فايرس كورونا الذي يسبب مرض التهاب رئوي حاد و قاتل، والذي انطلق في شكل وباء من الصين ثم تحول الي جائحة عالمية اصابت كل بلدان المعمورة أثر علي الاقتصاد العالمي بصورة غير مسبوقة منذ حرب القوي “الاستعمارية” الثانية، ثم هاهو يتحول الي سبب أزمة عالمية بين كثير من البلدان و الكتل السياسية و أزمة داخل مكونات عصبة الأمم “المتحدة”..
كما هو آخذ في التحول لظاهرة تعيد رسم ايدولوجيا العالم و منظومة افكاره و فلسفاته!
سياسياً، فان كوفيد19 يدق اسفيناً بين دول الاتحاد الاوروبي و يهدد بحل رابطته الواهية أصلا منذ خروج الانجليز، فالدول الاكثر تأثراً بالجائحة (ايطاليا، و فرنسا، و اسبانيا) تطالب بمزيد من الاجراءات و الدعم من الخزانة الموحدة، فيما المانيا و هولندا تطالب الدول بالاعتماد علي نفسها!
و في مستوي آخر فان حكومة ترامب في اميركا و التي هي محرجة جداً من انكشاف ضعفها في وجه فايرس ضعيف (ضعِف الطالب و المطلوب)، و رئيسها المحرج سياسياً و هو علي اعتاب انتخابات تجديد الولاية؛ تتخبط بين التنمر سياسياً علي الصين (ترامب يصر علي تسمية مسبب المرض بالفايرس الصيني) و بين تحميل مسؤولية الفشل لمنظمة الصحة العالمية و التهديد بوقف مساهمة واشنطون في ميزانية المنظمة و انهاء دعمها لها، و هو تهديد جدي فقد سبق و اوقفت ادارته دعمها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) و لليونسكو كذلك!
لا يعقل ان تنتظر اميركا سيدة العالم في البحث العلمي و التكنولجي و الاختراع و الاكتشاف خدمات منظمة الصحة العالمية؛ ماذا تركت اذاً لليبيريا و الصومال و بورما؟
رغم مناشدة مدير الصحة العالمية لدول العالم بعدم تسيس (كوفيد) إلا ان مناشدته لا تلقي اذناً صاغية!
هناك حكومات و انظمة استفادت سياسياً من تفشي الوباء منها حكومات العراق التي كانت علي شفا حل البرلمان تحت وطأة ثورة شعبية جارفة اطاحت بالحكومة، و كذلك حكومة ملوك الطوائف اللبنانية، و نظام ايران كان يقف علي حافة هبة شعبية لكن (كوفيد) انقذها الي حين!
بينما علي مستوي الافكار يجادل البعض مثلاً بأن الانظمة الدكتاتورية هي الامثل لحكم العالم مستدلين بقدرة الصين علي احتواء المرض باقل عدد من الاصابات و الوفيات (ثلاثة آلاف ضحية) مقابل عشرات الالاف في دول ديمقراطية راسخة (ايطاليا، و اسبانيا، و الولايات المتحدة، و فرنسا، و بريطانيا.. الخ)! و هذا جدا لا يعكس إلا حالة الهلع و الرعب التي انتابت الكثيرين! فان كان ما يجادلون بشأنه صحيحاً (أرقام الضحايا) فان ما تسبب فيه كورونا لا يعدو ان يكون امراً طارئاً، فهل يتخلي الانسان عن حريته السياسية و حقوقه المدنية و الاقتصادية تحسباً لجائحات مماثلة مستقبلاً قد تحدث و قد لا تحدث؟! و بافتراض وقوعها ما العمل ان فشلت الانظمة الاوتوقراطية (الشمولية) في التصدي لها؟! الا نكون كمن اراق ماءه في انتظار المنعدم؟!
ثم أ ليس من عيوب الانظمة الدكتاتورية انها لا تقيم وزناً للرأي العام و لا لقيمة حياة الانسان اذ هي بالنسبة لتلك الحكومات مجرد رقم يمكن أن تتلاعب به فما هو في خانة مئات الالاف و الملايين تحوله في احصاءاتها و بياناتها لخانة العشرات و الآحاد و الويل لمن يشكك في ارقامها تلك من مواطنيها أو غيرهم؟! فما أدري أولئك المجادلين بأن أرقام الحكومة الصينية صحيحة؟!
البعض يعاظل مستخدما عبارة (المستبد العادل) باعتباره المخلص! و إن الحكومات التي يديرها مستبد “رشيد” هي الخيار الافضل لكل الدول! مع ان الاستبداد و العدل قيمتان متعارضتان لا تجتمعان في قلب رجل أو امرأة قط! هؤلاء من اصيبوا بعدوة متلازمة الاضطهاد و الخنوع و عبادة الحاكم الفرد يريدون نشرها مستفيدين من متواليات كوفيد19 !
العالم يدفع اليوم (الدول الصناعية تحديداً) ثمن انسياقها خلف اقتصاد المعلومات و الترفيه و اهماله لابحاث الصحة و الطب و (البيولوجي)، و عليه من هذا العام رصد موازنات اكبر لهذا الحقل من العلوم.
و بعكس استجابة الدول (العظمي) لتحدي الارهاب الدولي و تشكيلها لحلف مكافحة الارهاب فان تضامنها ضد كورونا كان ضعيفاً، و رغم ارتفاع اصوات من هنا و هناك تطالب بتكوين تحالف دولي ضد هذا الوباء الذي ينذر كامل الجنس البشري بالفناء، و لا تزال حكومات العالم بعيدة عن مثل هذا التحالف فلسان حالها كلها يقول نفسي نفسي!
البعض يجادل بأن العالم بعد كورونا لن يعود لما كان عليه قبلها، هذا صحيح، لكن هذا لا يعني انهيار القوي المسيطرة اقتصادياً و عسكرياً حالياً و صعود قوي جديدة كما يزعم البعض، انما عقلية العالم ستتغير و طرق التفكير ستتبدل و الاولويات كذلك.