الفدرالية الحقيقية اصطلاح يتردد صداه هذه الايام كثيرا عبر وسائل الاعلام المتنوعة ومصدره الاقليم الكوردي حصرا ، وبعد دخولنا الاسبوع الثاني على احتلال الموصل بدأ التأكيد على هذه المفردة اكثر من اي وقت مضى ، لكن يمكن معرفة معنى الفدرالية الحقيقية من خلال تتبع كلمات القادة الكورد في الاقليم اوممثليهم في الحكومة الفدرالية ، ولنأخذ ثلاث تصريحات لرموز كوردية نستشرف من خلالها المراد الجدي لهذا الاصطلاح الخطيرعلى ضوء معطيات الاحتلال الغاشم لمناطق من بلادنا العزيزة من قبل ارادات اقليمية وانيابها السامة المتغلغلة داخل الجسد العراقي .
التصريح الاول يمثل وجهة نظر رئيس الاقليم مسعود البرزاني فهو يرى بان العراق بعد احداث الموصل امام خيارين: اما ان يصبح دولة فدرالية حقيقية او انه سينقسم الى ثلاثة دويلات كوردية وشيعية وسنية، لأنه في الوقت الحاضر منقسم من الناحية الفعلية .
وهذه هي الرؤية الرسمية لاقليم كردستان حول الاوضاع الجارية الان في العراق كما افصحت عنها رئاسة ديوان اقليم كردستان على لسان فؤاد حسين في المقابلة التي اجراها معه القسم الكردي في وكالة الاناضول .
وبشأن اوضاع المناطق التي سيطر عليها المسلحون في الموصل وغيرها سئل الكاكا فؤاد حسين واجاب : بان ادارة المسلحين لهذه المناطق صارت امرا واقعا سواء رغبنا بذلك ام لم نرغب ، لان الجيش العراقي انهزم فيها ولم يبق له وجود فيها ليتمكن من استعادتها .
وحالة النفير العام التي اعلنتها الحكومة ، وفتاوى المرجعيات الدينية بالوجوب الكفائي على من يتمكن من حمل السلاح ومقاتلة المعتدين ، وتوجه الاف العراقيين من مختلف محافظات العراق الى مراكز التطوع ، كل تلك التعبئة الجماهيرية يعلق عليها كاكا حسين ويقول : ” ان الناس المتطوعين الذين جمعتهم الاحزاب الشيعية بهدف الدفاع عن بغداد والمناطق الاخرى والتي هي بأمرة المالكي الان ليست لديها القدرة على تحرير المناطق التي استولت
عليها عناصر داعش…وان عراق ما بعد احداث الموصل يختلف عما قبلها …وعليه فالعراق اما يمضي الى ان يكون دولة فدرالية حقيقية وينقسم الى ثلاثة اقاليم للكورد والشيعة والسنة، او سينقسم الى ثلاثة دويلات للمكونات نفسها “
وهناك تصريح ثالث لوزير الخارجية الفدرالي هوشيار زيباري نقلته وكالة ” عراق برس ” يوم الاثنين 23 حزيران يقول فيه : ” ان ليس من مصلحة احد تقسيم العراق ، الا اننا نتسائل هل من الممكن ان يدار العراق كالسابق .
وأضاف زيباري :ان البلد يتجه نحو تحقيق نظام فيدرالي حقيقي ولا يكون ذلك في اقليم كردستان فقط وانما في مناطق اخرى من البلاد وهذا ما سيواجه العراق مستقبلا …ثم ان الجميع بحاجة الى وحدة هذا البلد لكن مع الحفاظ على خصوصيات كل منطقة جغرافية وهو امر ثابت بالدستور ولابد من التزام الجميع به “
وعلى ضوء كلمات القادة الكورد المتقدم ذكرها يمكن الاجابة عن السؤال الذي عنونت به مقالتي هذه بأن الفدرالية الحقيقية تعني بالعربي الفصيح فرض واقع التقسيم كحالة افرزتها تحركات العصابات المسلحة باتجاه المناطق السنية واحتلالهم الموصل وبعض المناطق المحيطة ، بحجة ان القوات العراقية غير قادرة على استعادت ما احتلته تلك الجماعات ، والتي تمثل الارادة السنية المهمشة ،ومن حقها ان يكون لها اقليما خاصا بها على غرار اقليم كردستان وهو حق مكفول بالدستور فهو مطلب دستوري .
ومن خلال المشهد العام والاحداث السريعة التي تلت سقوط الموصل يمكن تسجيل بعض الدلالات التي تشير الى عمق المخطط الخبيث الذي جرى التخطيط له بدقة وكان للاقليم الكوردي شانا كبيرا فيما حدث ، منها محاولة السيطرة على المعابر الحدودية مع سوريا ، ودخول قوات البيشمركة كركوك بحجة ملئ الفراغ الذي تركه انسحاب الجيش بطلب من رئيس الوزراء كما يزعمون ، والاهم من كل ذلك المحاولات المستميتة للعصابات الارهابية من السيطرة على مصفى بيجي لتحقيق التوازن في توزيع الثروات بين الاقاليم الثلاث ، وبذلك تكون الفدرالية الحقيقية قد تحققت بالفعل ، لكن هذه المرة وفق المنطق الكوردي وهو فرض الواقع كما هو .. ومن شاء شاء ومن ابى ابى .
ولاثبات خيبة الشياطين ومخططاتهم لابد من وقفة جادة ضد دعوات التقسيم وكذلك الفدرالية الحقيقية لانها في حقيقتها دعوة للتقسيم لكن على استحياء .