بالطبع وبالقطع , انّ هذا الإلفات ” هنا ” ليس بعقوبةٍ اداريةٍ تُستخدم في دوائر الدولة في الحالات القصوى للتقصير , رغمَ ان مثل هذه العقوبة هي اهون بكثيرٍ وكثير من ايّ عقابٍ سياسيٍ او مرادفاته او افرازاته , واللهمّ احصر انواع العقوبات بالفاسدين والمفسدين .
ما حدثَ في اسطنبول في الأسبوع المنصرم منْ ” فعلٍ و ردِّ فعلٍ ” كان حقّاً ملفتاً للأنظار وجديراً بالتأمّل < قياساً الى ما يجري في العراق تحديداً > , فعلى مدى يومين متتاليين وقعت 3 جرائمٍ او حوادثٍ ارهابية كانت اولها ” احتجاز المدعي العام التركي لأسطنبول داخل مكتبه في الطابق السادس من ” قصر العدل ” , وكانت الثانية الهجوم المباشر على مقر حزب العدالة والتنمية , والأخيرة الهجوم المباشر ايضا على مقر قيادة الشرطة في مدينة اسطنبول , والهجمات الثلاث قامت بها منظمة يسارية ماركسية كانت قد اوقفت عملياتها التي تسميها ” بالثورية ” منذ سنواتٍ طوال .. لمْ يكن مكان اقامتي بعيداً عن مسرح العمليتين الأرهابيتين الأولى والثانية , وبسبب الفضول الصحفي وجدتني اهرع الى اقرب نقطةٍ لمكان الحادث في كلتا العمليتين لمشاهدةِ ومتابعةٍ ما هو اكثر جاذبيةٍ للفضول , ما فاجأني ” اولاً ” أنّ اجهزة الأمن التركية لمْ تغلق الشوارع البعيدة والقريبة عن منطقة الحدث , ولم توقف الحركة على الجسور , كما لم تقم بنصب ” نقاط سيطرة ” وقتية او مفاجِئه , كلّ ما جرى هو التطويق الأضيق للأمكنة التي وقعت بها العمليتين , وبقيت اسطنبول تسهر الى الى الصباح في البرّ وفي البوسفور بكلِّ ما تحمله معاني السهر , فهي مدينةٌ يزورها 15 مليون سائح سنوياً اي بعدد نفوسها , ولم تتأثّر حركة السير قط اثناء اقتحام القوات الخاصة لمكاني الجريمة ..
الأمر الثاني الملفت للنظر , أنّ المخططين والمنفّذين للعمليات الأرهابية الثلاث كانوا على دراية كاملة بأنّ عملياتهم ستؤدي الى مقتل الأعضاء المنفّذين على ايدي رجال الأمن الأتراك .! وما يجتذب التوقّف عنده في ذلك , أنَّ هذه التنظيمات اليسارية المتطرّفة لا تؤمن ولم تستخدم يوماً اسلوب العمليات الأنتحارية او ما يُصطلح عليه ” زوراً و بهتاناً ” – بالعمليات الأستشهادية .! –
لَفَتَ نظري ايضاً أنَّ تلكم العمليات قد تزامنت ” تقريباً ” بعدَ يومٍ واحد من الإنقطاع المفاجئ والمذهل للكهرباء عن عددٍ من المدن التركية بما فيها العاصمة انقرة واسطنبول .! ولعلّهُ من المصادفةِ المدروسةِ أنْ ترافقَ كلّ ذلك مع انعقاد المؤتمر الدولي للأضواء في اسطنبول .! , ومن المثيرِ للغرابة أنّ كافة وسائل الإعلام التركية لمْ تذكر او لم تستطع أنْ تذكر ايّ سببٍ او مسوّغٍ لِما قادَ وادّى لإنقطاع الكهرباء , لكنّ الأشدّ غرابة في ذلك هو ما انتشرَ في الشارع التركي بأنّ قطع الكهرباء كانَ متعمّداً ومفتعلاً منْ جهةٍ خارجيةٍ بسببِ موقف الحكومة التركية من < عاصفة الحزم > وتأييدها للملكة العربية السعودية في احداث اليمن , وقد سمعتُ ذلك شخصياً منْ اصدقاءٍ اتراك وسوريين مقيمين في اسطنبول وكذلك من أُناسٍ غير اصدقاء ..
الخلاصةُ التي من المفترضِ أنْ تغدو مستخلصة ” بقدرِ تعلّقِ الأمر في العراق ” هي كيفية التعامل مع العمليات الأرهابية منْ دون قطع الشوارع والجسور والتشديد والتأخير في ” السيطرات ” بسببِ عبوه او مفخخة وبدونِ اشتباكٍ مباشرٍ مع ارهابيين , وحبّذا لو لايكون هنالك ايّ إنفعالٍ مرتجل من الأجهزةِ الأمنيّةِ في معالجةِ هكذا عملياتٍ , وفي الوقتِ الذي لمْ يعد الجمهور منفعلاً تجاهها بسببِ الإدمان واليأس منَ القُدراتِ الأمنيّةِ في معالجتها , والتي لا يبدو في الآفاق انها قابلة للعلاج والشفاء .!