخر ما طُرح بشأن تفسير الفراغ هو ما يسمى مجال هيغز وهو ينشأ عن وجود جسيمات هيغز Higgs boson  ، و هذا المجال يملأ الفراغ وهو كالمحيط الذي يعمل على ظهور كتلة الأجسام نتيجة المقاومة التي تحدث أثناء وجودها فيه ، وتم التحقق من وجود بوزون هيغز فعلياً في مختبرات سيرن في سويسرا سنة 2012  . لكن ما هو الفراغ ؟ وأين يمتد ؟ وما هو حجمه ؟ وأين تقف حدوده ؟
لا أريد أن أقدم تفسيرا للقرآن من رأيي مع إني متخصص بذلك ولكني أقول أني بدأت أقترب من فهم جديد لقوله تعالى ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) ، فهل يكون الكرسي هو ذلك الفراغ المجيد الذي يحتوي كلّ شيء ويعطي كلّ شيء وجوده الواقعي ؟ 
الآن هل عرفنا الفراغ ؟! وهل يحق لنا أن نصف الأشياء العديمة الفائدة مثل التي ذكرتها في بداية القرطاس بأنها ( فارغة ) ، أظن أن الفراغ أعظم وأعمق من كل ذلك ..
بغداد
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب