23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

الغرقانة.. فيلم للكبار فقط !  

الغرقانة.. فيلم للكبار فقط !  

فيلم “الغرقانة”.. للمخرج الأمريكي “بول بريمر ” ، هو الفيلم الوحيد الذي أود الكتابة عنه ، حتى مع إعادة إنتاجه بتبديل ممثليه .. صحيح إنني شاهدته مؤخراً بعد أعوام من عرضه الأول عام 2003 ، إلا أنني ، أجد فيه دائماً مايغريني للكتابة.. ليس لأنه فيلم سيء فقط.. ولا لأنه لم يعجبني فقط هكذا، بل لأنني أجد متعةً في نشر فساد شخصياته(في الفيلم وخارجه)..
أمس.. شاهدت ” الغرقانة ” للمرة ( لا أتذكر كم ) في جميع القنوات الفضائية العراقية وعدد من القنوات العربية والأجنبية. ونشرت صفحات التواصل الاجتماعي  صوراً وتعليقات عنه، ووجدت نفسي في مواجهة حقيقية مع شخصياته، ووضعت نفسي في تحدي الكتابة عن هذا الفيلم  وهو طبعاً بالأبيض والأسود .. يمزج بين  الكوميديا والتراجيديا. وهو فيلم إعتبره النقاد من بين أفلام  ” بريمر ” المتميزة .. لولا بعض الإخفاقات في رسم تلك الأفكار والعلاقات المتضاربة بين عناصره الفنية التي قدمها السيناريو الذي كتبه وشارك في إخراجه  كماتعلمون ” زلماي خليل زادة”  ..
يتحدث الفيلم عن ذلك النحس الذي يلاحق فتاة جميلة أينما حلت . فلقد تزوجت منذ بلوغها سن التكليف بثلاثة رجال : ملكي وجمهوري وإسلامي . ذهب الأول إلى حرب العصاة ولم يعد، ولدغت الثاني أفعى فمات على الفور، وذهب الثالث ليستحم في النهر فغرق. ومن هنا صار أهل القرية يسمونها  (المنحوسة).. وحتى تذهب عنها تلك الصفة، أخذتها أمها إلى رجل يفك السحر يدعى “تحرير” (قام بالدور جورج بوش) ليبعد عنها ما لحق بها، ولكنها على ما يبدو أعجبته فطار عقله من جمالها، وأقنع أمها بالزواج من ابنتها لكي يُخرج الجنّي من جسدها وإذا لم يتم ذلك الزواج فان الجنّي وإسمه (صدام) لن يخرج من جسدها أبداً وسيظل النحس يطاردها ويقف في طريق سعادتها.
بينما كانت ” المنحوسة ” تحلم دوماً بفارس يمتطي جواداً أبيض يأتيها شاهراً سيفه ليخلصها من الحالة النفسية التي تعيشها، لذا تحاول إقناع أمها بأن “تحرير” هذا مخادع  نصّاب ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولكن الأم تجيبها: بأن عليها أن تجرب وأن تنفذ ما يقوله فهو قدرها.وأخيراً ترضخ ” المنحوسة ”  وتتزوج من هذا العجوز المتصابي وتنجب منه طفلاً صامتاً مشوهاً يبصم ولا ينطق.. ويقنعها “تحرير” بأن هذا الطفل هو الجنّي سبب نحسها، بل ويذهب إلى أهل القرية ليؤكد لهم أن الجني أتاه في نومه وقال له انه سيظهر على هيئة ابنه (يقوم بالدور توافق ) وعليه أن يسميه بهذا الاسم .. هنا يقع الناس في حيرة بين مصدق ومكذب ومن بينهم شقيق عمدة القرية (إيراني الذي يتهم “تحرير”على الملأ بالدجل والشعوذة ويطالب بطرده ليقوم هو بمعالحة الفتاة. ولا تكاد تمر ساعات من اتهامه هذا حتى يحترق بيته وتندلع فيه اضطرابات مما يجعل الناس يصدقون “تحرير”  ويعتقدون بصحة قصة (توافق) الصبي المشوه ويتضح بعد فترة أن الدجال استأجر أحد الأشخاص ليحرق المنزل.
بعد حادثة حريق منزل شقيق العمدة، يبدأ ” تحرير ” بممارسة دجله على أوسع نطاق ويكتب الأحجبة ويتقاضى مقابلها المال والمجوهرات ليحقق ثراء فاحشاً وتصبح القرية مقصداً لكل زائر.
وفي الوقت نفسه كان عمدة القرية (صابر العيساوي) يعيش متمنياً طفلاً رغم أنه تزوج من أربع نساء. فيعرض مشكلته على “تحرير” لمساعدته، إلا أن “تحرير” يتسبب في استقالة العمدة قبل موسم المطر الذي يغرق القرية ، وليصبح ذلك وبالاً على “تحرير” و”بغداد”، حيث يقرر شقيقه أن يثأر لأخيه ويقتل ” تحرير” الدجال، هذا بالرغم من حدوث الحمل لدى إحدى زوجات العمدة بعد وفاته، إلا أن شقيقه(إيراني) يقرر أن تترك القرية حتى يظل ” تحرير ”  كاذباً في نظر أهلها.
وسط هذه الأحداث يظهر فارس الأحلام ( نوري) يرتدي ثياباً بيضاء ويمتطي جواداً طويرجاوياً أبيض تماماً كالشكل الذي تراه “بغداد” في أحلامها وطالما انتظرته ، ليعمل خادماً عند شقيق عمدة القرية(إيراني)، بعد أن كانت  شقيقته (سورية) وقعت في حب هذا الغريب.
تقرر ” المنحوسة ” الرحيل بولدها للبحث عن لقمة العيش في أماكن خارج القرية، بعد أن كُشف بطلان سحر “تحرير” وانفض الناس من حوله، وتوقفت الهدايا والعطايا من أهل القرية.. تصل ” المنحوسة ” أثناء بحثها إلى فندق سياحي في أطراف القرية، يعمل به فارس أحلامها الغريب، الذي ينساق إلى حبها، ويقنعها بالعمل كراقصة في ملهى فندق سياحي. تصل الأخبار إلى مسامع أهل القرية، الذين يخططون بتحريض من الشيخ “تحرير”للانتقام من الفارس الأبيض ومن ” المنحوسة ” ليُقتل الاثنان في نهاية الفيلم بالغرق في الأوحال التي خلفتها الأمطار، ويدفنان في إحدى أنابيب تصريف المياه التي اشتراها العمدة قبل استقالته لتستخدم كمقابر لأهل القرية الذين يموتون بالأمطار، ويُبنى لهما  فوق إنبوب التصريف ضريح كبير ، وضعت على بابه “زيارتنامه”  بلغات أبطال الفيلم الرئيسين: عربية وكوردية وتركمانية، وحديث رواه حازم الأعرجي  في السلسلة المقتدائية مرفوعاً عن مها الدوري  قالت حدثني  الشيخ صباح الساعدي عن  سبع عنعنات إنه قال سمعت السيد القائد المفدى قال ” زوروا الغرقانة، فمازارها مكروب غارق في الوحل الا أخرجه الله منه ولو كان مثل وحل  مدينة الصدر أو حتى مثل باغ داد “. 
يؤكد السيناريو في بداية سرده للأحداث والشخصيات، بأنه ضد كل هذا الدجل والشعوذة، ويكشف للمشاهد  كل تلك الألاعيب التي يلعبها “تحرير”.. وهو كلام جميل ليس عليه غبار. إلا أن الأحداث التالية بعد مجيء الفارس، وغرق القرية ، تقدم لنا ما يناقض هذا الكلام.. حيث سيطرة الخرافة وتجسيد الشيطان بعمامة بيضاء أو سوداء – إن صح التعبير – في شكل الرجل الغريب ، الذي يغوي ” المنحوسة ” للعمل كراقصة في الفندق السياحي المبني في بقعة خضراء من الحجر المحصن من مياه الأمطار..
يمعودين خل ياكلون مادام خالهم سالم.. 
والعاقل يفهم.
مسامير:
قال حكيم  : ” استمرار تدفق الماء يفتت الحجر “