7 أبريل، 2024 12:20 ص
Search
Close this search box.

الــثــقــة

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان اكثر الازمات التي يعاني منها المجتمع العراقي يرجع اساسا الى التصدع الحاصل في جدران الثقة او انهيارها بشكل كبير.الثقة كلمة غريبة على مجتمعنا من الناحية العملية ، ان وجود الثقة يولد الطمانينة والارتياح لدى الانسان ، وتجلب  الثقة معها السكون ايضا. وعدم الثقة، يولد الاضطراب والخوف والقلق. ان الثقة هو رابط اساسي في تكوين العلاقة بين الافراد في مجتمع ما، ان مفهوم الثقة منتشر في  المجتمعات المتقدمة بشكل كبير، وكل شي قائم على اساس الثقة المتبادلة بين افراد المجتمع، والحكومة وموسساتها. ولعلي لا ابلغ اذا قلت ان الكلام عن الثقة في مجتمعنا امر بالغ الصعوبة، والسبب يعود الى اننا فقدنا هذا الحس منذ  زمن بعيد  وخلال العقود الماضية وتحديدا في عهد النظام السابق، حيث كان الاخ لا يثق باخيه، وامه، وابيه، وصاحبته، وبنيه، الشك كان المفهوم السائد تجاه الكل، ولعل الشك كان يقرا من العيون، واليوم ايضا هناك مشكلة وازمة ثقة حادة، يعيشها مجتمعنا ابتدا من الاسرة، ومرورا بالمدارس، والمستشفيات، والجيش، والشرطة، ودوائر الدولة، والاعلام، والتجارة، والباعة المتجولين، و(الحصة التموينة) ووكيل الحصة، ووصولا الى الكتل السياسية ، والحكومة،  والتعيينات والمائة يوم ، والقائمة تطول ، هناك عشرات الامثلة  نستطيع ان نسردها في كل مجال،  وقطاع انفة الذكر. ولعل قضية عرس الدجيل، التي شاهدنا تفاصيلها على التلفاز، وعشرات الحوادث المشابهة التي لم يتطرق اليها الاعلام، والتفجيرات المتكررة التي تستهدف التركمان، في طوزخوماتو، وكركوك، وبقية المناطق التركمانية، ادت الى اهتزاز كبير في اطلال  الثقة  المتبقة لدى المواطن، تجاه الاجهزة الامنية والجيش ودوائرالدولة  والثقة تكاد تكون شبه معدومة في عموم العراق، لكثرة الحالات والحوادث التي  واجهناها في حياتنا اليومية، بدرجة ان دخل معنى هذا المصطلح في الامثال والاقوال اليومية ايضا (الحيطان إلهة اذان) و( بأبوية ما اثق) و(عصفور كفل زرزور إثنينهم طيارة) و(ماكو ثقة) و(عزيمة الحصيني واللكلك) والخ. وهنا يتبادر هذا السؤال للاذهان، هل يثق الفرد العراقي بالاشخاص من حوله؟ او بالموظف الحكومي لكي ينجز معاملته بالوقت المناسب؟ واكاد اجزم بان المواطن عندما يتوجه الى دائرة حكومية، لانهاء معاملة رسمية فانه يملك شعرور كبير بعدم انهاء معاملته في نفس اليوم، دون ان يقول له الموظف (باجر تعال) او كلمة(ميصير)!!
 ففقدان الثقة، وغيابها أصبح ظاهرة اجتماعية ملفتة للانتباه، تحتاج إلى تشخيصها ودراستها، وذلك بتحديد الأسباب وطرق العلاج وعوامل استرجاع هذه الثقة الغائبة، وترسيخ قواعدها والقناعة الثابتة من كل الأطراف المشكلة على المستوى  السياسي والاجتماعي والثقافي بضرورتها وأهميتها، وتثبيت دعائمها في النفوس والقلوب قبل الواقع والميدان. وهناك عدة عوامل التي تنتج فقدان الثقة وغيابها،  واعادة الثقة مرتبطة بمعالجة تلك العوامل التي يودي وجودها وانتشارها في المجتمع الى استعصاء حل هذه الازمة، وهذه العوامل باختصار : انتشار الكذب والشائعات،والنفاق، وحب السلطة، وسوء الادارة، والشك المتبادل، وغياب العدالة، وقلة الاخلاص، وعدم الوفاء بالوعد، والاستبداد، والاستحواذ.
 نحن اليوم بحاجة ماسة الى اعادة بناء الثقة، بين افراد المجتمع ، وبين الحكومة والاجهزة الامنية من جهة، والمواطن من جهة اخرى. الثقة هو الاسمنت الذي يقوى به دعائم الحضارة والتطور، اذا رايت تطور وتقدم في اي عمل او ميدان فاعلم بوجود الثقة بشكل كبير. ويتم اعادة بناء الثقة عن طريق صدق النوايا ، وقول الحقيقة، وتحقيق العدل، والعزوف عن الانانية، وتحسين الادارة وتطويرها، والاخلاص في العمل، والوفاء، ونشر وصيانة ثقافة حقوق الانسان، و تشجيع ثقافة الكفاءة على حساب ثقافة الولاء في تقلد المسؤوليات، وتغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والشعور بالمسوولية، ونشر ثقافة الحوار، ونبذ الاقصاء، وتجاوز النظرة الضيقة والايمان بالتعايش الجماعي والسلمي، ومحاربة كل مظاهر الفساد المالي، والاداري، والسياسي، والاجتماعي. 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب