لحظة 2005 الفارقة، وهي اللحظة الأولى التي استطاع فيها العراقي بالتصويت بديمقراطية. حيث تذوق ولأول مرة طعم الحرية. ففي هذه اللحظة وضع صوته في الصندوق دون الخوف من الرفقاء الحزبين الذين كانوا واقفين على رؤوس الناخبين, ولم يكن عليه الاختيار بين صدام حسين و أبو عدي ! وعندما تضع صوتك في الصندوق لم يكن عليك الخوف من تقرير حزبي يذهب بك بنزهة في فنادق الأمن العامة. إن أكثر البلايا شراً هي الأكثر اضحاكاً للناس، فمن يعيش طويلاً يرى كثيراً من عجائب الخلق. كان اجتماع معارضي الشيعة، ضمن قائمة واحدة، شيئاً منطقياً بعد نحو عقدين من معارضة صدام، وأيضاً كانت مسألة دعم الـ 169 مسألة طبيعية، ولم يعترض عليها أحد بتلك الفترة. قائمة انتخابية بمباركة من زعيم شيعي يعتبر صمام الأمان لهذا البلد. نظام الحكم الذي تأملنا به خيرا بعد سقوط البعث العفلقي لم يجد طريقة من طرائق إذلال و احتقار الشعب، إلا واتخذها سبيلاً لاستهداف المواطن في معاشه وأمنه و استقراره، وخدماته. يتعامل المتحكمون بالعملية السياسية على أن العراق دولة وليس وطناً. دولة ثرية يعيش فيها شعب يتكيف مع الظروف، لا يفكّرون بمصلحة الوطن إنما بمصلحتهم. ولا ينظر إلى مستقبل الوطن إنما إلى مستقبله الشخصي. من حسن حظ الكتل أن المواطنين لا يحفظون الوقائع في ذاكرتهم، فسرعان ما يتم شطبها فالمواطن بشكل عام ينسى بسرعة في هذا الوطن. يلزم الكثير من الخيال المفرط في الكتابة لكي يصور المرء مستقبل الوطن. تتعقد اللوحة العراقية أكثر فأكثر مع بروز ملامح حكومة جديدة قد لا تختلف عن سابقاتها ! تعددت الحكومات التي مرت على العراق، وقبل كل تشكيلة يحدث التقارب والابتعاد، جميعها تدعو إلى رفض المحاصصة والطائفية والاستعانة بالخبرات الوطنية وضرورة التمسك بالقرار الوطني المستقل. إلا إن ملامح الحكومة القادمة تبين أنها خارج منظومة الرشد في عالم إدارة الحكم. لقد دفع سكان العراق ثمن سكوتهم ومباركتهم لهذه المسيرة. الذي يُحيُّرني حقاً هو ذلك الانتظار، انتظار المجهول كل شيء ينهار الآن أمام أعيننا والحكومة تبدو قليلةَ الحيلة. متى تنفجر الفقاعة الكبيرة التي هي منفوخة ما يقارب خمسة عشر سـنـة.