19 ديسمبر، 2024 2:50 ص

الغذاء والسلوك الاجرامي

الغذاء والسلوك الاجرامي

يعتقد الكثير من الناس أن المرض قضية شخصية تهم الفرد المريض وحده فحسب؛ يتألم لمرضه، فيعجز الآخرون عن تخفيف تلك الآلام، ويظهرون تعاطفهم معه ويقدمون له المساعدة. إلا أن الواقع يفصح عن مسألة اجتماعية، لها علاقة وطيدة بالانحرافات السلوكية لأنه لا يمكن أن نتصور فصل الصحة والمرض والعلاج عن الصورة الاجتماعية الكلية.
لما كان المرض مشكلة إنسانية تصيب الفرد وتؤثر على طبيعة المجتمع الإنتاجية، فإن النظام الاجتماعي في الدول ملزم بإيجاد نظام صحي متكامل يحافظ فيه على صحة الأفراد، ويعالجهم معالجة تؤدي بهم الى الشفاء، ثم إرجاعهم الى عجلة الإنتاج والخدمات الاجتماعية.
وإذا لم تثمر العلاجات الصحية التي تلقاها الفرد في خضم المؤسسات الصحية التي تعتني بها الدولة، تكون ملزمة ببذل راتب للفرد الذي تضرر بسببها، أو تدفع تعويضا ماليا يحفظ كرامة العامل العاجز ويسد حاجيات عائلته.
تبين من دراسات قامت بها جمعيات إنسانية واجتماعية في العالم العربي والغربي بأن انتشار الأمراض يسبب انتشار الجرائم، يؤثر على النظام الاجتماعي من خلال تعطيل طاقات الأفراد في العمل. كذلك يساهم المرض في تقويض النظام الاجتماعي في هدم ما بناه الإنسان.
فالزلزال المدمر، الجفاف المؤدي الى المجاعة، الحرب المؤدية الى الخراب الشامل، انتشار الفساد والدعارة، انتشار الأنظمة الغذائية الخاطئة وخاصة المعلبات التي انتشرت في العالم البشري، كلها تساهم في تقويض النظام الصحي في الحياة البشرية. كما يتعدى تأثير المرض والآلام التي يصاحبها الى عائلة المريض نفسه ومن يلوذ به من محبيه أيضا. فمع أن المريض يمر بتجربة مريرة من الألم والقلق والانزعاج خلال فترة مرضه، إلا أن عائلته تعاني أيضا من حالة استثنائية. فقلق العائلة على معيلها، وخوفها من فقدان الموارد المعاشية يساهم في اضطراب الوضع العائلي ويحرف سلوكه ويجعله مرتبطا بصورة وثيقة بصحة المعيل.
تذهب نظرية الفيلسوف الياباني ميتشيو كوشي الى القول بوجود علاقة وطيدة بين الجريمة ونوعية النظام الغذائي، بل إن الانحرافات السلوكية سببها النظام الغذائي الفاسد الذي يعتمده الإنسان في حياته اليومية.
يقول: غالبا ما يربط علماء الاجتماع بين مشكلات، مثل: الجريمة وإدمان المخدرات وانحرافات الأحداث، وبين التفكك الذي لحق بالأسرة الحديثة، وبين تزايد عدد الجرائم، والاضطرابات النفسية، والعقلية، غالبا ما تنشأ من التحول الذي شهدته العائلة البشرية في القرن العشرين من نمط حياة ريفي، يخطو عن التحول الهائل نحو الصناعة، الى نمط حياة مديني ومجتمع صناعي، الأمر الذي أسهم ، في تفكك الأسرة وتفشي المشكلات الاجتماعية. بينما كانت التغيرات تحدث على النظام الغذائي، كانت هناك أيضا تبدلات حيوية أشد تأثيرا نجمت عن التحول الشامل من الأنماط الغذائية التقليدية الى النظم الغذائية الصناعية الحديثة.
منذ فجر البشرية، درج معظم الناس على اتباع نظام غذائي طبيعي يحقق لهم التوازن مع البيئة. إن أسلافنا، في أنحاء العالم كانوا من المواظبين على تناول المنتجات الزراعية الخاصة بالإقليم الذي يقطنون فيه، كالحبوب الكاملة والخضر الفصلية الطازجة، البقوليات كافة، فاكهة الموسم، بعض المنتجات الحيوانية، وفي العادة كانت الكميات التي يتناولونها أقل بكثير من الكميات التي يتناولها البشر في الوقت الحاضر.
استمر ذلك النمط سائدا في العصر القديم حتى حصول التطورات التكنولوجية التي واكبت الثورة الصناعية، ذلك من خلال هدم أنماط التغذية والحياة العائلية التي دامت لقرون عدة.
بعد الحروب العالمية الأولى والثانية تبدلت أنماط التغذية تبدلا ملحوظا عن ذي قبل. ففي مجال الكيمياء، حلت المخصبات الزراعية والمبيدات، محل الزراعة العضوية. كما أدى ابتكار حاضنات الدجاج الضخمة، الثلاجات الكبيرة والمنزلية، الى الاسهام في الطعام المجمد المسبق الاعداد في خفض نسبة استهلاك المنتجات الطازجة، كما ازداد نصيب الأطعمة المعلبة والمجففة . كما تطورت صناعة الفيتامينات بهدف بيع المواد الغذائية المستخرجة من الحبوب الى المستهلك، ووجدت الألوان الصناعية والمواد الحافظة طريقها الى الأطعمة اليومية.
كذلك حلت اللحوم والألبان والموطا، وغيرها من منتجات الحليب، وتضاعف عدد الماشية في العالم نتيجة التلقيح والتخصيب الصناعيين واستعمال هرمونات النمو.
أصبحت الأطعمة السريعة أسلوبا للحياة، لقد غزت المطاعم السريعة كل بلاد العالم تقريبا أمثال: ماكدونالدز، برجر كينج، ديري كوين وغيرها من الغربية والعربية والعراقية.
فمجرد أن يختل نظام التغذية الذي يعتمد على قاعدة (الين) و(اليانج) تنتج الوظائف الداخلية لجسمنا أحماضا تسهم في عملية اضطراب السلوك. مجرى الدم، يحتوي على نوعين من الخلايا: كريات الدم الحمراء المضغوطة التي تتبع (اليانج) وكريات الدم البيضاء الممتدة التي تتبع (الين)، وتتكامل وظائف هذه الخلايا بعضها مع بعض. إن مجرى الدم (اليانج) يعمل بأسلوب يتكامل مع السائل اللمفاوي (الين) كما أن الخلايا المتخصصة التي تسهم في استجابة جهاز المناعة في الجسم، تأتي في أزواج متكاملة أيضا، أما خلاياT في الجهاز الثاني، تكون مضغوطة وبنيتها أكثر تمددا وتتبع (الين) وتكون خلاياT التي تتبع (اليانج) أكثر عرضة للكسر عند تناول الأطعمة والمشروبات والمضادات..بحيث تضعف هذه الخلايا أو تحطمها، مما يؤدي الى إضعاف جهاز المناعة في الجسم.
لاحظ الباحثين تفشي هذا الخطر المحدق بالبشرية، الآثار الاجتماعية الناجمة عن تغيير النظم الغذائية، وأسلوب الحياة الذي طرأ على المجتمع منذ الحرب العالمية الثانية.
شهدت الفترة زيادة حقيقية في التعرض للإشعاع والانتحار وغيرها.
حيث يؤدي الخلل في نظامنا الغذائي الى تفاقم المشكلات والانحرافات السلوكية، لأن النظام الغذائي الذي يعتمده الجسم نوعية معقدة وبالغة الدقة، مجرد أن يختل النظام تنتج الوظائف الداخلية لجسمنا أحماضا تسهم في عملية اضطراب السلوك بسبب تزايد عدد الاضطرابات العقلية، النفسية، الجسدية التي سببها نقص وضعف جهاز المناعة في الجسم عند تناول تلك الأطعمة والمشروبات والسجائر والمياه الغازية والمخدرات …

أحدث المقالات

أحدث المقالات