مما مضى ذكره فإن عقيدة التنزيه تؤمن بالغيب، لكن لها منهجها الخاص الذي قد يلتقي في بعض مفرداته مع بعض المناهج الدينية، وتفترق عنها وتخالفها في مفردات أخرى، وتقف موقف اللاحسم واللاأدرية تجاه مدعيات دينية غيبية، مما يُعَدّ من الممكنات العقلية، من هنا فالعقل المجرَّد والمتجرِّد لا يستطيع القطع في تكذيب تلك المقولات، كما لا يستطيع أن يُقرّ بصدقها، لاسيما إن الأديان تعتبر مصادر معرفة غير موثوق بها بالنسبة لها.
بشكل عام هناك من الغيب ما هو واجب عقلي، حسب المدارس العقلية أو الفلسفات الإلهية، لذا يجب التسليم بصدقه، ومن الغيب ما هو ممتنع عقلي، يجب القطع في عدم صدقه، وهناك قسم ثالث من الغيب هو الغيب الممكن، فلا هو واجب عقلي، يجب التسليم له، ولا هو ممتنع عقلي، يجب الكفر به. الأديان حسب عقيدة التنزيه تشتمل على جميع الأقسام الثلاثة من الغيب. ولو اشتملت على القسمين الأول والثاني دون الثالث لكان بالإمكان الإبقاء على احتمال صدق الأديان، ولكن اشتمالها على الممتنعات العقلية هو الذي منح عقيدة التنزيه مبرر أن تكون، لتنزُّه الله عندها عما لا يليق بجماله وجلاله، ولتنزُّه الإنسان وعقله وحياته عما شابها من مساوئ وخرافات الأديان.
لاهوت التنزيه يرفض بشكل قاطع المبالغة في الاستغراق في الغيبيات وتفاصيلها، بل هو يقر حصرا بالغيب الواقع في دائرة الواجب العقلي، وقد يتعداه قليلا إلى دائرة الممكنات الراجحة، على سبيل التأمل، لكن دون القطع في صدق تلك الممكنات الراجحة، مع الاقتصار على البحث الإجمالي في الغيب، ودون الخوض في تفاصيله، بل حتى في تفاصيل الواجبات العقلية، بل يعتمد الاستغناء بالمعرفة الإجمالية والكلية عن المعرفة التفصيلية والجزئية. لأن ذلك من نوع العلم الذي لا ينفع من علم به، ولا يضر من جهله.