كانت بريطانيا العظمى تدير منطقة الشرق الأوسط مباشرة لعقود بل كانت تحكم العالم بجيوشها واقتصادها. وهي التي رعت باهتمام وحرص كبيرين انشاء كيان صهيوني في المنطقة منذ بداية القرن المنصرم بوعدها المشهور، لخدمة وحماية مصالح الشركات الاستعمارية الكبرى التي كان ولا يزال يديرها رأس المال الصهيوني. ولكن بريطانيا انسحبت بعد الحرب العالمية الثانية تدريجيا من المنطقة ومن اماكن كثيرة في العالم بعد ان فقدت مقومات الدولة القطب الاكبر في العالم لتحل امريكا محلها وتؤدي نفس الدور البريطاني.
ما فعلته امريكا عندما أخذت زمام السيطرة والإدارة المباشرة لهو أقذر بكثير مما فعلته بريطانيا مع كل خبث بريطانيا الاستعماري وتعاليها، لان الخبث لا يعني الرعونة ولا يلازمها دائما: بل الخبث البريطاني كان يعمل ولا يزال من تحت الطاولة في اماكن متعددة ومناسبات كثيرة. اليوم امريكا بدأت تنسحب تدريجيا من منطقة الشرق الاوسط مع كل رعونتها المعروفة وحروبها التي احرقت إجزاءً مهمة في المنطقة والعالم، وبدأت تخلي مكانها لإسرائيل في إدارة مصالح الشركات الكبرى في الشرق الاوسط الذي هو قلب العالم.
المواجهات المقبلة في المنطقة لن تكون مع امريكا بَل مع اسرائيل مباشرة يسندها حلفائها من عرب حمقى يتربعون على عروش خاوية ستنهار بأول هزة لكنهم مهوسون بدور الشرطي الكلب الحارس لمصالح سيده مقابل ان يربت عليها ويقدم لها عظمة تقضمها بزهو وهي تظن انها سيدة الدار.
ستكون هذه المواجهات صعبة وسوف تترك جروحا غائرة ومتاعبها ستكون قاسية. واذا كان هناك من قبل في الحالة الامريكية احيانا من كابح، بحكم كون امريكا دولة كبيرة متنوعة المؤسسات ولها عراقة تاريخية تسبق تنامي دور الشركات الكبرى وسيطرتها على القرار السياسي. وهذا التنوع المؤسسي اوقف رعونة بعض سياسيها في بعض الازمات ولجم افكاراً جسدتها تصرفات رعاة البقر التي يخطط لها تجار الحروب من اصحاب الكارتلات في مناسبات اخرى. هذا الكابح لا وجود له في اسرائيل بالمرة بل بالعكس يوجد مضاد نوعي له يحرض على تدمير كل أعداء اسرائيل بلا اي شفقة ولا اي وازع او رادع. واعني بذلك أفكار التطرّف الديني المتغلغل في اساس وجود اسرائيل. فكر يعد الله ربا حصرياً لإسرائيل وشعبها المختار وسواهم من البشر ما هم الا “اغيار” وقطيع بلا راعي لا يتميزون عن الحيوانات بشيء ولا قيمة لهم فضلا عن ان تكون لهم حقوق.
اسرائيل تملك الصفتين معا الخبث والرعونة ولن يردعها شيء بل سيحرضها هذا الفكر التوراتي وبجنبه آلة عسكرية ضخمة ومتقدمة علميا ويعضدها رأسمال ضخم يسيطر على اقتصاد العالم يقابل ذلك كله تيه عربي كامل او كاد ان يكون.
وما يحصل في العراق الان وهذه الفوضى المتعمدة في ادخال البلد بأزمة حكم هو جزء من مقتربات هذا المخطط الصهيوني. السياسيون العراقيون الفاشلون اللاهثون وراء مصالحهم الشخصية هم سبب رئيسي بل هم الثغرة الكبرى التي تسللت منها الصهيونية للعراق. وقد لمست دوائر القرار والتفكير الصهيوني في هولاء الساسة استعدادا متوثبا للتضحية بكل شيء من اجل البقاء في سدة السلطة والحكم. فشلهم الذي لا يعترفون ولو بجزء يسير منه وجشعهم الذي فاق كل الحدود شكل قاعدة كبيرة لتنفيذ هذا المخطط الخبيث. في قادم الأيام يحتاج جميع المخلصين ان يتحلوا بحذر ووعي كبير وبنظرة استراتيجية بعيدة المدى لتحديد العدو الرئيسي الكبير الذي علينا مواجهته بقوة وبكل الوسائل والسبل وان لا نتهاون ولا حتى للحظة واحدة في مقاومته وافشال مساعيه. واول الامر علينا ان نقف وقفة شجاعة بوجه الفاشلين الذين يقدمون البلد ورجاله الشجعان الذين حفظوه من التقسيم بل الضياع لقمة سائغة للصهيوني ثمناً زهيداً لبقائهم في السلطة. ويا ليتهم يملكون حياءً وهم يفعلون ذلك فيتواروا ويلجئون لسرية الدعم والمساومة، بل بات تعاونهم مع العدو علنا جهارا لا رادع يمنع ولا ضمير يؤنب ولا خوف من حساب او عقاب. بل باتوا يتجرؤون على الفحش واشاعته.
الشعب الذي احبط المخطط الصهيوني متمثلا بالإرهاب الداعشي الذي صنعته امريكا وكلاب حراستها الاوفياء لها في المنطقة، هذا الشعب لن تقف بوجهه زمرة الفاشلين هذه، التي تستقوي بحصون لن تحميها وما ادركت ان الحصون لم تمنع احدا يوما ما. ولا امريكا واسرائيل كانت وفية لكلابها يوما، في كل المرات عندما كانت تشيخ كلابها كانت تطلق الرصاص عليها لان امريكا واسرائيل تؤمن بان لا كلاب سائبة اما تحت خدمتها او تموت وبيدها هي لا بيد غيرها ولكم في شاه ايران وصدام شاهدا ولا اقول عبرة لانهم لن يعتبروا.