لا شك أن هذا المقال سيعرضني إلى الاتهام بنظرية المؤامرة(conspiracy theory)، خاصة وهناك كثيرون لا يميزون بين المؤامرة ونظرية المؤامرة. فالأولى هي من صلب المتطلبات السياسية الماكيافيلية، أما الثانية فهي شماعة يعلق عليها الفاشلون غسيلهم لتبرئة أنفسهم من التقصير، كذلك يعمل المتآمرون لترويج نظرية المؤامرة لحرف الأنظار عن المؤامرات الحقيقية، إلى حد إثارة السخرية على كل من يتهمهم بالتآمر. وفي أغلب الأحيان من الصعوبة التمييز بين المؤامرة ونظرية المؤامرة، إذ يحصل التداخل بينهما، خاصة ونحن نعيش في عصر الشك والريبة، فكل شيء يبقى مشكوك به حتى يزول الشك بإثبات التهمة، وعندها تظهر الحقيقة، ولكن غالباً بعد فوات الأوان، وبعد أن حقق المتآمرون أغراضهم، وأغلبهم إما ماتوا، أو تقاعدوا واختفوا عن الساحة، وعلى سبيل المثال، لم يتم الكشف بصورة موثقة عن دور المخابرات الأمريكية في انقلاب 8 شباط 1963 في العراق إلا بعد مرور أكثر من خمسين سنة على الحدث.
أفترض في هذا المقال أن الغرب لا يستطيع أن يعيش بدون وجود عدو مشترك للحفاظ على وحدة دوله أي (دول الوحدة الأوربية وأمريكا الشمالية).
فمن يطالع تاريخ أوربا منذ كتابة التاريخ وإلى ما قبل 70 عاماً، يلاحظ أن شعوب هذه القارة، كغيرها من الشعوب الأخرى، كانت في حالة حروب دائمة فيما بينها. وآخر هذه الحروب المدمرة كانت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، التي كلَّفت الشعوب الأوربية نحو 55 مليون قتيل، وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين والأيتام والأرامل، ودمار شامل للمدن والممتلكات. وقبل اندلاع هذه الحرب كانت الدول الأوربية قد بلغت مرحلة حضارية متقدمة في العلوم والتكنولوجية والقوة العسكرية والثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، بحيث استطاعت فرض هيمنتها على أغلب أقطار العالم الثالث وإستعمارها، كالإمبراطورية البريطانية التي ما كانت تغيب عنها الشمس. والجدير بالذكر أن دول الحلفاء لم تستطع إلحاق الهزيمة بدول المحور إلا بالتحالف مع الاتحاد السوفيتي الذي هو الآخر تعرض للغزو النازي الألماني.
ولكن ما أن تحقق النصر على النازية والفاشية حتى وسارع الحلفاء بإعلان العداء للاتحاد السوفيتي (حليف الأمس)، فاخترع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل، تعبير (الستار الحديدي)، الفاصل بين المعسكرين: الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي. واعتبر الغربيون الاتحاد السوفيتي العدو اللدود لهم، ودراكيولا الذي يريد ابتلاع الغرب، وبمناسبة وغيرها كانوا يخيفون شعوبهم بهذا “الغول الرهيب” فيرددون مسلسلاتهم الكوميدية عبارة (Russians coming, Russians coming). كما وأطلق الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن عبارة (إمبراطورية الشر Evil empire) على الاتحاد السوفيتي، علماً بأن القيادة السوفيتية سواءً في عهد ستالين أو بعده، لم يصدر منهم أي عمل من شأنه معاداة الغرب. ومن نتائج هذا العداء شكل الغربيون الحلف الأطلسي (NATO) مقابل حلف وارسو (الشيوعي). ومنذ ذلك الوقت بدأت الحرب الباردة وسباق التسلح، وخاصة في مجال سلاح الدمار الشامل، والصراع على احتلال مناطق النفوذ في العالم الثالث.
فكرة (العدو المشترك) جاءت من عقول جبارة مثل تشرتشل وغيره، من أجل ابقاء الغرب في حالة تماسك وسلام دائم. وفعلاً نجحت الفكرة فكان بسبب الخوف من هذا (العدو المشترك) أن تمتعت الدول الغربية بسلام دائم لفترة طويلة لم تعهدها من قبل، حصل خلالها التقارب والتحالف بينها بحيث أدت إلى ولادة السوق الأوربية المشتركة عام 1956، والتي نمت وتطورت إلى الوحدة الأوربية التي تضم اليوم 28 دولة، و 19 منها تخلت عن عملتها الوطنية التي هي رمز السيادة والاستقلال، وتبنت اليورو عملتها الرسمية. والمتفائلون يأملون المزيد من الاندماج إلى حد تحويلها مستقبلاً إلى دولة عظمى (super-state)، الولايات المتحدة الأوربية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية. قد يبدو هذا الهدف مستحيلاً الآن، خاصة وهناك معارضة من شرائح واسعة من عدد من الشعوب الأوربية ضد التخلي عن السيادة الوطنية، ولكن مسار التاريخ هو نحو اتجاه المزيد من التقارب بين الشعوب، خاصة في عصر العولمة حيث تفضل الشعوب مصالحها الاقتصادية مقابل التخلي عن قسط من استقلالها السياسي، لذلك فعلى المدى البعيد كل شيء يتغير نحو المزيد من التقارب والاندماج من أجل حياة أفضل.
كل هذا التقارب والسلام ما كان ليحصلا لولا وجود العدو المشترك الذي تمثَّل في الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. لذلك وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991، برزت الحاجة الماسة إلى عدو مشترك جديد، وعليهم اختراعه كي لا يظهر لهم هتلر جديد، خاصة وهناك ردود أفعال لهذا التقارب على شكل تنامي في المشاعر القومية في العديد من الدول الأوربية بسبب الهجرات المليونية من العالم الثالث إلى أوربا، ولكن الحكومات الغربية لا تنقصها القدرة والخبرة في مواجهة هذه المشاكل الطارئة وإيجاد الحلول الناجعة لها.
فمن هو هذا العدو الجديد؟
الإسلام يمتلك مقومات كثيرة يرشحه ليلعب دور العدو المشترك ويثير الرعب في العالم الغربي ليوحدهم، فهناك تاريخ الغزوات والفتوحات العربية- الإسلامية لأوربا، وتأسيس الدولة الأموية في الأندلس(أسبانيا) التي استمرت لعدة قرون وتركت آثارها لحد الآن، وكذلك الحروب الصليبية لتحرير الأراضي المقدسة بما فيها القدس من المسلمين، والتي استمرت على شكل حملات لقرنين من الزمان (القرن الثاني عشر والثالث عشر). واستولوا على الأراضي المقدسة في أول الأمر ولكن استطاع المسلمون إلحاق الهزيمة بهم فيما بعد بقيادة صلاح الدين الأيوبي. لذلك ففي عام 1920 عندما احتلت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غور سوريا، وأسقطت المملكة العربية السورية الفتية في معركة ميسلون، كان أول عمل قام به القائد الفرنسي أن توجه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق مخاطبا إياه: “يا صلاح الدين أنك قلت بأننا لن نعود، فها نحن قد عدنا”. ففي هذه الجملة معاني رمزية كثيرة، تدل على أن الإنسان مهما بلغ من التحضر والمدنية فإنه لا ينسى الماضى، ولا يتخلص من نزعة الثأر والغلبة والانتقام.
والعامل الآخر الذي جعل الإسلام قابلاً لتحقيق رغبة الغرب في سد الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفيتي هو ما في الإسلام من نصوص تكفيرية تبرر إبادة غير المسلمين (إذا ما فسرت خارج سياقها التاريخي)، وخاصة الإسلام الوهابي التكفيري، كذلك في الإسلام مذهبان كبيران متصارعان يمكن تفعيل خلافاتهما وتفجيرها للاقتتال والإبادة.
وقد حصل حدثان كبيران في سبعينيات القرن الماضي، مهدا لبروز هذا العدو الجديد، الأول، استيلاء الشيوعيين على الحكم في أفغانستان عام 1978، ومن ثم الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979. وكما استخدم الحلفاء الاتحاد السوفيتي كحليف له في محاربة ألمانيا الهتلرية النازية في الحرب العالمية الثانية ثم انقلبوا عليه، كذلك استخدم الغرب الإسلام كحليف له في محاربة الشيوعية إبان الحرب الباردة. ويرى أصحاب نظرية المؤامرة، وربما هم على حق، أن استيلاء الشيوعيين على السلطة في أفغانستان كانت بتدبير من المخابرات المركزية الأمريكية(CIA)، إذ كان الجنرال محمد داود خان، قائد الانقلاب على الملك ظاهر شاه، عام 1973 في دورة عسكرية في أمريكا وقام بالانقلاب بعد عودته من أمريكا مباشرة والذي مهد لمجيء الشيوعيين عام 1978. وتفيد النظرية أن الغاية من هذا الانقلاب الذي سهل مجيء الشيوعيين وهيمنتهم على السلطة، هي لجر الاتحاد السوفيتي إلى الفخ الأفغاني واستنزاف طاقاته، وبالتالي الإطاحة به من الداخل، وهذا ما حصل.
والحدث الثاني، هو الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وإعلانها العداء لأمريكا وإسرائيل والغرب عموماً (صراع الحضارات).
هذان الحدثان (الثورة الشيوعية في أفغانستان والإسلامية في إيران)، وفرا الفرصة للغرب بقيادة أمريكا لتشكيل المنظمات الإسلامية الجهادية، ومنها منظمتا القاعدة وطالبان، وبأموال السعودية والدول الخليجية الأخرى، ونشر التطرف الديني بأيديولوجية الوهابية التكفيرية. وقد نشر السفير الأمريكي الأسبق كورتين وينزر عام 2007، دراسة موثقة بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(2)، جاء فيها أن المملكة السعودية صرفت خلال 25 عاماً نحو 87 مليار دولار لنشر التطرف الديني الوهابي في العالم. ويعتقد أن هذا الرقم ارتفع في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط بحيث بلغ ما صرفته السعودية خلال الثلاثين عاماً الأخيرة على نشر التطرف الديني أكثر من مائة مليار دولار. بطبيعة الحال، السعودية هي الحليفة الاستراتيجية لأمريكا، لذلك لا يمكن لها القيام بهذا العمل دون موافقة، بل وحتى بأوامر من أمريكا وإشرافها وتعليماتها.
وقد يسأل البعض: لماذا لم تقف أمريكا ضد السعودية وهي سبب التطرف الإسلامي؟ الجواب هو أن أمريكا استخدمت ومازالت تستخدم السعودية لهذا الغرض أي نشر التطرف الإسلامي وتشكيل التنظيمات الإرهابية التكفيرية لتحقيق الغرض المنشود، أي جعل الإسلام العدو المشترك والغول الرهيب الذي يهدد الغرب. وقد بات مؤكداً أن تنظيمي القاعدة وطالبان، هما من صنع السعودية وبإشراف أمريكي لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
فبعد إلحاق الهزيمة بالسوفيت وإسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان واستلام المجاهدين التكفيريين (طالبان والقاعدة) للسلطة، حصلت “العواقب غير المقصودة من أعمال مقصودة” حسب تعبير آدم سميث، فكان من العواقب غير المقصودة أحداث 11 سبتمبر 2001، وما قبلها من أعمال إرهابية ضد المصالح الأمريكية. وهكذا بدأت سلسلة من الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن وباريس ومحطة قطارات مدريد… الخ، إضافة إلى تفشي الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية من قبل ما يسمى بالعرب الأفغان. ثم تطورت الأحداث وتم تطوير القاعدة أخيراً إلى جبهة النصرة وداعش الأكثر شراسة وتوحشاَ في سوريا والعراق.
ومن الأدلة التي تشير إلى أن هذه التنظيمات الإسلامية الإرهابية التكفيرية هي من صنع المخابرات المركزية الأمريكية كما يلي:
1- كانت الحرب التي شنتها أمريكا لإسقاط نظام البعث الصدامي باهظة جداً عليها، بشرياً ومادياً ومعنوياً، لذلك خلقت أمريكا “داعش” و”جبهة النصرة” في العراق وسوريا لتغيير الأنظمة في هذا البلدين ومن ثم مواجهة إيران. فما يجري الآن في العراق وسوريا هي حروب بالنيابة، فبدلاً من أن ترسل أمريكا وحلفائها قوات عسكرية نظامية باهظة التكاليف، خلقت هذه التنظيمات الإرهابية وجهزتها بأحدث الأسلحة الفتاكة لتحارب نيابة عنها.
2- كشفت وثائق استخباراتية أمريكية رفعت السرية عنها مؤخرا أن واشنطن سمحت عمدا بقيام الدولة الإسلامية من أجل عزل نظام الرئيس “بشار الأسد” وإسقاطه، ويعود تاريخ هذه الوثائق إلى أغسطس/آب من عام 2012).
3- ودليل آخر على دعم أمريكا لهذه التنظيمات هو أنها من صنع حليفاتها: السعودية وقطر وتركيا والإمارات، ولا يمكن لهذه الدول القيام بهذا العمل بدون موافقة أمريكا إن لم يكن بأوامرها. وأخيراً وكما أشرنا في مقالات سابقة لنا، أن أعترف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دور هذه الحكومات في دعم داعش وجبهة النصرة، ويبدو لي أن الغرض من هذه التصريحات هو لإبعاد التهمة عن دور أمريكا في صنع ودعم هذه التنظيمات.
4- وفي نفس الوقت وبعد أن خلقت أمريكا المشكلة (الإرهاب الإسلامي) تقدم بضاعتها لحل المشكلة، فتقوم بمحاربة هذه التنظيمات على شكل ضربات خفيفة، لا للقضاء عليها، بل لإبقائها ضمن حدود سيطرتها. فأمريكا رفضت تفعيل الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية المعقودة بينها وبين العراق، كما ورفضت تسليح الجيش العراقي لمواجهة خطر داعش. كذلك نعرف أن الجيش العراقي أسسه الأمريكان ولا بد أنهم زرعوا فيه عملاءهم وبكثرة، وهذا واضح من تسليم الموصل والرمادي إلى داعش، وانسحاب الجيش بالكامل تاركاً وراءه الأسلحة التي تقدر تكاليفها بمليارات الدولارت إلى داعش، وهذا دليل على أن القادة العسكريين استلموا أوامر من قيادات عليا لها علاقة بأمريكا لتسهيل مهمة داعش.
5- مناهضة أمريكا لفتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني السيد علي السيستاني في دعوته الشعب العراقي من كل مكوناته لمحاربة داعش، وأدت هذه الفتوى إلى تشكيل (الحشد الشعبي) الذي حقق النصر على داعش. لذلك يحاول الإعلام الغربي والعربي تشويه سمعة الحشد أنه موالي لإيران ومدعوم منها، ويقوم بأعمال انتقامية ضد السنة بدوافع طائفية إلى آخر الاسطوانة المشروخة.
6- إضافة إلى رفض أمريكا دعم الجيش العراقي لمحاربة داعش عدا إرسال الاستشاريين المشكوك في دورهم، كما و ترفض أمريكا الدعم الإيراني للحكومة المركزية العراقية في محاربة داعش.
7- الحملة الإعلامية الغربية لتبرير جرائم داعش، بالادعاء أن داعش نتيجة تهميش وعزل السنة العرب من قبل الحكومة المركزية التي “يهمن عليها الشيعة وإيران”، بينما الواقع يكذب هذا الادعاء.
8- تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما المتكررة بأن الحرب على داعش ستستمر إلى أجل غير محدود، وأن ليست لديه خطة للقضاء عليه. وهذا يعني أنهم خططوا لإبقاء داعش كقوة عسكرية ضاربة، لتهديد أية حكومة في المنطقة ترفض الخضوع للسياسة الأمريكية، وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل، ومنح دور فعال للشركات النفطية الأمريكية مثل إكسون موبيل وغيرها.
9- محاولة أمريكا التعامل مع الكرد والسنة في العراق كدول مستقلة وتسليحها مباشرة، ومطالبة البرلمان العراقي بالإسراع في التصويت على قانون تشكيل (الحرس الوطني) على أسس طائفية وأثنية. والجدير بالذكر أن هذا (الحرس الوطني) هو الاسم الآخر لـ(الحرس القومي البعثي) سيء الصيت. وهناك مطالبات من رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني بعدم إخضاع الحرس الوطني للقائد العام للقوات المسلحة. وهذا يعني تشكيل جيوش ضد الحكومة المركزية، خاضعة لأمريكا ولقادة المكونات، وتدفع الحكومة المركزية تكاليفها من أموال الشعب العراقي، لتعمل هذه الجيوش ضد الوحدة الوطنية.
10- رغم إدعاء الغرب مناهضته للإسلام السياسي، إلا إنه يدعم وبقوة تنظيم الأخوان المسلمين الذي يعتبر الأب الروحي والمفرخ لجميع التنظيمات الإرهابية. فالغرب ينظر بعيداً ويخطط للمستقبل قبل عشرات السنين. فهناك دراسة أمريكية تؤكد علاقة الغرب بتنظيم الأخوان المسلمين منذ الحرب العالمية الثانية، راجع كتاب (A Mosque in Munich, by Ian Johnson)، للإطلاع على خلاصته باللغة العربية، يرجى فتح الرابط في الهامش.
********
والسؤال هنا، من المستفيد من هذا العدو المتوحش الذي لا يشبع نهمه في القتل والفتك والخراب وتدمير المعالم الحضارية؟ ومن هم أغلب ضحاياه؟
المستفيد الأكبر هو العالم الغربي حيث وجدوا في الإسلام، عدوهم التاريخي وجعلوا منه أيديولوجية للإرهاب، حتى أصبح كل مسلم إرهابي إلى أن يثبت براءته. فهناك استطلاع رأي قبل عدة سنوات في بريطانيا أن نحو 30% من البريطانيين لا يرغبون بأن يكون جارهم مسلم، وعلى الأرجح ارتفعت النسبة الآن. والمستفيد الثاني، هو إسرائيل بطبيعة الحال. فقد استطاعت الدول الغربية تحويل غضب الشعوب العربية التي ثارت بما يسمى بالربيع العربي على حكوماتها المستبدة، إلى قوة تدميرية هائلة لذاتها ولجيوشها وشعوبها. فهذه ليبيا أسوأ من الصومال، وسوريا أكثر من نصفها محتل من قبل داعش وجبهة النصرة، والعراق مبتلى بحرب إستنزافية، و قام جيشه بتسليم أسلحته وثلث مساحته لداعش، وهذا اليمن “السعيد” خرائب وأنقاض، ومصر أيضاً تواجه الإرهاب. والإرهابيون هم عرب، عاربة ومستعربة، و10% فقط من داعش أجانب، ونحو 90% من ضحاياه هم مسلمون أو مواطنون من غير المسلمين.
وبناءً على كل ما سبق، فلا نستغرب أن نقرأ هذه الأيام مقولة منسوبة إلى “ثيودور هرتزل” مؤسس الحركة الصهيونية، أنه قال قبل أكثر من قرن: “سنولى عليهم سفلة قومهم حتى يأتى اليوم الذى تستقبل فيه الشعوب العربية جيش الدفاع الاسرائيلى بالورود و الرياحين”.
سواءً كان هذا القول لهيرتزيل أو نسب إليه، إلا إن هذا الذي يجري الآن على أرض الواقع في البلاد العربية.