23 ديسمبر، 2024 2:44 م

إحتفلنا بوصول أول طائرة أمريكية من طراز(F16)، لكن لم يزل الأمن مفقوداً، بل تفاقم في ظل الأحداث المتسارعة،التي لم تسعفها كل تلك القوات، ولا الأسلحة المتنوعة التي تعاقدنا عليها من الشرق والغرب، والتي شاب بعضها، شبهات الفساد، فيما ( طمطم) عن بعضها الآخر، في داخل الملفات المستورة، التي لاتظهر للعلن، الا في الأزمات وإختلاف الرؤى ووجهات النظر. 
ويبدو، أننا أصابتنا عدوى حب التسلح، ولم نستطع، إجتثاث، العقدة المتأصلة في عقول الحكام، الذين يرون أن الحكم لايستتب الا بوجود جيش اصيل وآخر رديف، وأسلحة من جميع الدول الصديقة، وما أكثرهم، فيما لاتجد وسط حالة التلويح بالحرب، او القصاص، فرصة موازية، لإلتقاط الأنفاس، ومد يد العون والمصالحة الوطنية معاً. 
نعم وصلت الـ (F16) ، وبتنا ننظر الى السماء، لنرى مثل هذه الطائرة التي كانت في يوم ما تمطرنا بنيرانها، قد أصبحت ملكنا، وتطير بإجوائنا لتلقي التحية والسلام، أو الصواريخ الصديقة والبراميل المتفجرة، ويحق لنا من الآن ان “نهتف” و”نزامط” بتلك الاهزوجة : “اشحده اليوصل يم حدنه”.
رهان كبير من أصحاب القرار، وضاربي الدف والنقار،على هذه الطائرة، في وقت، تشهد مدن ومحافظات حرباً ضروساً، ضحاياها أطفال ونساء وأبرياء، وقعوا بين مطرقة المدافع، وسندان المفخخات. 
لاشك أن الوطن يحتاج الى السلاح، لكن من دون أن يكون نهباً في أية لحظة لقوة هنا أو قوة هناك، فشرف العسكرية، كما تعلمنا، مرتبط بهذا السلاح، فلايهان تحت أي ظرف، مثلما لايوجه الى صدور المواطنيين.
بالتأكيد ، كل عراقي يتمنى ان يعاد تأهيل الجيش، حتى يتمكن من فرض سيطرته على ارض الوطن واجوائه، لكن هذه الاسلحة ، وتلك الطائرات ، والمدافع ، والدبابات ينبغي ان لا تكون أداة لإستهداف المدن والأحياء السكنية، والمرافق العامة، فيما يترك العدو الحقيقي يبسط نفوذه على ارض الوطن ، ويتحرك تحت اغطية عديدة لتحقيق اهدافه.
واذا كانت الموازنة ترصد 19% على الجيش والتسليح ، فان انعكاسات ذلك ينبغي ان تكون لصالح المواطن وليس ضده، بحيث يصبح الجيش الذي يعبر عنه بأنه “سور للوطن”، جهاز امني يلاحق المدنيين ويقصف البيوت والمساجد والمستشفيات.
لا شك هناك عصابات إرهابية ، يتطلب ملاحقتها ومواجهتها بقوة، لكن هذا لا يبرر ان “نحرك الاخضر واليابس”، وبعدئذ تأتي مرحلة التعويضات ، فالمدن ليست ساحة حرب، والبيوت ليست اهدافا جوية او مدفعية ، والمدارس والمستشفيات ينبغي ان تكون بمنأى عن العمليات العسكرية ، لكن ما يحصل اليوم كارثي بكل معنى الكلمة، والصور تعبر عن نفسها من دون الحاجة الى تعليق.
ربما كان لأفعال من هذا النوع، ردود غير سارة، ما يدفعنا وسط لجة التصعيد، وفي خضم المواجهات التي خرجت على السيطرة، الى الدعوة، الى إيجاد أواصر جديدة لإعادة اللحمة بين أبناء الوطن، لتطهير الاجزاء التي دنست منها، وتحقيق التواصل بين العراقيين، وهذه المقدمات لعلها السلاح الأمضى، لخلق الإستقرار والأمن في ربوع الوطن الكبير، بل هي أقوى من تلك الطائرة التي إحتفلنا بقدومها، والتي نتمنى منها المزيد، للدفاع عن ثرى العراق، من كل عدو يريد النيل من كرامتنا وسيادتنا، وهذا يتطلب بناءً صحيحاً للمؤسسة العسكرية، على أساس الكفاءة، والعقيدة العسكرية السليمة ، الخالية من كل ضغينة ورغبة في الإنتقام.     
كنا نتمنى ، ان نحتفل باستمرار الكهرباء الوطنية لمدة 24 ساعة .. كما كنا نتمنى ان يحصل المواطن على حصته التموينية كاملة غير منقوصة، وان يصدر العفو العام عن كل المعتقلين الابرياء ، وان نعقد مصالحة وطنية حقيقية بعيدا عن الخطابات ، وان يجني العراقي بعض استحقاقاته في العيش الكريم والسكن الآمن، وان يطوق الفساد ، ويتحقق الاستقرار داخل الاسرة والمجتمع عموماً.
امنيات كثيرة ، طاشت وضاعت، فيما بقي الحديث عن مميزات الطائرة  الـ (F16) وصفقات كثيرة ، مغمسة بالفساد والدم معاً، لخوض حروب ومعارك داخلية، مرة في غربي العراق، واخرى في شماله، وثالثة في وسطه، والحبل على الجرار.