الـعراق بين الاسـتـقلال السياسي والاستقلال الوطـني

بـعد أن احتلت بريطانيــا العـراق بتاريخ 1917/3/11 .. تــم تشـكيـل اول حـكومـة مـؤقـتـة بتاريخ 1920/10/25 ، بعـدهـا
وبـعـد مشـاورات واختـلافات داخليــة ، وأخـيرا تـم الاتـفـاق على شـخصية عربيـة هاشـميـة مقبـولة لدى الجميع ، مع ملاحظة (( الاختلافات
قـديمـة وليست وليدة اليوم )) ذلك هـو (( الملك فيصــل الأول )) ملكاً على العـــراق ، وتم تنصـيبـبه بتـاريخ 23 /8 / 1921 ، وظــــــــل
الاسـتقـلال مـنـقوصاً بـسـبـب الانـتـداب البريطانـي على العراق الى أن جــاء الاسـتـقـلال السـياسـي بتاريخ 30 حزيران 1930 عـنـدمـــــا
تـم إبـدال ” المـنـدوب الســـامي ” (( الــذي كان يرتبـط بـوزارة المـسـتعمـرات البريطانـيـة وبالسفير الذي يـرتـبط بوزارة الخــارجـية ))
وكان يمكن ان تـتـحول الـخـيوط الاولى لـفـجر الاسـقلال الى ضـوء غامر الا إنـهـا ظلت مـتخـلفـة عـن التـرجمــة الحـقيـقـيـة والمـعأنـــــــي
السـامـيـة لإسـتـقـلال مـتـكامــل ، ذلك لإن الاســتقـلال الذي يـأتـي كـمـنـحة أو هـبـة نـتـيجـة تـسـويات وتـرتـيـبـات سـياسـية يبقــــــــــــى
عـرضـــة للاهـتـزاز عـند هـبـوب أيـة ريـاح مـعاكسـة ، وجـاءت بـعـد ذلك (( المـعـاهــدة الـعراقيـة _ البريـطـانـيـة )) والـتي عـقـــــــدت
بـظـروف غـير طـبـيعية ، إذ ان بـعض مـوادهــا تـثـلـم الـسـيـادة العـراقـيـة .
وبـعـد انـتـهـاء الـحـرب العالمـــيـة الـثـانـيـة فـي عـام 1945 وقـيـام هـيـئـة الأمـم الـمـتحـدة ، بــعـد تلك الحـرب التـي اسـتمرت ما بين
1939_1945 ، فـجـاء مـيـثـاق الأمـم المـتحـدة ومـبـدأ جـديـد هــو الـعـلاقـات الوديــة بـين الأمـم كــافـــة على أسـاس احـترام المـبـدأ
القـائـل بـحـقـوق متـسـاويـة للشــعـوب يحـفـظ لها الحـق فـــــي تـقـــريــر مـصـيرهــا واتخاذ الـتدابـير الأخـرى الـملائـمـة لـتعزيـز الســلـم
الـعـام ، وبـنـاء على مـاجـاء بالـمـادة المذكورة فـقــد تـم الغــاء المـعـاهـدة العــراقـيـة _ البريطانيــة والتي كان مفعـولهـا ينتهي عام 1957،
فـتـمـت الاســتـعانـة بالامـم المتـحـدة .
وبـعـد تلك الـفـترة التي أعـقـبت انتـهاء المعاهـدة المذكورة ، بـقـي الـعــــــراق في ظـل الـنـظـام المـلكــي ، الى أن جـاءت ثـــــــــــورة
14 تـمــوز 1958 وحــل النظـام الجمهــوري بزعامـة عــبـد الكـــريم قـاسـم ، وبــدلاً مـن أن تــؤدي ثورة تـمـوز الـى الانــصهــــــــار
الوطـني المتكامــل ، بقـي البـعض من العـراقيـين وكـأنهـم يـنـتـمـون الى بلدهـم بالمـنفعـة والمصالح الضيقـة وليـس بالتـراث والحضـــارة
والتـاريخ ووحـدة الهـدف والمصـــير .
لــو تـم التـوجـه الحقـيقي مـنـذ عـام 1958 وبعد ثـــورة 14 تموز وغايتهــا الاسـاسية لتـجـنـب العــراق تلك الـمآسـي للسـنوات التي مــر
بـهـا نـتيـجة الـسـياسـات الخاطـئـة .. وجاءت بعـد كل ذلك حــرب الخليج الثـانيــة في 1991/1/17 والتي استمرت لنهاية شباط 1991
والحصــار الذي ظـل العراق يـنوء مـن وطـأتـه للفترة التي تلـت غزو الكـويت الى حين احــــتـلال الـعراق مــــن جديد في 2003/4/9
ولـكـن هـذه المـرة رجــع العــراق للاحـتـلال من جـديـد ، ولـقـد أثـبـتت إرادة العـراقـيـين انها اقـوى من أيـة عـوامـل سـلبـية إذ نــراهــم
يـصّـرون على الخـروج مـن المـحنـة والمآسـي ومـن بيـن الانقـاض والآلام والـدمـاء والـدمـوع من أجل ان لا تـهـز الوطــن أيـة ريـــــاح
أو عواصـف .
لقـد مـّر العـراق بأكثـر من مخاض عـسـير شـكل خوفـاً عليـه .. ولكن يخرج من مآسـيه ، من خلال التـمـسك بالسيادة والحرية والكرامة.
سيبقى كل شـبر من ارض العراق مقدساً ، فالتضحيـات والدمار والخراب سـيكون مشـبعاً بالدروس والعـبر التي تشـكل الدعائـم الثابـتـــة
للبـناء السليم والقوي .. ونحن نعيش هذه المرحلة المصيريـــة القاسية .. و بعـد ان يتخلص الشـعب من عناصر الامـية السـياسية ومافيـات
الفسـاد التي نخـرت ميزانيـات لعــراق ..وتعـود الامور الى نصابهـا من خلال الكفاءات العراقية المعروفة .