18 ديسمبر، 2024 10:18 م

الـوطـن الافـتـراضـي

الـوطـن الافـتـراضـي

كالزئبق انزلق من السرير .. لم استطع النوم رغم ان الكل هنا نائم , شخص غريب أنا فقد ظله , غدرني النوم , كعادته هرب وتركني أسير السهر من جديد , أتخبط مع نفسي , رحت أتلمس الحائط الرطب بأنامل جافة وأتمتم تعاويذي المعهودة … انزل لأصل إلى الباب وأتلمس المقبض أكتشف بأنه مجرد رسم لا استطيع ان افتح الباب !
في الخارج ليلا …الهواء البارد يترصدني وأنا في قبضته ارتجف , اتابع المشي وأتعثر فوق ارض لم أعهدها من قبل , حتى هذه الأرض أحسها ترفضني بشكل سري !
بدون وعي مني أواصل المسير … أتكلم مع أطياف مجهولة أحسبها قربي ….اهمس لها …اشتقت لك ! …أريد ان أراك مرة ثانية …يصرخ صوتي بصمت في داخلي لا أريد … هنا حيث اللاعودة , ما العمل اذ استمر الوضع نحو الأسوأ ونفذت قطرات الأمل وأصبح الواقع هو سيد الموقف ؟
لا رد !
لا جواب !
يبدو ان الأطياف غادرت على عجل , تركتني وظلي المنعكس على بقعة متجمعة من ماء المطر !
حزن رقيق يغلفني وكلمات محتارة في معانيها تبحث عن مكان للإعراب او هامش في صفحة كتاب منسي تستقر فيه ولو بشكل مؤقت لحين يأتي وقت تضمحل فيه وتمحى بهدوء , حتى متى يتلبسني ذلك الشعور الغريب ؟ كروح معذبة أضلت طريقها الى حيث النور…
أصبحت ذلك الشخص الذي يفكر كثيرا ويحزن قبل ان ينام , حيث إن البقية لا تأتي , وانا مجرد رقم في سجل ما يسمى بالإنسانية , لا حل !
لست من اختار العيش في زمن الحرب والسلم المزيف , ما ذنبي في كل ما يحدث ؟ ببساطة أريد ان أعيش بسلام حقيقي بعيدا عن لعبة خلط الأوراق وصفحات الأجندة الخفية , هل ما اطلبه كثير ؟
تتمايل ألأغصان المرسومة على أطراف الطريق وتهمهم مع بعضها , اشعر بأنها تتضامن معي وتتحد بي وتضم صوتها الى صوتي
مأساتي وعذاباتي سوف لن تبقى سرا خفيا أحمله في أعماقي لتتحول إلى سوط يجلدني في كل ليلة ويعكر صفو أيامي القادمة , يكفي … لن اسكت , صوت صارخ في البرية أنادي … اصرخ كفى , فأنا لست كباقي أفراد القطيع الذين اكتفوا بالمشاهدة والصمت الخائن واختفوا بعد لحظة سطوع الحقيقة في معتقل السكوت .
أتنهد … تخرج كلماتي عبر التنهيدة مطالبة بالحرية و بالإفراج عنها , أنفاسي مرهقة من حمل صراخ عذابك يا مدينتي وأنت تتألمين بجريمة من ظن نفسه إلها واغتصب من وجهك الفرح .
كهارب الغضب في جسدي راحت تعلن عن احتجاجها الرسمي , لم اعد احتمل هذه المهزلة , ولم اعد احتمل هذا الحزن الشرير الذي يعطي لنفسه الحق ان يسكن فينا حتى في الوطن الافتراضي .
فجأة تشتد ريح البرد في الشارع وتعربد , ويزداد الليل وحشة وسكون , تتجمد إطراف الأشجار من حولي , اعتذر منك أيتها الأغصان .
غدا سوف تكون لي زيارة أخرى وقصة نوم جديدة ارويها لك , اغفي ألان في أحضان سيدة الشتاء ,
غدا سوف تذيب شمس الصباح الدافئة أطلال حلم تشكل في ليلة برد مؤرقة بأحداثها القاسية .
أقرر أن ارجع مرغما إلى غرفتي الجديدة التي لما اعهد ثناياها بعد , وأن اصنع لي فنجان من القهوة رغم إن الكل نيام ! وربما اتصل بصديق لي في الوطن البعيد حيث انتظر رده أو أن استمع إلى رسالة صوتية له في هاتفه تخبرني بأنه قد انتقل إلى العالم السفلي وأظل الطريق هناك هو الأخر .