22 ديسمبر، 2024 11:11 م

الغموض المكرّس بالسياسة : استراتيجية للبقاء في السلطة !

الغموض المكرّس بالسياسة : استراتيجية للبقاء في السلطة !

احد اكثر المسائل التقليدية في سياسات الدول بالوقت الحاضر , هي السياسة التي تكرّس ممارسة الغموضوالتعتيم على جميع المعلومات المتعلقة بأمور الدولة وواقع الحياة الأجتماعية والدينية بشكل مخالف لما ينبغي عليها القيام به وهو الإفصاح عن المعلومات اثناء صدور القرارات التي تعالج الأزمات المزلزلة للمجتمع احيانآ من ناحية ,

والمعروف ان القرارات الصادرة التي يتم بها تشريع او تعديل القوانين والأتفاقيات والمعاهدات ونوع العلاقات السياسية بين الدول ذات الصلة بوجود البلاد ومستقبل الشعب من ناحية اخرى , تهدف الى تقديم فكرة عن موضوعاتها ليدرك الشعب من ذلك ان العدالة متحققة فيهابلا تعارض مع الشرائع السماوية  والأعراف ومسائل حقوقهلتكون اسسآ آمنة وثابتة ,

ومن سوءات الغموض انه يدفع أحيانآ المراقبين السياسيين  الى المقارنة وضرب الأمثال بشكل عام وبطريقة غامضة ايضآ في مقالاتهم  متشبهين بالحكومات بهذه الناحية  بسبب نقص المعلومات الناجمة عن غموض قراراتها وتفاهماتها المختلفة في السياسة الداخلية والخارجية , ولا توجد مؤسسات ومراكز فكرية حكومية كالتي في فرنسا مثلآ يمكن ان يستمدوا منها المعلومات المجازة وفق القانون للإستفادة منها في البحوث ذات الصلة بالبحث او الموضوع .  

والجدير بالذكر ان الغموض في هذا الأمر يختلف عن الغموض بالعينيين أو اغماض العينين امام سير الأحداث ذات العلاقة بالأتفاقيات والتفاهمات الدولية , وهذا ماقام به الرئيس أوباما حين اغمض عينيه عن اجتياح القوى الإرهابية لشمال العراق عام 2014 وهو مدرك تمامآ لخطرها على شعب العراق , على الرغم من وجود مايعرف بالإتفاقية الأمنية التي تقرربموجبها ان يقوم الطرفان الموقعان على الإتفاقية عام 2008 فورآ في مداولات استراتيجية تتخذ بهاالولايات المتحدة الأمريكية الإجراءات المناسبة للتعامل مع التهديد , إلا ان اوباما لم يفعل شيئآ .

أما عدم الإفصاح عن المعلومات التي ذكرناها تعود الى أسباب كثيرة منها ;  ان عمل جميع الإدارات الحكوميةبخلاف ذلك فإنها ستفقد سيطرتها على حكم شعوبها من كافة النواحي , ذلك لأنها تدرك ان الشعوب تعتمد في تفكيرها على معتقداتها التي تؤمن بها من دين واعراف وعلمولايساومون عليها ,

بينما الحكومات لاتولي جميعها اهتمامآ بالمباديء وبالقيمالسياسة خاصة عندما تكون خاضعة للهيمنة الخارجية ,ومثال ذلك إنشاء مايسمى بـ” بيت العائلة الإبراهيمية ” الذي سنأتي على ذكره لاحقآ , بل تهتم بالنتائج العملية المتحققة عندما تضع مصلحة الذات في المقدمة اولآ , ومصلحة البلاد والشعب ثانيآ , لذلك ترى إدارة النظام تعملعلى الواقع بالبراغماتية التي تحقق الغاية المرجوة بنمطين :

الأول يشبه نمط الطبيب الذي يخفي عن مريضه أحيانآ نتائج التحاليل الطبية التي تشير صراحة الى اسم المرضالعضال الذي يعانيه بطريقتين , الأولى بالإتفاق مع المختبر الطبي فيكتب اسم المرض بآخر مرادف وبعيد عن فهم المريض البسيط بالمصطلحات الطبية , وامثلة ذلك بالسياسةفي نصوص الاتفاقيات والمعاهدات , فالكثير منها بهذا النمط المضلل وإن كانت لها صلة بالحقيقة فليس إلا صلة ضعيفة .

والطريقة الثانية ان يلجأ الطبيب الى المغالطة فيرسل المريض الى مختبر آخر لتعزيز ثقة المريض بالطبيب , واذا انكشف امره امام المريض المثقف بعد فترة من العلاج فينجم عنه  نفورآ تامآ منه ويذهب الى استشارة طبيب آخر , ولكن في كلا الطريقتين تكون مخافة الطبيب مبررة لان ذلك يقع ضمن استراتيجية التعامل مع المريض العاقل في العلاج , وامثلة ذلك بالسياسة في النصوص الآنفة الذكر التي تكون على الورق بمغالطات ليس إلا , اما في الواقع فهي نار في قلوب الشعب لاتنطفأ جذوتها الى الأبد .

مع العلم ان عمل الحكومات بالنمطين اعلاه ليست مبررة , لأنها تفعل ذلك في كل مرة لكي تفسح المجال لقادتها بإبتكار ضوابط اخرى اكثر رصانة من سابقاتها التي تولّد عنها الإخفاق الحكومي في مجالات متعددة , وكأنها في اثناء الأزمات تدفع الشعب بالاكراه على قبول مايجري وفقآ لتصريحات سياسية بارعة بالتهدئة وبدلائل ملموسة على نحو يمكن ان تصحح الأخطاء التي حصلت للبقاء في الحكم , وفي هذا الشأن سرقة القرن إنموذجآ ,

ألا ان الغموض يبقى حماقة سياسية لاتلبث حتى تفشل فشلآ ذريعآ بالنهاية لتورث الرزية لحكومة اخرى قادمةتكون قرينة لها في خلق واقع جديد بالكلام للذهاب الى رزايا جديدة تعيد بها تموضع الشعب الى التظاهر بمسلسل جديد ولافتات بشعارات أخرى , وامثلة ذلك كثيرة جدآ , بدءآ من جولات التراخيص واتفاقية ترسيم الحدود مع الكويتوإنتهاءآ بعقود سيمنز وانبوب البصرة – العقبة .

في هذا الإطار , من الصعب تصوّر الطبقات الحاكمة في العالم تسعى الى حماية شعوبها وتبني دولها وهي بهذا السلوك المتعارض , بل وفقآ لذلك فإنها تسعى الى التخلف كون اغلب هذه الحكومات لاتؤمن بالبشرية المستهلِكة , وتتعامل مع الشعوب بوجهين ليس إلا وقد ابدعت بهذا المجال المضلل كل من امريكا وبريطانيا واستراليا وكندا وفرنسا ونيوزلندا ,

وكل الدول الخاضعة لهيمنة السياسة الأمريكية في حقبة الإستعمار والأمبريالية التي استمرت الى نهاية الستينيات من القرن الماضي, وكل الدول التي جابهت معارضة شديدة من شعوبها وخاصة العراق في حقبة السبعينيات والثمانينيات من النظام الشمولي بسبب ذلك الغموض الذي تغلفت به السياسة الحمقاء وخاصة في السرقات الحدودية وبنود اتفاق خيمة صفوان التي لايعرف عنها الشعب اي شيء من فقراتها.

وهذا يعني ان للغموض في السياسات الحديثة مدلولآ واحدآفحسب وهو لبقاء الأقطاب السياسية الشمولية اوالديمقراطية القادمة من المنظمات الحزبية في السلطة , رغم ان البعض من القادمين يتسبب بالإخفاق من وجهة نظر الشعب , والشعب يدرك ذلك بكل دقة ولكن لايجد الحل الجذري الذي يرتبط بأنهاء عمل هؤلاء البعض من السلطةسواء في العراق او في الدول ذات الديمقراطية الأمريكية ,

بسبب حماقات اخرى جاءت بها آلية الديمقراطية نفسها ومعها تفرعاتها المزيفة نتيجة المناهج السياسية الأمريكيةالتي تركّزت للهيمنة وخاصة في العراق بعد السقوط في مجال التدمير التي اشتغلت عليه منذ امد بعيد وتم تجريبها على أنماط سابقة ولاحقة من الدول في العالم .

وهذا يعني من ناحية اخرى , أن العجز عن ايجاد الحل في عزل الحكومات الخاضعة هو نجاح وغاية الحكومات المكلفة بالتدمير وغاية الأيديولوجية السائدة في الولايات المتحدة وبريطانيا وكل اوربا على حد سواء , التي كرّست فيسياساتها التدميرية على حتمية الوصول الى ذلك العجز لكي تبث من بعد المجتمعات المثلية المتنوعة في مجتمعاتها والأفكار المناهضة او المقوّضة للأديان لإفسادها لتحقيق مبدآ ” إفسد تسد “ الجديد وخاصة في البلاد العربية ,

ومثال هذا الفساد نجده في انشاء مايسمى بـ ” بيت العائلة الأبراهيمية “ في الإمارات العربية تحت بنود التطبيع السيء الصيت مع الصهاينة , الذي يروّج الى اليهودية والهندوسية , إذ عند افتتاح البيت صرّح حاخام الإمارات ليفي دوشمان : ” نحن نعيش في مجتمع منفتح للغاية للغاية ” واضاف ” ان الحكومة الإماراتية داعمة جدآ لمجتمعنا اليهودي , وفي الواقع يجب ان تكون الجالية اليهودية في الإمارات نموذجآ يحتذى به ومثالآ للمجتمعهات الأخرى في جميع انحاء العالم ” .

هذا الإنفتاح للغاية للغاية الذي عبّر عنه الحاخام بتكرار كلمة ” للغاية ” ينمّ عن رد فعل غير متوقع  وتعجب من جانبه في ازاء دولة عربية مسلمة تؤمن بالآية ” ماكان ابراهيم يهوديآ ولا نصرانيآ ولكن كان حنيفآ مسلمآ وماكان من المشركين ” وتراها تتخلى عن دينها ومعتقداتها وتنظر بإحترام فائض وبولاء سياسي مهين الى الصهيونية المخربة لدين الله , وتقلل من حب الله وتعظّم حب الصهاينةوالهندوسية الذين يفتكون بالمسلمين يوميآ وتروّج لشرائع مخالفة لشرائع الإسلام .

وهذا هو الجانب المخيف والجزء المضلل في ظاهره وباطنه في الإتفاقات والتفاهمات الضبابية وعلاقات السيطرة , المستوحاة من استراتيجية الصهاينة الموجهة ضد الأديان السماوية وخاصة الإسلام , التي تتم مع الصهاينة بلا ادنى اعتبار من ولد زايد   لمشاعر الشعب ولا الى دينهم الحنيفالذي يقرّ بأن دين الله واحد وهو الإسلام , ولا الى قباحةالتلاعب بالقوانين السماوية , بل يولون اعتبارآ الى اولويةالتمسك بالسلطة والحماية الموعودة من قبل الداعمين لهذه الأشكال المسيطرة على الشعوب , وهو الثمن الذي يفسر الخضوع وممارسة التبعية لتلك الأفكار والسياسات .

فإلى اين يذهب اولاد زايد بالتطبيع والإنفتاح للغاية ؟!

وفي هذا الإطار من السياسة التي تكرّس الغموض ايضآ ,فقد بنت امريكا من وراء ظهر شعبها برامجها المعدّة للإبادة البشرية في كل مناطق العالم الساخنة التي تنبأت بها اشعال الحروب , ففي اتفاقها مع اوكرانيا وجورجيا وبغفلة عن شعبيهما , انشأت مختبرات لتطوير الأسلحة البايولوجيةبحسب الإتهامات الصادرة عن الكرملن اثناء الحرب في اوكرانيا , فضلآ عن الأسلحة النووية ,

وفي دولة الكيان وضعت كل الاسلحة التي يمكن ان تستخدم بالحرب مع العرب في غضون العقود التي توالت بعد حرب 1967بضمنها الأسلحة النووية .

اما في المناطق الباردة من العالم , فهي مناطق لايوجد بها مايقلق الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية الثروة النفطية او مواقع استراتيجية قريبة من روسيا او الصين او كوريا الشمالية او تايوان , وهذه الدول هي أصلآ خاضعة لبرامج الكون الطبيعية من جوع وجفاف وعزلة وامراض موسمية ومتوطنة فتاكة ومتحالفة بطبيعتها الفطرية مع نهج الولايات المتحدة في فكرة الوصول بالعالم الى المليار الذهبي ,

ولاشيء آخر فيها يغري السياسة الأمريكية لتفعل مافعلته مع العرب بشكل خاص بسلسلة من الجرائم التي صنعتها لهم وفقآ لمبادئها الوجودية وليس وفقآ لمباديء فئة منالسياسيين العرب الذين لايجادلونها في كل شيء وذلك انتقامآ من شعوبهم التي تكره سياستها من كل النواحي .

ولو تأملنا الإعلام الأمريكي المضلل من قبل البنتاغون وهو يرد على اتهامات الكرملن بقوله : ” ان الإتهامات  اختراع لحملة التضليل الروسية والكاذبة ضد الغرب ومحاولات واضحة لتحويل الإنتباه عن السلوك الروسي السيء على جبهات عديدة ” ,

سيرى القاريء كيف تتلاعب امريكا بعقلية شعبها حين تدعم آرائها بآراء من مؤسسة ” المجلس الأطلسي ” التي قالت عن اتهامات الكرملن انها مضللة , ودعمت آرائها من ناحية اخرى بآراء موقع ” سنوبز “ التي قالت عن الاتهامات الروسية انها حملة تضليل طويلة الأمد .

بهذه الآلية في صياغة القرارات الأمريكية التي صنعت بأفكار علماء لها متخصصون بالبراغماتية لتسيير الشأن السياسي اليومي للسيطرة على الشعوب والبقاء بالسلطة , وانتقل هذا التيار بأجنحة الغموض الإستراتيجي الأمريكي ومايرافقها من تضليل  الى العالم منذ الحرب العالمية الثانية , ليُمارس في السياسة تحقيقآ للهيمنة على المدى البعيد .

ختامآ فإن لكل واحد منا وجهة نظر لها صحيحها ولها خطأها , ولكن لا وجهة نظر في الشرائع السماوية ذات القانون الواحد في عالم تتحكم فيه قوة تعارض إرادة الخالق , فمثلما كانت البشرية غارقة بالجهل كان الشر مهيمنآ عليها , اما بعد نزول شريعة النبي الكريم  فلم يعد هناك جهلآ ولا مبرر لأدنى درجة من الرضوخ لإرادة الشر , و “إن شرّ الناس من لايبالي ان يراه الناس مسيئآ ” ( حديث شريف ) .