22 نوفمبر، 2024 11:06 م
Search
Close this search box.

الغرف كفهرس قراءة ../ (الطلياني ) ..للروائي شكري المبخوت

الغرف كفهرس قراءة ../ (الطلياني ) ..للروائي شكري المبخوت

(*)
تشتغل الرواية بتوقيت آواخر أيام حكم الحبيب بورقيبة، تتناول الحركة الوطنية التونسية من خلال نماذج من الطلبة اليساريين وطلبة من الاخوان المسلمين ودور السلطة ،وفي الصفحات المائة الاخيرة نكون مع حكم زين العابدين بن علي..

(*)

يمكن اعتبار العنوان الفرعي الاول (الزقاق الأخير/ ص5- 10) بوظيفة المقدمة الروائية من داخل الرواية ذاتها بعد الحدث الغرائبي والحدث بمثابة المخبوء الرئيس في الرواية ثم..سيتراجع السارد الى الخلف وينبش السارد الذاكرة الجمعية لعائلة الحاج محمود..وسيرورة الرواية كحركة المشط في شعر الانسان …أرى المفصل الاول : خلية سردية موقوتة سيفككها السارد العليم / وهو المشارك الهامشي في مركز الحدث..تتمفصل الرواية من أنثي عشر عنوانا فرعيا ..بالنسبة لي كقارىء منتج ستكون فصول قراءتي :هي الغرف المتوزعة في الفضاء الروائي ..

غرفة صلاح الدين
تصور الطفل عبد الناصر ان غرفة اخيه صلاح الدين، المقفلة هي الحجرة الاربعين في ليالي ألف ليلةلأنهُ(ينزع الى البحث في الدواخل ،في الادراج، تحت الحشايا والزوايا الخفية ولم يكن يتصور أن مفتاحا بمثل تلك القيمة سيترك مبذولا، تقريباً للجميع في طبق كؤوس الشاي التي لم يرها تستعمل ابداً/31) فهو لم يكتشف المفتاح وحده بل اكتشف فصلاً اموميا جديدا (أعتبر ذلك مظهراً من مظاهر ذكاء الام في إخفاء ماتريد إخفاءه.فهي خبيرة في علم التورية والتغطية..)هل اراد الدخول ليكتشف اخاه من خلال غرفته؟ أم دخلها ليعثر على إحتياجاته هو حين كان في سن المراهق ؟ حين سيدخل الغرفة بغياب أخيه صلاح الدين ،الموجود في فرنسا كطالب بعثة : لم يلتقط عبد الناصر ضالته المنشودة ،ليس لغرفة اخية ماتنماز به على اخيه نفسه ..فالغرفة في غياب الاخ وحضوره :هي : هو ..أغني غرفته مثله فهو..(..متفوقا في دراسته متأدباً، قليل الاختلاط بأترابه.لايدخن ولايثير مشاكل في البيت .يبدو هادئا لاتُسمع منه إلاّ كلمة نعم إذا أمرته أمه أو خاطبه أبوه. ولد مثاليّ يحسد الاقرباء والجيران العائلة عليه../26)..لم يجد في الغرفة سوى خيبته (خيبته كانت كبيرة .فلم يكن في القلعة أسرار عدا مايراه حين يدخل اليها بصفة عادية ..لاشيء يستحق الذكر .كتب أغلبها بالفرنسية..أوراق كثيرة وصور وكليشهات مصفّرة شفافة..كراريس قديمة، مجموعة من المجلات وملفات فيها قصاصات من الصحف وصور لاعبي كرة القدم لفريق صلاح الدين المفضّل : النادي الأفريقي ../31).. إذاكانت الغرفة بهذه العادية (لِم َ يغلقون الغرفة إذن؟/32) من أين لعبد الناصر ،وهو في أوائل طراوة عمره ان يعرف سبب الاغلاق ؟ من اين لعبد الناصر ان يعرف(.. صلاح الدين أهم شخص في العائلة ويعلم الجميع أن محلّه في قلب زينب قبل زوجها محمود وان لم يجرؤ أحد على التصريح بذلك ../30)..لكن في تسلله الى غرفة أخيه أمتلك سلما موسيقيا فأستعمله للعروج الذي صار علامته الموسيقية الفارقة : وأعتبره السبب

في اقفال الغرفة (مجموعة إسطوانات الموسيقى ذات الحجمين الصغير والكبير على طاولة متوسطة الحجم في ركن من اركان الغرفة../32) ثم صار عبد الناصر يدرّب ذائقته على سماع الموسيقى (متلبساً شخصية أخيه المسافر، حلما ان يكون مثله .وكم أحبّ خلال جلسات الاصغاء الى الموسيقى والتماثل مع الغائب المسافر ، موسيقى الجاز أكثر من غيرها من انواع الموسيقى../32-33) هنا النقلة الثانية التي خطاها الاخ الصغر عبد الناصر في الغرفة فهو انتقل من الفضول الى التماهي الاخوي وتكون الموسيقا هي مرآة التراسل بين الاخ الاكبر والأخ الأصغر وبشهادة السارد العليم (لم يكن عبد الناصر يبالغ كثيرا حين ربط وجوده بوجود أخيه ../23)..ستصيره غرفة الولد الاصغر مادام الولد الاكبر صلاح الدين لن يعود الى غرفته تزامن ذلك مع انغلاق الفضاء المائي النسوي العمومي ، (سلّمت له مفاتيح القلعة ليصبح سيّدها عن جدارة .فقد لاحظت لها صاحبة الحمّام، قبل ذلك بسنة تقريبا، أن الصبي أصبح يتطلع الى المستحمات ويسترق النظر والسمع إليهن في لهوهن وعبثهنّ، ولم يعد من الممكن قبوله مع الأم وبناتها الاربع عشية يوم الجمعة، الموعد الاسبوعي لطهارتهن الكبرى../33)..بالمقابل وضع عبد الناصر شروطاً : (أصبح يرفض ان تلمسه إحدى أخواته أو ان تدخل عليه غرفته دون طرق الباب أو ان ترّتب فراشه أو تنظف الارضية وتزيل الغبار) وهنا النقلة الاستئذان قبل الدخول / رفض اي تغيير في الفضاء الداخلي للغرفة ..والرفض يشمل حتى السلطة المطلقة للأم التي فهمت (أنها أمام صبي من طينة مختلفة..قاومت في البداية حفاظا على سلطتها المهددة، ثم غيرت خطتها، بعد ملاسنات عديدة .صارت تتجنب مواجهته وتحرّض سي محمود عليه/34)..تغيرت رائحة الغرفة ..تغيرت حياة عبد الناصر..صار صديقا لأبية وملاسناً لأمه، عرف الجسد من خلال (للاجنينة) جاراتهم..لكنه بقي (يحب أخاه صلاح الدين ويراه في كل زاوية من الغرفة../40)..ومن علياء الطابق الثاني للبيت (أصبحت لعبد الناصر مملكته الخاصة معلنا من خلالها استقلاله عن نساء البيت الشرسات عدا الصغرى يسر أحبهن الى قلبه ) والنقلة الثالثة للغرفة هي نقلة نوعية / جهوية : من الخاص الى العام / من الداخل الى الخارج ( خطرَ له ونحن تلاميذ أن ينشىء في غرفته ناديا للفن والمطلعة / 41)..هنا اصبحت الغرفة : أكاديمسا أفلاطون: من خلال شريط الكاسيت تتغذى ذائقتهم وذاكرتهم من أغاني فيروز والشيخ امام وليو فيري وجان فيرا وجاك برال ويقرأون الشعر بالعربي والفرنسي ويتناقشون في مقطع سردي من رواية..وضمن هذه النقلة الثالثة انبجست نقلة وعي حين اغتسلت ذاكراتهم برواية مكسيم غوركي (الأم) وهم يسمعون أسمه لأول مرة ..على أثرها أقترح الطلياني (أن نصبح فلاسفة !فتحول نادي الفن والمطالعة الى حلقة الفلاسفة المبتدئين .كنا نقرأ جماعيا ويوميا كتابا ضخما لجورج بولتيزر /41) وهنا ستبرز الروح القيادية لدى عبد الناصر..وسيخبرنا السارد المشارك فنعرف ان عبد الناصر انتقل من محاكاة شقيقه صلاح الدين الى محاكاة الاستاذ فتحي مدرّس اللغة الفرنسية (كان يجمع بدوره خلال السنة الدراسية بعض التلاميذ في بيته ومنهم عبد الناصر ليتحدثوا في الثقافة والادب والسياسية /42) وهذا الاستاذ السجين السابق السياسي المنتمي للأتحاد العام التونسي (هو الذي ضم عبد الناصر الى التنظيم السري../42)..

(*)

(غرفة العمليات)

تقودني غرفة عبد الناصر الى (غرفة العمليات )التي شيدها عبد الناصر ،وفق نظرية (القلب والدوائر) عبد الناصر يرى الطليعة القيادية الصلبة بمنزلة القلب في النضال الطلابي والدوائر هي أربع حلقات

دفاعية تذود عن القلب..في الحلقة الاولى (..المناضلين المخلصين للأتجاه السياسي .ويحتل الدائرة الثانية الأنصار من ذوي الإمكانات البدنية الممتازة والشجاعة والجرأة والإقدام .فهم ،،ذراع الحركة المفتول،، يحمون المعلقات الحائطية ممن قد يعن لهم تمزيقها، ويكونون حواجز بشرية أمام مداخل المدرجات وقاعات الدرس حين تقرر القيادة إضراباً من الاضرابات .وتضم الدائرة الثالثة حسب نظرية عبد الناصر،من كان يسميّهم المتربصين وهم مجموعة واسعة من الرفاق الجدد يوضعون تحت التدريب. وتقتصر الدائرة الرابعة على الطلبة الذين يُكتفى بتكوينهم غير السري في مجال العمل النقابي الطلابي../53)

(*)

(حجرة سقراط )

هي(موضع الخطابة بكلية الحقوق /67) سيرغم الاستاذ الصحّبي على الترجل من هذا الموضع بعد طوقته جموح الطلبة حيث (ركض عبد النصر ورفاقه في اتجاه حجرة سقراط .كبرت الدائرة وأصوات الانفار العشرة او أكثر تكرر الشّعار المرفوع../66) وفي نهاية الرواية سنعرف ان الصحبي :من عملاء السلطة ..

(*)

(غرفة المدير )

في هذه الغرفة يجري التحقيق مع الطالبة زينة ..يجري اختبارها فقد (اتهمها أحد المعلمين بالغش وطلب منها بحضور مدير المدرسة ان تعترف بالحقيقة../73) لكن زينة حوّلت غرفة المدير :عرين اللبوة زينة وقرأت الانشاء التي كتبته بسلاسة وكتبتْ بالعربية والفرنسية الى المدير تشكره على القلم الذي اهداه لها وتصف القلم على مدى صفحة بيضاء من الورق.. وهكذا بشهادة المدير وامام الهيئة التدريسية والتلاميذ صارت زينة (نابغة المدرسة التي شرح الله صدرها وأقسم لهم أنه سيكون لها شأن عظيم../74)

(*)

(تأنيث غرفة عبد الناصر)

زينة حين باتت في غرفة عبد الناصر توهمت ان جمالية الغرفة بصمته هو ..(وجدتها على غير المتوقع ، من غرف الطلبة، مرتبة نظيفة مليئة بالكتب والمجلات …/78) ولم تشغل عقلها ان عبد الناصر يعيش مع عائلتة وانها بصمة الام واخته وصديقته يُسر ..أما هو فقد حوّل هذه الغرفة التي كانت لأخية صلاح الدين الى الضديد وبشهادة أمه وهي تدخل غرفته يوميا ..(ماهذه الفوضى..ماهذا؟ وسادة فحّام؟ ياربي متى يصبح هذا الخنزير بشراً مثل بقية الخلق ،، ياحسرة، غرفة صلاح الدين اصبحت قن دجاج../34)..تلك الليلة تركها تنام وحدها في غرفته ونام مع صديقه خارج الغرفة وترك ذلك مؤثرية عالية الجودة في نفسيهما.. في الزيارة الثانية سيتأنث المكان وتتأرج رائحة الطلع منهما وهي نائمة في احضانه في غرفته وبشهادة زينة :(..شعرت معك أنني في حماية أسد لايريد بي سوءاً ولاضررا../103)

(*)

(غرفة التحقيق)

بعد ان تكسر الشرطة اضراب الطلبة الاخوانيين يزجون معهم عبد الناصر وزينة حينما كانا في نادي الجامعة ثم يرى عبد الناصر نفسه في غرفة ..(فيها طاولة كبيرة بجانبها طاولة أخرى صغيرة مخصصة لعون الرقن فوقها آلة رقن متقادمة تحدث تكتكة ً وصريراً مزعجين بمجرد النقر على لوحة الحروف .أجلسوه على كرسيّ .وقف على يمنيه ويساره عونان بزيّ مدني يحلو لهما ان يصفعاه أو يشتماه. كانا يتناوبان على اهانته وسب أمه وتحقير أبيه وعدّه من الشواذ جنسياً../86) وضربة حظ تنقل عبد الناصر من الاهانة الى الاحترام حين يدخل كهل ٌ حسن الهيئة ويأمرهم ان يأخذوه الى مكتبه

(*)

(غرفة المحقق)

يلاقي التقدير في هذه الغرفة (إكراماً لأنتمائهما الى الحي نفسه وانه غادر الحي منذ سنوات../87) وأخبره انه سيعود الى اهله فيطلب منه عبد الناصر اطلاق سراح زينة ..ثم يتركه وحده في الغرفة فإذا بعبد الناصر يظهر كأي انسان بلا خبرة احترازية ..تمتد يده على تقارير مكتب المحقق. وسيخبره المحقق في اللقاء الثاني بمعلومات من باب الاستقواء : رأيناك تقلّب الملفات في غرفتي../ الحكومة تعرف ان زينة باتت في غرفتك / هنا يتشظى الشك في رفاق الطريق ..يلتقط المحقق ذلك فيعلّق : (لاتظلم رئيف فلادخل له في المسألة../99)..عند نهاية المقابلة وصله صوت سي عثمان حازماً (غيّر المعينة المعينة المنزليّة .لاتقل شيئا لرئيف وزينة ../100)

(*)

(غرفة الطاهر)

مع أقتراب الامتحانات، يحتحزالطاهر زميله عبد الناصر في غرفته للمذاكرة ف لينجح وبتفوق (يصوّر الطاهر جميع الكراسات والمحاضرات مرتبة ويحتجزه في بيته طيلة الوقت اللازم ليعدّ معه الامتحان..كان الطاهر يتظاهر بأنه لم يفهم درساً أو حكماً قضائيا ..فيوهم بأنه يسأل عبد الناصر عنه وهو يفعل ذلك ليتأكد فقط من أن صديقه فهم المطلوب .ينجح عبد الناصر دائما بتفوق وعادة مايكون قبل الطاهر في الترتيب النهائي فيكون أول المهنئين ويدعوه يومها ويومها فقط الى اربع قوارير خضر لاأكثر ولاأقل في حانة../94)..

(*)

(غرفة زينة)

بيت زينة يتموضع في المجاز اللغوي ..(لم تكن الغرفة كلها تتجاوز المترين عرضاً والثلاثة أمتار طولاً.هي كل البيت ../107) من هذا الفقر الشرس انبجست نبوغات زينة المعرفية وتفوقها الاكاديمي

وصار المعرفي هو المعادل الموضوعي للفقر الفلاحي البئيس ..وضماد ذلك الجرح الجنسي وحدها (يدٌ على فمها تكتم انفاسها تمنعها من الصراخ والأخرى تلصق رأسها بالحائط تشل حركتها../108)..وبما جرى لها هي الاقوى مقارنة بزميلها وقسيمها في الفراش والطموح و..باريس ..والانشغال بالمعرفي والنأي عن النضال الميداني..

(*)

(غرفة إريك)

أريك في اوائل الستين انجذبت اليه زينة معرفيا وانجذب اليها ليرمم شيخوخته (قضت الليّل معه في غرفته بالنزل فأحتضنها بحنو لم تعرفه من قبل وقبّلها قبلات أذابتها وكهربت جسدها ولولا انها كانت حائضا يومها لواصلا الى الفجر خصوصا أنه كان سيغادر في الصباح الباكر../288)

(*)

(غرفة نجلاء وعبد الناصر)..

غرفة وقتية في بيت الحلاّقة / القوادة ،يستعملها عبد الناصر كنوع من الهبوط الاضطراري حتى لايستحوّذ احد المدعويين على جسد نجلاء..(نجلاء أختي. والغرفة التي سآخذكما اليها ستكون لكما متى شئتما../293) سيكون البيت نفسه : المسلخ الجنسي لنجلاء ..(أصبحت جسدا بلا روح ، آلة لذة لطالبيها تتصرف بطريقة متصنّعة ..أحترفت العهر ببطاقة رسمية .أصبحت تلعب في ميادين واسعة مع قروش كبيرة في المال والسياسة ./ 294)..كأن تلك الغرفة كانت منحدرا لإمرأة كانت تتعاطى ثم انتقلت الى احترافه بمهنية عالية الجودة !!

(*)

(غرفة ريم )

هي غرفة في بيت ناصر ،أعني في البيت الذي اشتراه شقيقه صلاح الدين ..وحوّله ناصر الى(مبغى وحانة الى ان ذهبت بعقله لأمر ما ريم../300) لهذا السبب سأطلق ُ عليها غرفة ريم (حين أقترب من موضع السر أحكمت وضع يديها في مستوى العانة وقالت له : لا..لا..أنا عذراء،، استدارت . فهم أنهّا تعرض عليه شيئا آخر .جن ّ جنونه ولكنه لم يحرّك ساكنا..لم تنظر إليه .لم تفهم ماوقع .التفت إليه..وجدته شاخصا بعينيه ، شارد الذهن كمن يستذكر شيئا .سألته : مابك؟ لم يجبها .رأت قطعة الحبل مرتخية .كان ساهماً..جاثيا على ركبتيه فوق السرير .أصبح وجهه المليح كوجه شيطان رجيم .يرتعش محملقا وفجأة انهار على الفراش .ارتعدت .لم تجرؤ على سؤاله .أحتارت ماذا تفعل .أصابها ذعر كبير .لبست بسرعة ثيابها..أخذت من قاعة الجلوس حقيبتها اليدوية .غادرت الشقة .أغلقت الباب .تناهت الى سمعها غمغمة وحمحمة مرعبتين من داخل الغرفة …./316) هذه الغرفة تحولت الى بيت عنكبوت ..في استدارت ريم : انبجس المطمور في ذاكرة ناصر ..ومن هذه اللحظة يجترح السارد العليم معدنا لنصوغه مفتاحا للشفرة الصادمة في السطر الاول من الصفحة الاولى في الرواية :)لم يفهم أحد من الحاضرين في المقبرة يومها لَم تصرف عبد الناصر بذاك الشكل العنيف .ولم يجدوا حتى في صدمة موت الحاج محمود سببا في ذلك ../5) ..لقد ثأر ميدانيا عبد الناصر لنفسه وكان ثأره مشوها وغامضا

فهو اعتدى على الرجل الدون الذي في رجل الدين علاّلة وهنا الغموض المشروط اخلاقيا ..وبهذا الاعتداء احدث تشويها في سمعة العائلة..

(*)

بعد ماجرى في غرفة ريم .. ناصر يسر /يصر (على أنه ذِكرى رجل لم يعد قادراً على تحريك ساكن من جسد امرأة .كان مصراً /318) ..وسنعرف من خلال بوح ناصر الى صديقه السارد… حين استدارت ريم للحفاظ على عذريتها (أنثالت عليه مشاهد اعتداء علاّلة ناظر مسجد الحيّ الذي يشتغل لدى سي الشاذلي ..عما فعله الامام علالة به وهو بين الثامنة والعاشرة/318)..ومافعله علاّلة مقبوح لكنه عاطل وبشهادة للاجنينة وهي زوجة علاّلة إنها (زوجة رجل، عنّين ../ 339) ومافعله ناصر يوم جنازة ابيه عمل مشين ايضا لأنه خارج النسق الاجتماعي والديني وهو لايفصح لشقيقه سوى بالكلام الآتي (ما أنقذني من الانهيار هو شخص بداخلي .ليس ضميرا ولانفسا لوّامة .شخص من عقل خالص ،بارد لامشاعر له ولااحاسيس ،قاطع كالسيف ..إنه بوصلتي حين تختلط السّبل .لولاه لوصلت الى الانحراف الخالص والإجرام المجاني أو لتلاشيت وانتحرت../20).. لكن بعد ذلك سيكون ناصر شخصا عاديا لاعلاقة لها بالثورة ولا بالماركسية وتحديدا حين يحميه رجل الدولة سي عثمان ونفس الشيء بالنسبة لزينة حين يلتزمها الكهل الفرنسي المتصابي.. ا

(*)

الأثنان : ناصر/ زينة : كأنهما من بذرة ثورة الشباب الاوربي نفسها في 1968 التي كان يوقدها كوهين بانديت ومشتقاته سرعان ما تعقلنت كما تعقلن ريجيس دوبرية رفيق رحلة جيفار ومؤلف ثورة في الثورة ودفاعا عن الثورية ومذكرات برجوازي صغير بين نارين واربعة جدران..يبدو ناصر وزينة ومشتقاتهما استعملا الفكر التقدمي كموضة ثم انصرفوا الى مراياهم الباريسة الذاتية ..

————————————————————————————

*شكري المبخوت/ الطلياني /دار التنوير- تونس/ ط4

أحدث المقالات