1-
فكرة اقامة دويلة شيعية في المناطق الرئيسية لتواجد الطائفة الشيعية لم تبدا مع مطالبة( المجلس الاعلى الاسلامي )بانشاء ( فدرالية الوسط والجنوب ) في عام 2006 بل هي اقدم من ذلك حيث طرحت الفكرة بعد قمع انتفاضة اذار عام 1991 من خلال مطالبة المعارضة العراقية باقامة ( منطقة امنة ) على غرار ماتم في شمال العراق غير ان امريكا اكتفت بانشاء منطقة (حظر جوي ) غطت جنوب ووسط العراق ،وفي مؤتمرات المعارضة العراقية الثلاث ( فينا ، صلاح الدين ، لندن ) تم الاتفاق على ( فدرالية ) النظام الذي سيعقب سقوط النظام الصدامي دون الاشارة الى التفاصيل عدا الاقرار بخصوصية ( اقليم كردستان ) ، وبعد سقوط النظام الصدامي ثبّت الدستور العراقي ( صدر في 13 تشرين الاول عام 2005 ) شكل الدولة العراقية قائلا في مادته الاولى ( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة …) وشرح مكونات الاتحاد في المادة 116 قائلا ( يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية ) وقال في المادة 119 ( يحق لكل محافظة او اكثر تكوين اقليم بناء على طلب الاستفتاء عليه ..) .
ورغم ان مطالبة ( المجلس الاعلى الاسلامي ) لا تبدو متعارضة مع مواد الدستور الا انها كانت واضحة في روحها الطائفية التي تسعى الى تقسيم العراق الى دويلات طائفية ولهذا واجهت الرفض الوطني الشامل، وقد لوحظ ان مناطق العراق الغربية ( مناطق السنة ) كانت اشد الرافضين لتطبيق الفدرالية عموما ولفكرة ( المجلس ) خصوصا . وقد تخلى المجلس وقتها (ظاهريا على الاقل ) عن دعوته تلك بسبب الرفض الشعبي العام.
2-
بعد اعتصامات المناطق الغربية في بداية هذا العام (2013) واقتحام مقر اعتصام الحويجة ارتفعت اصوات سنية تدعو الى انشاء اقليم او اقاليم في المناطق الغربية وقد اعلنت الحكومة والاحزاب الشيعية الحاكمة بما فيها ( المجلس الاعلى الاسلامي ) عن معارضتها لهذه المطالب السنية باعتبارها تساهم بتمزيق العراق على اساس طائفي وقد لاقت الدعوة لاقامة اقليم سني اعتراضات قوية من قبل الفعاليات السنية نفسها وهوجم اصحابها فصمتوا .
3-
بعد مرور سبعة اشهر على اعتصامات المناطق الغربية وبالتزامن مع فضيحة اقتحام سجن ابو غريب واطلاق سراح المئات من عتاة الارهابيين وماتبعها من اجراءات امنية هستيرية تركزت في المناطق السنية المجاورة لسجن ابو غريب ، عادت الدعوة لانشاء اقليم سني بقوة في هذا الشهر( آب 20013 ) من خلال ( الحراك الشعبي ) الذي عقد مؤتمرا ( لتوحيد اهل السنة ) ، وخلافا للمرة السابقة كانت الدعوة هذه المرة اكثر قوة وجدية وتلقى شبه اجماع سني ولم تظهر أمامها معارضة سنية قوية كما حصل في المرة السابقة .
4 –
رغم ان الدعوة الجديدة لاقامة اقليم سني اقوى واوسع واكثر جدية من الدعوة السابقة التي ظهرت في بداية الاعتصامات الا ان حكومة السيد المالكي بدت هذه المرّة غير مبالية بالأمر ، بل ظهرت تلميحات تفيد بعدم معارضة الحكومة لاقامة اقليم سني ،وأهم هذه التلميحات جاء على شكل مقال بعنوان ( الفدرالية السنية ) (انظر الرابط رقم1) بقلم السيد محمد جبار الشبوط ( مدير عام شبكة الاعلام العراقي والمقرب من السيد المالكي) يؤيد فيه مطالبة الشيخ غسان العيثاوي (عضو اللجنة الشعبية لاعتصامات الرمادي) بتشكيل اقليم سني قائلا ( وهذا قد يبدو حلا على كره كما يقال ولكنه قد يكون أهون من التقسيم أو حل الحرب الأهلية أو حل بقاء الأمر على ماهو عليه الأن الذي قد يفضي الى تحلل الدولة ) . وقد برر السيد الشبوط تأييده لمطالبة الشيخ العيثاوي باقامة اقليم سني بامرين : اولهما أن( فكرة دولة المواطن ) تراجعت ( وغاصت الى قاع المجتمع العراقي وتسيدت فكرة دولة المكونات ) ولهذ السبب ( لم يعد من العيب التحدث بأسم الطوائف والمكونات )
وثانيهما : عدم معاداة العيثاوي لحكومة المالكي ف ( الجميل في طروحات الشيخ العيثاوي انه لاينطلق من موقف معاداة الحكومة في بغداد وهذا يجعل من الممكن التفاهم معها للتوصل الى حلول خاصة في الأمور التي تقع ضمن صلاحياتها واختصاصها ..) وعليه فان (موقف ) العيثاوي( يستحق التشجيع فهو يساعد على اشاعة السلام في البلاد وتحقيق التعايش بين مكوناتها المختلفة ) .
5-
بغض النظر عن كون (تأييد ) السيد الشبوط ل( الفدرالية السنية ) مجرد ( وجهة نظر ) خاصة ، او تعبّر عن موقف حكومة المالكي فأن سياسات المالكي بصورة عامة ( خلال ولايتين ) وسياساته ازاء اعتصامات المناطق السنية تشير بما لايقبل الشك بأن المالكي يدفع المناطق السنية الى القبول بحل فدرالية السنة ( على مرارته بالنسبة لهم) حتى يبرر لنفسه أقامة أقليم شيعي تنفرد فيه الأحزاب الدينية بالسيطرة على اغنى مناطق العراق ..
لقد ادرك المالكي أن سيطرة حزب الدعوة وحلفائه على كامل العراق امر مستحيل بسبب معارضة الاكراد والمناطق الغربية ، وليس من حل امامه سوى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات ينفرد هو والمتحالفين معه باغنى قسم ، وهذا الحل يحضى بدعم ايراني وامريكي – صهيوني بلا ريب.وفي سبيل الوصول الى هذا الهدف ( الستراتيجي ) فان حكومة المالكي مارست سياسات متنوعة ادت الى اضعاف ( فكرة دولة المواطن ) وجعلت ( فكرة دولة المكونات ) واقعا سياسيا معاشا ليكون ( التحدث بأسم الطوائف والمكونات) واقعا عراقيا لاعيب فيه (ولاهم يستعيبون ).
اما لماذا عارض المالكي فكرة الفدرالية السنية في المرة الاولى ( في بداية الاعتصامات ) فأعتقد ان ذلك يعود لسببين : الاول وهو الاهم ان الفكرة لم تكن جدية ولا تلاقي اجماعا سنيا . والثاني هو قناعة المالكي بان سكان المناطق الغربية سيعاودون طرحها بجدية واجماع مرة ثانية وثالثة مادامت الدولة تدار باسلوب طائفي.المالكي استخدم اسلوبا تكتيكيا يبدو من خلاله رافضا لفكرة فدرالية السنة في الوقت الذي يعمل فيه على جعل الفدرالية السنية هي الحل الوحيد امامهم للخروج من مأزق التحشد في العراء لمدة لايعلم احد كم تطول.ويمكن القول ان سعة العمليات الارهابية التي ضربت المناطق الشيعية تدخل في اطار محاولة ارغام العراقيين على القبول بتقسيم العراق فثمة جهات (داخلية وخارجية) تسعى( من خلال تسهيل العمل الارهابي الذي يستهدف مناطق الشيعة) الى أرغام الشيعة على القبول بفكرة الفدراليتين الشيعية والسنية للتخلص من فواجع العمليات الارهابية ..
هل تستغربون هذا ؟ نعم انها نتانة وليست سياسة ، ولكن مطبخ الطائفية لاتفوح منه الا الروائح العفنة فعلام الأستغراب ؟!
6 –
الدارسون لجماعات الأسلام السياسي يدركون ان تلك الجماعات تعاني من مرضين وطنيين خطيرين يجعلانهم عاجزين عن الحفاظ على سلامة الأوطان التي يعيشون فيها، اولهما ( ضمور الحس الوطني ) وثانيهما ( تورم او تضخم الحس الديني – الطائفي ) وهذا يفسر تدهور حالة الاوطان التي تسلم الحكم فيها الاسلام السياسي او مارس فيها ثقلا سياسيا مؤثرا . الامثلة كثيرة : ما أن سيطروا على السودان بانقلاب ( الترابي – البشير) حتى تقسم السودان الى شطرين، وبسببهم انفصلت باكستان عن الهند وانفصلت بنغلادش عن باكستان وتدهورت دولة افغانستان ، وها هو المجتمع الايراني محاصر ومنقسم ويتملل بسبب القمع وتراجع مستوى الحريات، وهاهو العراق يترنح ومقبل على التقسيم ، وكادت مصر ان تغرق في الظلام لولا ان ابناء النيل يملكون حسا وطنيا دفعهم الى ازاحة كابوس الاسلامويين قبل فوات الاوان، فلا نستغرب والحال هكذا من تشجيع حكومة المالكي متطرفي السنة على اقامة فدرالية سنية تؤرخ لبداية تقسيم العراق .
7 –
الفدرالية بحد ذاتها حل اداري ممتاز اذا كان مرتبطا بوجود( دولة المواطنة ) الحقيقية ففي هذه الحالة تصبح ( فدرلة ) الدولة بابا لتوسيع الديمقراطية وتوسيع مشاركة الشعب في الحياة السياسية ، اما في ضل ( دولة المكونات ) التي اعترف بوجودها السيد محمد جبار الشبوط فأن (فدرلة) العراق تعني بابا واسعا لتناحر الفدراليات وتعميق شعور العزلة والتقوقع بين فئات الشعب العراقي مما يقود بالضرورة الى تشظية العراق وتقسيمه..
انا شخصيا دعوت في عام 2004 في مقال عنوانه (فدرالية العراق على ضوء التجربة الكندية ) نشرته صحيفة ( الشرق الاوسط )( انظر الرابط 2 ) الى الحل الفدرالي على اساس مناطقي، وليس على اساس طائفي، كما يخطط الان ، غير اني ارى الأن ، وبعد تدهور الشعور الوطني، وغلبة النفس الطائفي على النفس الوطني ،ارى ان اي( فدرلة ) للدولة العراقية وباية صيغة كانت لا يعني سوى تشظية الدولة العراقية ، وهذا لايعني المطالبة بالغاء فكرة الفيدرالية نهائيا بل يعني وجوب تأجيلها الى حين أقامة ( دولة المواطنة ) التي لن تقام الا بعد ازاحة سيطرة الاسلام السياسي على العراق ، ففي ضل سيطرة الأسلام السياسي على العراق سيتعمق طابع ( دولة المكونات الطائفية ) وسيتواصل هبوب الكوارث على العراق .
رابط رقم (1) مقال السيد محمد جبار الشبوط المعنون ( الفدرالية السنية )
http://www.sotaliraq.com/mobile–
item.php?id=140987#axzz2cIBveLoS
رابط رقم (2) مقال ( فدرالية العراق على ضوء التجربة الكندية )- عودة وهيب
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=218585&issueno=9214#.UhEZH7lzbIU