بالبداية ،لايمكن أنكار حقيقة أن الاتراك حاولوا وما زالوا يحاولون المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة السورية من خلال السعي للسيطرة والنفوذ على مساحات جغرافية من شمال سورية،فالنظام التركي أظهر منذ بداية الحدث السوري رغبته الجامحة بسقوط شمال سورية خصوصآ وسورية كل سورية في أتون الفوضى، ودفع كثيراً باتجاه انهيار الدولة والنظام السياسي السوري ،وهذا الامر ينطبق كذلك على اطماع الاتراك بالشمال السوري، فكانت لهم صولات وجولات في هذا السياق، ليس أولها فتح حدودهم بالكامل أمام السلاح والمسلحين العابر والعابرين للقارات من تركيا مرورآ بسورية وإلى العراق وليس آخرها ما جرى من أحداث مؤخرآ من غزو لبلدة جرابلس شمال شرق محافظة حلب ،واعتقد ان الهدف الرئيسي للتدخل التركي هو الاستحواذ والسيطرة على جزء من الجغرافيا السورية لتحقيق مطامع اقتصادية وسياسية تركية،فتركيا لم تأتي لسورية لمحاربة حزب العمال الكوردستاني أو لضرب تنظيم داعش الإرهابي والتي تعتبر من اهم داعميه ، و انما جاءت لغزو سورية بعد ان تيقنت بأن مساحة المناورة لها بسورية قد ضاقت بشكل كبير بعد التدخل الروسي ، ولهذا قررت التحرك بشمال سورية لإيجاد هامش واوراق مناورة جديدة لها بالاقليم ،وهنا لايمكن انكار حقيقة أن الغزو التركي للاراضي السورية ما كان ليتم لولا التوافق والدعم لهذه الخطوة التركية من بعض الانظمة العربية والغربية .
بهذه المرحلة تحديدآ ،يمكن القول أن المرحلة المقبلة ستشهد حتمآ تغيرآ ملموسآ بقواعد الاشتباك بالاقليم ككل وعلى مستوى القوى العالمية الكبرى بعد الغزو التركي للاراضي السورية ،فاليوم نرى ان هناك مباركة إلى حدما من بعض القوى العربية وغيرها لهذه الخطوة التركية ،وهذا الامر ينطبق كذلك على الموقف الأمريكي المؤيد للخطوة التركية إلى حد ما ،بحين نرى ان إيران عارضت هذه الخطوة التركية ووقفت ضدها ،وهذا الامر ينطبق كذلك على الموقف الروسي إلى حد ما،وهذا الامر بحد ذاته وبهذه المرحلة بالتحديد ،يؤكد أن جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من تدهور الوضع في سورية وتدهور أمن المنطقة ككل،كنتيجة لهذا الغزو التركي للاراضي السورية.
بهذه المرحلة أيضآ ،قد يقول البعض ان تمركز قوات الاكراد في بلدة منبج بعد طرد تنظيم داعش منها ،هو جزء من الأسباب للتدخل التركي،ولكن هنا لايمكن انكار حقيقة ان هناك الكثير من الاسباب مازالت مخفية،وهنا يجب التأكيد على أن هذه المسألة بالتحديد وهي مسألة التدخل التركي والغزو للاراضي السورية ،هي مسألة معقدة جدآ ،وليس من السهولة التنبؤ باسبابها غير المعلنة ،والقادم من الايام سيحمل مزيدآ من الاحداث التي ستكشف حتمآ الهدف الحقيقي للغزو التركي للاراضي السورية.
وهنا ،من الطبيعي ان يشكل الغزو التركي خطرآ كبيرآ على مستقبل الدولة السورية سياسيآ وامنيآ وجغرافيآ وديمغرافيآ ،وخصوصآ بعد اتضاح حقيقة التعاون بين الاتراك وتنظيم داعش ،وهذا ما يؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد احداث دراماتيكية عسكرية وسياسية ضد هذا الغزو التركي للاراضي السورية ،وهذا مايؤكد أن الدولة السورية والجغرافيا السياسية السورية قد دخلت بمرحلة اشتباك دولي واقليمي جديد ،وعلى ضوء نتائج هذا الاشتباك سترسم من جديد الخارطة السياسية والجغرافية للاقليم والمنطقة العربية ككل.
ختامآ ،من المؤكد أن الغزو التركي للاراضي السورية يرتبط ارتباط وثيق بما يخطط له الأتراك من اقامة مناطق عازلة بالشمال السوري ،فمحاولة وصل منطقة نفوذ تركية تمتد من شمال شرق سورية إلى شمال غربها هو مخطط تركي قديم، وهذه الخطوة سيكون لها تداعيات كارثية على أمن المنطقة والاقليم ككل.