22 ديسمبر، 2024 8:48 م

يخطيء كثير من المتابعين السياسيين والاعلاميين في رسم صورة الحكومة العراقية المحتملة للفترة 2018ـ 2022 ، فبعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في 12 من مايس الجاري اتضح وجه واتجاه الحكومة التي ستحكم العراق لاربع سنوات قادمة ، حيث تصدرت المشهد اربع قوائم شيعية تقاسمت ما يقرب من 170 مقعدا من اصل عدد مقاعد البرلمان البالغة 329. اي ان هذه القوائم حصلت مجتمعة على ما يؤهلها لتشكيل حكومة اغلبية سياسية ولكن حالة التشطي والنزاعات على المكاسب و المنافع الشخصية كانت قد جعلت هذه القوائم في حالة نزاع عقائدي واحيانا شخصي وهذا الواقع سيفرض على من يريد تشكيل الحكومة القادمة استعداده للتفاوض مع كتل اخرى تنضم اليه كي يكتمل نصاب الاغلبية البرلمانية ، من القوائم الشيعية الاربع كانت قائمة ” سائرون ” التي تتمتع بانتمائها الى السيد مقتدى الصدر قائد جيش المهدي والمسمى لاحقا بكتائب السلام ، وقد حظيت هذه القائمة بعدة نعوت واوصاف مخادعة ، منها انها قائمة الفقراء او انها القائمة العربية المناوئة للمشروع الايراني في العراق ، ولكن كل هذه العناوين والبهرجة الاعلامية الزائفة لا تستحضر التاريخ القريب لسلوك قائدها وقياداتها ناهيك عن التصرف الهمجي لكثير ممن ينتمون اليها، فكيف يمكن لمن تلطخت يده بدماء العراقيين الابرياء منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى اللحظة وبشكل خاص في الفترة الواقعة بين شباط 2006 ونهاية 2014 ان يمحو كل تلك الاعمال الشنيعة والجرائم التي امر بها ويبدأ خطابا مدنيا يدعي التحضر والمساواة؟

مما لا شك فيه ستحرص كل الكتل الشيعية الفائزة ان تخطب ود مقتدى الصدر كي تحظى بدعمه ، فهو متربع على ما يقرب من سدس مقاعد البرلمان وهذا يعني انه سيكون صانع الملوك في عراق السنوات الاربع القادمة ، ومن التجارب السابقة نستطيع ان نلحظ ان ردود السيد مقتدى الصدر في رسم شكل الحكومات العراقية كانت ردودا انفعالية اكثر منها واقعية او وطنية . ففي انتخابات 2010 وبعد ان حصلت كتلة اياد علاوي على حوالي 90 مقعدا في البرلمان تصرف مقتدى الصدر بشكل انتقام شخصي ودعم نوري المالكي ضد علاوي لانه استحضر الازمة التي وقعت عام 2004 بين مليشيات الصدر ورئيس الوزراء حينها اياد علاوي ، وبالفعل تمكن المالكي في عام 2010 من الحصول على ولاية ثانية رغم عدم امتلاكه لمقاعد برلمانية كافية لجعله قائد الكتلة الاكبر واخترع الشيعة المتدينين لعبة التحالف مع الائتلاف الشيعي انذاك .ومارس الصدر ذات اللعبة مرة ثانية في انتخابات 2014 عندما دعم العبادي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس البرلمان العراقي وذلك انتقاما من نوري المالكي الذي قصم ظهر جيش المهدي في صولة الفرسان في البصرة حيث كانت شبكات جيش المهدي تقوم بتهريب النفط من موانئء البصرة عام 2008 مما اضطر مقتدى الصدر للهرب الى ايران التي هرب اليها مرات عديدة قبل وبعد ذلك التاريخ فكيف سيكون مقتدى الصدر في انتخابات عام 2018 رجل الدين العربي المناويء للدور الايراني في العراق ؟ فمقتدى الذي يبني كل مجده على ارث والده محمد باقر الصدر الذي يتباهى به العرب القوميون كونه المرجع الشيعي العربي البعيد عن التشيع الصفوي الايراني وما هو بالحقيقة الا شخص ذو ميول عدوانية وطائفية ضد مخالفيه ففي كتابه ” ما وراء الفقه ” يقول محمد باقر الصدر ما نصه : ان الناصبي انجس من اليهود والنصارى والمجوس والكلاب . انتهى قوله فهل هناك عدائية اوضح وابشع من هذه؟ هذا جزء من ارث الصدريين الذين سيشكلون الثقل الاعظم في اختيار رئيس الوزراء العراقي القادم.

لقد شكل جيش المهدي بعد عودة مقتدى الصدر من ايران التي زارها في حزيران عام 2003 وبعد اتهامه باغتيال عبد المجيد الخوئي في الاول من نيسان عام 2003 ، وبعد معارك النجف في 2004 شكل مقتدى الصدر المحاكم الشرعية التي اصدرت احكاما باعدام المئات من ابناء النجف الذين خدموا في الشرطة العراقية او جهات امنية وعسكرية خلال فترة حكم صدام حسين بل ان الصدريين قتلوا بعض الشعراء الشعبيين الذين ساندوا صدام حسين في حربه ضد ايران للفترة من 1980 الى 1988 .

في انتخابات عام 2005 التي استلم فيها ابراهيم الجعفري زمام قيادة البلد مارس الصدريون دورهم في التطهير المذهبي والديني في مدينة بغداد حيث مارس وكيل وزيرالصحة المنتمي لجيش المهدي حينها حاكم الزاملي ومسؤول امن وزارة الصحة الصدري ايضا حميد الشمري دورا قذرا ضد سنة ومسيحي بغداد حيث كانا يستعملان سيارة الاسعاف التابعة لوزراتهما في نقل مليشياتهم المسلحة والاعتدة الى الاماكن التي يراد تطهيرها من مناويئهم او مخالفيهم المذهبيين او الدينيين ، وكانت جثث الضحايا تنقل بذات سيارات الاسعاف الى منطقة خلف السدة خارج بغداد لمحو اثار الجرائم المرتكبة او كانت تلقى ليلا في الشوارع والساحات العامة .

في شباط 2006 وبعد تفجيرات سامراء اوعز مقتدى الصدر بتطهير بغداد من السنة وتشييع كل احيائها بعد ان كانت هذه المهمة من اختصاص فيلق بدر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية بقيادة ال الحكيم الذين اصبحوا الان اهل الحكمة والتقوى، وكان يتم العثور على مئات الجثث المرمية في كل مناطق بغداد كل يوم ، وكانت مفارز مسلحة من عناصر جيش المهدي تطوف الاحياء السنية في بغداد وتقتل بالرصاص او حرقا كل رجل سني تصادفه كما تم الاستيلاء على مساحد اهل السنة وتحويلها الى حسينيات خصوصا في مناطق جنوب بغداد ، مثل المحمودية والمسيب والاسكندرية تلك المناطق التي كانت تسمى بمثلث الموت السني حيث كانت تتواجد جماعات مسلحة سنية ارهابية تابعة للقاعدة، واصبح القتل على الهوية بدون تمييز مدعاة للفخر لدى الشيعة المؤدلجين حتى ان بعض شعرائهم ومطربيهم بداوا يظهرون في افلام علنية يتفاخرون فيها بدورهم ودور مليشايتهم في تنظيف بغداد من النواصب والمقصود بهم اتباع المذهب السني الذين كانوا هم غالبية اهل بغداد قبل احتلال 2003 .

بعد اذار 2008 حيث كانت بداية صولة الفرسان التي قادها نوري المالكي بدعم امريكي غربي للقضاء على الدور المتعاظم لجيش المهدي في وسط وجنوب العراق بدأ جيش المهدي بالتضاؤل والانكماش لقلة الموارد المالية التي كان يحصل عليها من عمليات الخطف والفدية وتهريب النفط والاثار والتسليب على الطرق الخارجية بين الناصرية والبصرة ، ولعدم وجود مرجع ديني يقوده وان كان الصدريون يشيعون ان كاظم الحائري الذي يشغل منصب مستشار لخامنئي هو مرجعهم ، ويستثمر الصدر دائما اصوات مواليه في كل انتخابات للاستثمار في المناصب التي توفر له المال اللازم لادارة مشروعه الطائفي المتخفي بسمة العروبة سابقا وبسمة التمدن لاحقا ، فعلى سبيل المثال كانت غنيمتهم من دعم المالكي عندما تقرر اقالة الجعفري من رئاسة الوزراء عام 2006 ثماني وزارات تدر ضروعها ملايين الدولارات كرشاوى واتاوات ومال منهوب ، وحصل ذات الشيء في كل انتخابات سابقة وسيحصل الامر هذا في هذه الانتخابات ايضا ، فالصدر كان يساند نوري المالكي عندما يتعرض المذهب الشيعي للخطر ويصف المالكي بعد استقرار الامور بالدكتاتور والفاسد ، وحسب المنافع المالية والتنفيذية تكون قراءة البارومتر الصدري اقرب للواقع الصدري الغارق في طائفيته المموهة بسمة العروبة

فلا العراق ولا مستقبله ولا مصير اجياله هي قضايا تستحق التفكير بها في منهج الصدر وانما المصالح الانية والمشروع الطائفي البعيد المدى هما لب وجوهر التوجه الصدري ، ومن كل ما سقناه من امثلة ارشيفية نجد ان لا خلاف بين استراتيجية المرشد الايراني ونظريات محمد باقر الصدر فكلاهما كاره لمخالفيه وداع الى قتل الاخر المختلف اضافة الى ان الرؤوس التي تمثل قيادات التوجه الصدري سابقا وحاليا هي رؤوس تمثل اشرس المليشيات الطائفية المسلحة في بغداد مثل قيس الخزعلي وعبد الهادي الدراجي مسؤول المحاكم الشرعية وحازم الاعرجي وعبد الزهرة الساعدي او السويعدي وابو درع اسماعيل اللامي وغيرهم كثير، فلماذا يجزم اغلب المتابعين السياسيين والاعلاميين ان مقتدى الصدر سيكون حجر عثرة امام جنود الولي الفقيه في العراق ، الم تقاتل مليشيات الصدر في سوريا مع بشار الاسد الذي تدعمه ايران بكل طاقاتها الفنية والمالية والعسكرية واللوجستية ؟ الم يهاجم الصدر البحرين عندما سحبت المملكة الجنسية من عدد من مشاغبي ايران العابثين بامن المنامة ؟ الم يهاجم مملكة ال سعود عندما اعدم نمر النمر رجل الدين الشيعي الذي اتهمته السعودية بولائه لايران وتحريضه على اثارة الشغب ، الم يتحالف مقتدى الصدر مع حسن نصر من اجل تدريب ميليشيا سرايا السلام التي تسيطر الان على مناطق شمال وشرق بغداد بحجة مقاتلة عصابات داعش الارهابية ؟ الم يغمض مقتدى الصدر عينيه عن سرقات وفضائح نوابه في البرلمان العراقي من اعضاء كتلة الاحرار ؟ فاذا كان القانون العراقي يمنع كل من تلطخت يده بالدم العراقي من ممارسة النشاط السياسي ايا كان شكله فكيف سمح لمقتدى الصدر بترؤس كتلة ” سائرون ” الم تكن يداه واياد اعوانه ملطخة بدم الابرياء ؟ هل قدم اعتذارا للشعب العراقي عن تلك الفظائع والانتهاكات الاجرامية ؟ ام ان الشيعة الحاكمون في بغداد يرون في مقاعد ” سائرون” خزان انقاذ عندما تشح اصوات الداعمين لحكمهم ؟ ان السياسة ليس مغنما في متناول القتلة والارهابيين ، انها فن مفاوضة الاخرين واقناعهم بوجهة نظرك ولكن هل يستطيع مقتدى الصدر ان يكون مفاوضا بارعا وهو الذي ربما لم يحصل على شهادة الدراسة الابتدائية وليس هو بالمرجع الديني او الاجتماعي المعول عليه ، انما هو وريث رجل بنى سمعته على حفظ المذهب عندما كان صدام حسين يقتل كل متطرفي المذاهب بلا تمييز ، مقتدى الصدر ليس اكثر من صاحب دكان لبيع الاصوات لمن يدفع اكثر ، ومواليه ليسوا اكثر من متحمسين شعبويين مدفوعين بوجدانهم وعاطفتهم المذهبية ، والمغفل فرصة المحتال .. فلا تعولوا كثيرا ولا تحلموا فامهاتنا كن يقلن لو سقيت الشوك عنبرا ابدا لن يحمل وردا .