تزداد يوما بعد آخر حمى الدعايات الانتخابية في العراق بشكل مبكر مع تساقط الكثير من أوراق التوت عن عورات الأحزاب والكتل الكبيرة التي بدأت بالانشطار الأميبي على طريقة بكتريا اليوغلينا وغيرها من أنواع البكتريا، فأصبحت عشرات الأحزاب بعد أن تخلت عن أسلوب أحزاب أنابيب الاختبار التي استخدمتها في الدورات السابقة لبرلمان إبطال الفساد العالمي، ليكون لدينا بعد التكاثر الأميبي ما يزيد على مائتي حزب مناضل من اجل القطيع الذي ما يزال يساق بالدولار والفتاوى الدينية وأوامر شيخ القبيلة.
وقد استهل حزب الدعوة وكتلته عملية الانشطار لكي يغلق أي طريق محتمل لحزب أو كتلة أخرى للوصول إلى دفة السلطة والمال، خاصة وان معظم مفاصل الدولة كان قد هيمن عليها منذ توليه مقعد رئاسة الحكومة وملحقاتها، وهذا يعني انه مع كتلته يتحمل كامل المسؤولية فيما جرى للبلاد، لأنه قبل مسؤولية الحكم بل استقتل من اجلها ومن اجل تكريس حكم الحزب الواحد من خلال الاستيلاء على كل مفاصل السلطة السياسية والمالية والعسكرية والأمنية.
منذ 2005 بلغت إيرادات العراق مئات المليارات منذ تولي كتلة القانون وحزب الدعوة حكم العراق، وارتفع حجم تصدير كميات النفط إلى ما يقارب الضعف عما كان عليه بداية العقد الماضي، مع ارتفاع كبير لأسعار النفط قياسا لما كانت عليه قبل 2003م، وهذا يعني انه كان أمام العراق فرص ذهبية للانتقال بشكل نوعي إلى مستويات حضارية رفيعة، خاصة وانه يمتلك قدرات هائلة بشرية كانت أم ثروات طبيعية، وباستثناء إقليم كوردستان الذي يتمتع باستقلال ذاتي منذ 2003م والذي حقق قفزة نوعية في معظم المجالات، لا نجد في العراق ما يشير إلى أي تقدم مذكور، بل بالعكس انحدرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية إلى حدود خطيرة جدا مع ارتفاع نسبة الفساد بشكل جعل العراق من أفسد وأفشل دول العالم حسبما ذهبت إليه منظمة الشفافية الدولية (EITI).
والغريب إن كل حملات مكافحة الفساد ومنظماتها الحكومية وغير الحكومية متهمة بالضلوع أو التستر على كثير من ملفات الفساد، ولعل ما يؤكد ذلك إن شخصيات قيادية بارزة سياسية وحكومية متهمة بـ ( هدر أموال الدولة ) وهو تعبير ناعم للفساد، كما في توصيف المالكي لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الشهرستاني في واحدة من اكبر عمليات الفساد الكهربائي التي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لحل مشكلة الكهرباء في العراق دونما شيء يذكر، وقد ذكر رئيس الوزراء في تصريحات عديدة، انه يمتلك ملفات فساد كبيرة على فلان وعلان من المسؤولين، ويهدد باستخدامها عند الحاجة، فإذا كان ارفع منصب في الدولة يتستر على ملفات الفساد ويهدد باستخدامها لأغراض انتخابية أو سلطوية، فما بالك بالآخرين؟
وما ذكرناه عن قطاع الكهرباء يعمم على كل الوزارات والمؤسسات، بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية والحشد الشعبي، والتي يقف على رأس هرمها قياديين في الأحزاب الدينية، وللأسف كثير من غير الأحزاب الدينية أيضا، والانكى من كل ذلك أنهم أنفسهم الحاكمين والمنادين في ذات الوقت وفي حمى الدبكات الانتخابية على مكافحة الفساد، فأي دولة هذه التي يحكمها فاسدون أوصلوها إلى الدرك الأسفل من مستويات الفشل والفساد، وما زالوا مصرين على ( قشمرة ) ناخبيهم المخدرين بالشعارات الدينية والمذهبية والأحقاد العنصرية والعنتريات الصدامية.
إنها إنتاج سايكس بيكو قبل مائة عام حيث صنعت دول وكيانات أساسها فاسد وباطل، لتستمر دوامة الحروب والتناحر، وتنخر فيها فايروسات الكراهية والعنصرية فتتآكل ويدمرها فاسدوها!