19 ديسمبر، 2024 9:40 ص

الــــمـــالــــــكـــــــي

الــــمـــالــــــكـــــــي

ونحن ندخل في السنة الاخيرة من حكم السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في فترته الثانية يصبح من المفيد الوقوف قليلا عند تلك الفترة وتأملها بشيء من التجرد والموضوعية قدر المستطاع ، لقد سجلت العين المحايدة قبل الكاميرات ثلاث مواقف للمالكي اظهرت جانبا مهما في شخصيته كان اولها ثباته في المؤتمر الصحفي مع بان كي مون عند حدوث انفجار قريب والثاني تصرفه اثناء رشق بوش بالحذاء  والثالث موقفه في المؤتمر الصحفي مع اوباما في واشنطن حول مطالبة الاسد بالتنحي . هذه المواقف لاتحتاج لمختص في التحليل النفسي والسلوكي ليقول ان الرجل يمتلك قدرة عالية في الثبات والاتزان والشجاعة والهدوء . رجل اتهمه خصومه بالعمالة لايران تارة ولامريكا تارة اخرى ! وهو اتهام لايقل سذاجة وكوميدية عن ماكان يتهم الناس به في الحقبة السابقة انت اما شيوعي او في حزب الدعوة والمنطق يقول لايمكن ان يكون عميلا مزدوجا او عميلا لايران حصرا وتتركه امريكا ولايمكن ان يكون عميلا صرفا لامريكا وتتركه ايران ، ذات المنطق يقول انه الوحيد الذي نال قبول الطرفين فتوافقا عليه . ومن هذه الناحية يمكن اعتباره عميلا ولكن بالمنطق نفسه الذي نحكم به على كل الزعماء العرب انهم عملاء . فلا احد يملك استقلال كامل وبضمنهم المالكي  وحتى ايران الاكثر استقلالا في المنطقة والاكثر بعدا عن التأثير الامريكي تتخذ بعض القرارات بما يوافق الرغبة الامريكية منعا لاستفزازها.
  نحن ازاء رجل قبل او سعى لقبول مهمة صعبة في وقت عصيب بحث عن السلطة برغبة قبل ان يذوق حلاوتها وعشق الكرسي حتى قبل ان يجلس عليه ولايختلف في هذا عن الاخرين لكنه يختلف عنهم انه كان يريد الكرسي والسلطة لطائفته اكثر مما يريدها لنفسه ولايريد مغانمها لا لطائفته ولا لنفسه وإن استأثر بالبعض منها مقربين منه، وان اكثر ما يرعبه ضياع السلطة من قبضة الشيعة لا من قبضته ،  وهذا لايعني ابدا انه طائفي فسجله يخلو من اي اتهام ( حقيقي وموضوعي ) بالطائفية بل يعني تصرفا فطريا لرجل نشأ نشأة دينية وتركزت في اعماقه (مثل الكثيرين ) عقدة الخوف من عودة الزمن الماضي البغيض .  تركة ثقيلة من الخراب والدمار والعنف والفساد وامتهان لكرامة الانسان ورثها واكتشف بعد وقت قصير انه مُحارَب وان يده مغلولة وان الكل حتى حلفاؤه يضعون العصي في عجلة قاطرته ، قاطرته التي وضعها على سكة لا تؤدي الا الى هدف واحد وطريق واحد ( ماننطيها ) . ولانه الرجل القوي لم يثنيه ذلك عن الاستمرار بثبات وصبر وبرضا امريكي مغرم بطبيعته بالحكام الاقوياء بغض النظر عن اشياء اخرى ، قطع شوطا وبذل جهدا في تأسيس جيش وشرطة ومنظومة امنية لاينكر دورها رغم الكم الهائل من الملاحظات عليها وتعامل بحكمة مع الفتنة الطائفية وساهم في اخماد نارها ولو مؤقتا وساهم في عودة الحياة الطبيعية الى العاصمة وبذل جهدا محمودا في استعادة هيبة الدولة والقضاء على بعض الازمات  وانتهج سياسة خارجية عاقلة كان من بين ثمارها اخراج العراق من طائلة عقوبات البند السابع . لذا فان هذا وغيره سيكون كثيرا بالنسبة لرجل يعمل منفردا الا من قلة من المقربين  وحوله الكثير من الراغبين في تعثره وفشله ، رجل وجد نفسه في كيس مغلق ومعه مجموعة من القطط . قطط غبية تترك مؤشرات الخلل الحقيقية وتتجه للتشنيع عليه كذبا انه كان بائع للسبح وتنسى ان الناس تعتبر العمل ( مهما كان ) فخرا ، يركزون على تهم لادليل عليها اتجاه فرد او مجموعة او طائفة ويغفلون عن اخفاقات وفشل حقيقي وقع فيه المالكي ويتعلق بكل طوائف الشعب العراقي مثل اخفاقه التام في تربية المنظومات الامنية على احترام حقوق الانسان وايقاف امتهان كرامته للحد الذي وصل حتى للدوائر المدنية ، كذلك استشراء الفساد في عهده وعدم مبادرته الجادة والواضحة في محاربته ، وكذلك تقريبه لعناصر حزبه بغض النظر عن الكفاءة  ، نعم فشل الرجل في ملفات كثيرة، فشل في تنمية وترسيخ الشعور بالانتماء الوطني لا بل عمل على تغليب الانتماء العشائري فشل في ملف الكهرباء وكان بامكانه ان ينجح فيه ويترك اثرا .انشغل او فشل تماما في الالتفات الى الفقراء والمعوزين وساكني بيوت الصفيح وملتحفي السماء فشل في توفير مفردات البطاقة التموينية وتحسين مستوى الخدمات الصحية ، سلسلة طويلة من الاخفاقات والفشل والنجاحات رافقت المالكي لكن هدفه الوحيد وخبث خصومه جعلاه يغفل عن الكثير ويقل تركيزه ويتشتت فكان بامكانه ان يركز على قطاعات محددة مثل الكهرباء ويوكل ملفه لغير الشهرستاني ويطلب انجازا واضحا وسريعا وكان سيحصل على نتيجة بوقت مبكر ، كان بامكانه ان يستصلح ملايين الدونمات ويوزعها على الفلاحين ويحقق اكتفاءا للعراق لبعض المحاصيل ويوجد فرص عمل ، كان بامكانه ان ينشئ شبكة طرق حديثة ووسائل نقل متطورة وسريعة وفي عموم العراق عن طريق الاستثمار ولا يكلف ميزانية الدولة درهما لكنه لم يفعل  ، كان بامكانه ان يستعين حتى بالشيطان لوقف مسلسل التفجيرات المستمر كمسلسل مكسيكي في عالم ليس صعبا فيه استقدام الخبرات والامكانات الامنية فلا يظن عاقل ان ضاحي خلفان هو من يحفظ امن دبي ولا محمد بن نايف او سلفه كانا يكتشفان خلايا القاعدة في السعودية لكنه حتى لم يبادر لهذه بل بقي معتمدا على كفاءات وامكانات وقدرات فقيرة ، حتى ابسط الناس واكثرهم جهلا وامية يدركون ان الحل الامني يكمن في العمل الاستخباري ، اختراق المجموعات المسلحة وتسخير الاتصالات واجهزة التنصت والتكنلوجيا الحديثة عموما وتجنيد المتطوعين باغراء المال وشراء المعلومة بثمن مجزي  كان سيكون كفيلا بعمل شيء لكن اي من هذا لم يحدث وان حدث بعضه فبطريقة بدائية غير منتجة ، عموما علينا ان نثق بسلامة نيته ونحترم شجاعته ونقدر الظرف الذي عمل فيه ونتفهم المعوقات التي واجهته والهجمات والطعنات التي تلقاها وارتباك المشهد الذي شغله عن ترك بصمات حقيقية مؤثرة في مجالات تهم المواطن البسيط وعلينا ان نشكر له تحمله للكثير من الشتائم القبيحة والتهم الباطلة وان نشكر له عدم تعرضه لصاحب رأي .

أحدث المقالات

أحدث المقالات